وفقاً لصحيفة اليوم التالي 2 أغسطس 2017، كَشَفَ مُعتمد باسندة بولاية القضارف عن خلافهم مع إثيوبيا، عقب رَفْضْ الإثيوبيين قبول الجنيه السُّوداني أو البِرِّ الإثيوبي، ومُطالبتهم بِدَفْعِ فاتورة رَبْط مدينة القلابات بشبكتهم الكهربائية بالدولار! وفي سياقٍ قريب، أعلنت وزارة الكهرباء لصحيفة الانتباهة في 8 أغسطس 2017، عن (مُقايضة) الـ200 ميقاواط كهرباء المُسْتَوْرَدَة من إثيوبيا بالبنزين، دون توضيح مصدر ذلك البنزين! وأكَّد أمين عام جهاز تنظيم ورقابة الكهرباء، على أنَّ الكهرباء ما زالت (مدعومة) ولا تُغطِّي تكاليف إنتاجها، وطَالَبَ المُواطنين بتغيير مواعيد (الغسيل والمَكْوَة)!
عقب هذه التصريحات المُخجِلَة، توقَّعتُ استدعاءً برلمانياً (صُوريَّاً) لمُسْتَوْزِرْ الكهرباء ومُساءَلَتِهِ عن كَذِبِه وفشله، كما توقَّعتُ أن يُخيِّب ظَنِّي (الرَّاسخ) أحد حُثالة إعلامهم المأجور، بتسليط الضوء على تضليل المُتأسلمين بشأن الكهرباء والسدود عموماً وسد النهضة خصوصاً، ولكنَّهم – وكما ألفناهم – آثروا بِرَك انحطاطهم الآسنة، وواصلوا غدرهم وخيانتهم للبلاد وأهلها، ورَسَّخوا قناعاتنا بأنَّها خِصالٌ مُتجذِّرة في جماعتهم المأفونة. ولقد أرجأتُ التعليق على تصريحاتهم أعلاه (عَمْداً) لينفوها أو يعدِّلوها، وحينما لم يفعلوا لم يَعُدْ أمامي غير عرضها وتفنيدها توضيحاً لتناقُضاتهم وأكاذيبهم.
ففي مارس 2016، احتَفَتْ مجموعة من الأقلام الرَّخيصة بتصريحات مُسْتَوْزِر الكهرباء المُرتبكة عن السدود، حيث أقَرَّ بسلبيات سد مروي وأثنى على كجبار لحجمه الصغير وإنتاجه الكبير (360 ميقاواط)، ثمَّ تَرَاجَعَ في ذات الجلسة، وقال قولته المُوثَّقة (لولا عناية الله ثمَّ سد مروي لما جلسنا الآن تحت سقف هذه المكيفات)! وفي حديثه للمجهر السياسي بتاريخ 11 يوليو 2015، قال أنَّ إنتاج سد مروي لا يغطي احتياجات الخرطوم! وقبلها، أفاد نفس المُسْتَوْزِرْ لسونا 17 أبريل 2014، بأنَّ سد مروي (ممتاز) و(خالٍ من العيوب)، وأنَّه تَجَاوَزَ طاقته القُصوى البالغة (1250)، وحَقَّقَ إنتاجاً فعلياً بلغ (1260) ميقاواط! أمَّا الكِذْبَة الإسلامَوِيَّة الأعظم خطراً، فجَسَّدها دفاعهم المُستميت عن سد النهضة وإيحاءاتهم بـ(مَجَّانية) كهربائه، رغم خُلو اتفاقيته الإطارية من أي (التزامٍ) إثيوبي عن حجم الكهرباء أو سعرها أو المُتكفِّل بإنشاء خطوطها الناقلة! وهي معلوماتٌ (وَثَّقْتُها) في جميع مقالاتي بهذا الخصوص، وتَحَاشَت جميع الأقلام المأجورة الإجابة تناوُلها بوضوح، وسعوا لإلهاء الشعب السُّوداني بالتوافه، مُقابل رحلات سياحية مشبوهة لإثيوبيا مدفوعة، دون اعتبارٍ لمصلحة السُّودان وسلامة أهله حاضراً ومُستقبلاً.
