كامل كاريزما – صحيفة الهامش
28 – April – 2016
يقول اللّٰه عز وجل في كِتابه الكريم:”إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” سورة الرعد الآية[11] – نحن كـ”شعب سُّودانِى” عندما يُغتال لنا طالب في الجامعة”الفلانية” أو إذا أعتقل لنا الناشط”العلاني” أو في حالة أزداد سِعر سلعة معينة، و ساعتها كلنا”جنوباً وشرقاً وشمالاً وغرباً” نخرج إلى الشارع ونقول بالصوت الواحد”الشعب يريد إسقاط النظام” و لكن بعدها بِساعات قليلة تجد الشارع خالي تماماً! وهنا نتسآءل لماذا ؟! لأن كُل واحد فينا يتسآءل مَنْ الذي أمامي وخلفي ويميني وشمالي؟! فتجدّ هذا لونهُ كذا وذاكَ شكلهُ كذا ومِنْ جهة كذا وقبيلة كذا وطائفة كذا! فتقول لنفسك وبكُل صراحة”لماذا نثُور لهؤلاء؟!” و هنا تظهر تأثيرات الأيدلوجيا القبلية و الجهوية .
النعرات الجهوية والطائفية والقبلية والعنصرية نعرات تدل على أنَّ المجتمع يعيش في وضع متخلف وطنياً وحضارياً وسياسياً وأنه يعاني من الإلتهابات المهيجة الحاده في مفاصله الأساسية التي تشد كيانه الإجتماعي بعضه إلى بعض .
هذه الإلتهابات التي إما أنَّ يكون سببها إقتصادي كالشعور بالفقر والحرمان المادي الشديد من ثروة المجتمع فيولد هذا الحقد لدى المهمشين أفراد ومناطق! .. أو يكون سببها غياب العدالة الإجتماعية أو المناطقيه أو يكون سببها الديكتاتورية الشمولية المستبدة المُدمِرة للروح الوطنية والإجتماعية! .
فالديكتاتورية الشمولية المهينة للناس تولد الأحقاد والشعور بالإضطهاد لدى كثير من الأفراد كما تؤدي إلى إنتِشار الفساد في المجتمع الوطني – الفساد المالي والإداري والفساد الإجتماعي والأخلاقي جميعاً ! – وبلا شك تؤدي إلى ضعف الإنتماء الوطني بل و بروز ظاهرة كراهية الوطن بل و الكفر بهذا الوطن فالناس مجبولون على كراهية الأماكن التي يشعرون فيها بالفقر والإذلال والمهانة! .
وبالتالي إنتكاس الناس وعودتهم إلى المكونات الإجتماعية البدائية الأولى للمجتمع الوطني طلباً للحماية أو الإستقواء – أي الرجوع إلى المكونات “تحت الوطنية” كالطائفة والجهة والقبيلة، مكونات ما قبل الدولة الوطنية! – وأما في حالة توفر الديموقراطية والعدالة الإجتماعية والمناطقية في البلاد وإنتشار ثقافة المواطنة في المجتمع فإن مثل هذه النعرات تكون محصورة في أضيق نطاق وقد يتم التعامل معها من باب المزاح والنكات فقط .
هذا بشكل عام أما فيما يتعلق بالحالة السُّودانِية ففضلاً عن كافة العوامل السابق ذكرها فإن تلاعب الطاغية”البشير” على وتر النواحي الجهوية والقبلية في سبيل توطيد أركان حكمه وإعتماده على قبيلته وأفراد عشيرته في إحكام قبضته على البلاد ساهم في إزدياد مثل هذه النعرات ضد الوطنية والمخالفة للقيم الوطنية والدينية على السواء .
ثم زاد من الطين بِلة تجريم وتحريم وتشويه التحزب الفكري والسياسي “الحزبية” كبديل سياسي عصري وحضاري للتعصب الجهوي والتجمع القبلي والطائفي والعنصري بل وعمل النظام على خلق تجمعات “مشبوهة” على أساس قبلي عشائري متخلف تحت مسمى “الروابط القبيلية!!” وسط المدن ودعمها وإستخدامها كبيادق في يد البشير وأعوانه .
السفاح عمر البشير الحاكم الفعلي والمطلق والحالي للدولة السودانية والمسؤول الأول والأكبر في الدولة السودانية !!!.. المسؤول الأول والأكبر عن كل هذا التخلف والفساد والفوضى والخراب!.
الخبر السعيد هنا هو أن هذه النعرات التي نسمع أصواتها بين الفينة والأخرى هنا أو هناك إنما هي نتاج إلتهابات سطحية وقتية غير عميقة وليست من القوة والإتساع الذي يتصوره البعض أو كما يحاول النظام تصويره لنا لغرض في نفسه ! .
إذ أن هذه “الإلتهابات الإجتماعية” مرتبطة بملابسات سياسية وإقتصادية طارئة وليست خالدة ودائِمة كما أنها ليست عميقة كما تبدو للبعضٌ! .
وبالتالي فبمجرد إزالة هذه الملابسات أو زوال أسباب تهييجها فإنها ستزول مع زوال “الحمل” المؤثر والمهيج والمسبب للألم والوجع الحالي!.. وستنحصر في زاوية هامشية لا قِيمة لها ولا خوف منها .
وزوال السبب الرئيسي و”الحمل” المؤثر والمهيج لمثل هذه النعرات القبيلية والعنصرية والمناطقية يكون من خلال إنهاء الديكتاتورية السياسية أولاً وتخفيف التفاوت الإجتماعي والمناطقي وتحقيق العدالة الإجتماعية والمناطقية – وليس بالضرورة المساواة التامة – في توزيع الثروة الوطنية العامة مع توفير المناخ الديموقراطي والسماح بوجود حياة سياسية حزبية متمدنة تقوم على أساس البرامج السياسية لا الروابط والعلاقات الإجتماعية كبديل حضاري للتجمعات القبلية والعنصرية والجهوية التي لا يصح إقحامها في النشاط السياسي و يجب تحريم و تجريم محاولة إستغلالها وإستثمارها من قبل أي طرف سياسي و محاسبته بل حرمانه من ممارسة النشاط السياسي المنظم حماية ً للديموقراطية وللوحِدة الوطنية (كفاية!) .