ورغم أنَّني كتبتُ كثيراً عن سد النهضة وعن بنود اتفاقيته المُجحفة، فضلاً عن كتابات عدد من الخُبراء والمُتخصصين، الذين من بينهم وزير الري الأسْبَقَ ومُستشار الوزارة القانوني ووكيلها الأسبق، فلا بأس من التذكير ببعض التجاوُزات الصارخة لهذه الاتفاقية. وفي هذا الإطار، فإنَّ اتفاقية السد، خَلَت من (الالتزام) بالاتفاقيات القائمة وأهمَّها إتفاقية 1902، المَعْنِيَّةِ (حصراً ومُباشرةً) بالمشروعات والخَزَّانات، التي خَطَّطت إثيوبيا و(تُخطط) لإقامتها بالنيل الأزرق! كما خَلَت الاتفاقية تماماً من أي (نصٍ واضحٍ ومُلزم) لتعويض الدولة المُتضرِّرة من السد، واكتفوا بصيغة ضبابية (مُناقشة التعويض كُلَّما كان ذلك مُناسباً)! وبالنسبة للتعاوُن في الملء الأوَّل وإدارة السد، تمَّ استبعاد عبارة (إلزام) واستبدلوها بـ(إحترام) المُخرجات النهائية للدراسات المُشتركة المُوصَّى بها في تقرير لجنة الخُبراء الدولية، والتي حُدِّدَ لها 12 شهراً، تخضع بعدها للدراسة (ثلاثة أشهر) وبذلك تُصبح الفترة 15 شهراً، مما يعني (عملياً) صعوبة تنفيذ تلك المُخرجات، وهذا كله لغياب (الالتزام)! والمُصيبة، أنَّ البند أعطى إثيوبيا (كل الحق) في ضبط قواعد التشغيل السنوي، دون الرجوع لدولتي المصب، والاكتفاء بـ(إخطارهما فقط) بالأسباب التي استدعت ذلك!
وتَحَاشَى البند العاشر الخاص بتسوية المُنازعات، مسألة (التحكيم) تماماً لأنَّه (مُلزم) و(نهائي)، واستبدلوه بعبارة (يُحال لرُؤساء الدُوَل)! وهناك حجم التخزين البالغ (74) مليار، الذي يتناقض وآراء المُختصين القاضية بتخفيضه لنحو (11) مليار، وهو الحجم الذي وضعته إثيوبيا في استراتيجيتها القومية منذ أوائل الستينات، بخلاف الأضرار الناجمة عن تخزين هذه الكمية الضخمة، وفقاً لتقرير اللجنة الثلاثية المدعومة بخُبراء دوليين في مايو 2013م! وتزداد الخطورة، مع عدم التأكُّد من (سلامة) السد في ظل تعثُّر دراساته التي ما تزال في علم الغيب! فضلاً عن الآثار الضارة بالسُّودان (علمياً وهندسياً وزراعياً واقتصادياً واجتماعياً)، تبعاً لحجز مياه الفيضان وتسبُّبها في ضياع أراضي الجروف وتغذية المياه الجوفية، استناداً لدراسات (الوزارات المعنية)، بشأن الآبار الإختبارية (عملياً) وليس (افتراضاً)! وهناك أيضاً فُقدان كلٌ من الري الحيضي والفيضي، و(صعوبة) ملء خَزَّاني الروصيرص وسِنَّار وبالتالي توليد الكهرباء منهما، وفُقدان مياه ري مشروعات النيل الأزرق، بما فيها مشروع الجزيرة والرهد والسوكي!
الآن بدأت نُذُر كوارث السد وأخطاره بالظهور، وثَبُتَت أكاذيب المُتأسلمين و(اختفت) الأقلام المأجورة التي زَيَّنت الباطل، وباعت الوطن وأهله بدُرَيهماتٍ معدودة، سيدفعها أبناؤُهم مع السُّودان وأهله في المُستقبل القريب، لو استمرَّت الأمور بهذا النحو الكارثي. وأمَّا الصَلَف والابتزاز الإثيوبي، فسببه المُباشر البشير وعصابته المأفونة، عقب تَوَرُّطهم في مُحاولة اغتيال حسني مُبارك في أديس عام 1995، وسيتزايد الابتزاز ببقاء البشير ولن يتوقَّف على المُطالبة بالدولار مُقابل الكهرباء. علماً بأنَّنا نستحقُّ كهرباءً كاملة (مَجَّاناً) من سد النهضة لو (استقامت) الأمور، لأنَّ السد مُقامٌ في أرضٍ سُّودانية آلَت لإثيوبيا تبعاً لاتفاقية 1902، شريطة ألا تُقيم أي إنشاءات/مشروعات مائية على مجرى النيل الأزرق، وكان حَرِياً بالبشير وعصابته استرجاع تلك الأراضي عقب إلغاء إثيوبيا لجميع الاتفاقيات السابقة، أو توثيق اتفاقات قانونية جديدة واضحة المعالم، تضمن حقوق السُّودان الآنيَّة والمُستقبليَّة، خاصةً الجوانب المُتعلقة بالسلامة والتعويضات وحِصَصِ المياه والكهرباء والفوائد الأخرى، بدلاً عن العبارات الـ(ضبابية) التي أشرنا لبعضها أعلاه، وما يترتَّب عليها من أخطارٍ كبيرةٍ على سيادتنا واستقلالنا.
الفرصةُ ما تزال مُواتية، لإيقاف الصَلَف والابتزاز الإثيوبي وتثبيت حقوقنا، وهذه مسئوليتنا نحن السُّودانيُّون تبعاً للمساحة المُتاحة لكلٍ مِنَّا، ووفق تخصُّصاتنا وقُدرتنا على تكييفها لصالحنا. وفي هذا الإطار، أُجَدِّد دعوتي السابقة للأخوة القانونيين الصَّادقين في خدمة السُّودان، للإسراع بإعداد (عرائض/مُذكِّرات) قانونية دولية وإقليمية رصينة، لتثبيت حقوق السُّودان في بني شنقول المُقام بها سدُّ النهضة كخُطوةٍ أُولى وعاجلة، استناداً لنفس مُبرِّرات نقض إثيوبيا للاتفاقيات السابقة، وهذه خُطوة ستُجبر إثيوبيا على (توثيق/تثبيت) الكثير من الفوائد التي (جَبُنَ) عنها البشير، وتُؤطِّر اتفاقية السد بإدخال شروط/بنود جديدة، تضمن حقوق وسلامة مُستقبل أجيالنا القادمة، بخلاف إنقاذ أهلنا السُّودانيين (الأصيلين) ببني شنقول، وإيقاف مُعاناتهم التي فاقت القرن من الزمان.
هذه حقوقنا الأصيلة وليست فضلاً ولا شأن لها بعلاقات الشعبين، فالمسألة هنا سيادة وطنية ومُستقبل أولادنا وسلامتهم، ولا يجوز التهاوُن فيها والتلاعب بها. والعرائض القانونية المُشار إليها أعلاه، يجب ألا تقتصر على استرداد بني شنقول من إثيوبيا وحدها، وإنَّما تمتد لتشمل كل الذين تعدُّوا على أراضينا والتهموها، كرسائل قَوِيَّة وجَادَّة لجميع الطَّامعين في السُّودان ومُقدَّراته، وخطوة عملية لاستعادة ثقة الشعب السُّوداني في كياناتا ونُخبنا، وحافزاً حقيقياً لتعزيز الالتحام الشعبي المطلوب للثورة على البشير وعصابته المأفونة، واقتلاعهم ومُحاسبتهم ومُعاقبتهم على جرائمهم المُتراكمة ضد السُّودان وأهله. والمطلوب من كياناتنا السُّودانية (مدنية/مُسلَّحة) تبنِّي وتقديم هذه العرائض والمُذكِّرات، كآخر فرصة أمامهم لإثبات جِدِّيتهم وحِرصَهُم على السُّودان (دولةً وشعب)، والإسراع بتسمية مُمثِّليهم القانونيين بشكلٍ رسمي وعاجل، أو مُساعدة القانونيين المُستقلِّين الذين سيتصدُّون لهذه المُهمَّة الوطنية النبيلة، وهو أمرٌ سبقتهم عليه الكيانات الإثيوبية حينما سمعوا بمسألة ترسيم الحدود، حيث رفعوا مُذكِّرة لأمين الأُمم المُتَّحدة، رفضوا فيها الخروج من أراضينا التي أحتلُّوها عُنوةً، مما دفع برئيس وزُرائهم ديسالين للالتزام/التعهُّد أمام برلمانه، بعدم اتخاذ أي خطوة بشأن الحدود إلا بعد الرجوع للشعب.
لقد آن الأوان لاقتلاع المُتأسلمين وتجاوُز أكاذيبهم المفضوحة يوماً بعد يوم، وإيقاف تجاوُزات المُغامرين الذين استباحوا بلادنا طولاً وعرضاً، ولعلَّ ثُلُث قرنٍ من الزمان كافية تماماً للتقييم والتقويم، ولنثق تماماً في هروبهم للبلاد التي يحملون جوازاتها، وسيتركون بلادنا في فوضى عارمة، فلا ننتظر الكارثة حتَّى تحدث.