قد دار في خُلدي كثيرا من التساؤلات عن مصير كتيبة الإسناد السماوي التي كانت تتخذ من القصر الجمهوري قاعدة لها، وسبق أن حدثني رجل دين مرموق عن هذه الكتيبة ،في كيف انه لعب دورا بارزا في تجميع هذه القوات من ولايات السودان المختلفة بما فيها دافور ،وكما حكي لي عن دوره في قيادة وتوجيه هذه الكتيبة نحو تحقيق غاياتها العسكرية القصوى جنبا الي جنب مع كتائب الظل والدفاع الشعبي والأمن ومليشيات الجيش والدعم السريع ،ولكن مهمة هذه الكتيبة كانت تنحصر فقط في تعزيز العون السماوي عبر التماس طلب المساعدة الإلهية في تثبيت قلوب المقاتلين ،وطلب المباركة وديمومة السلطة للرئيس عمر البشير وقتها ،يا تري من تكون هذه الكتيبة التي تقوم بمثل هذه المهمات العظيمة ؟! انهم حفظة القران وبعض تلاميذ الخلاوي الذين احضروا خصيصا لتلاوة القران والقيام بمشروع الأدعية المستدامة.
وكمثل أي جنود الذين يُزج بهم في حروب عبثية لا ناقة ولا جمل لهمفيها، هؤلاء الضحايا من طلاب الخلاوي وحفظة القران، كانواصادقين في مهمتهم، أو علي الأقل، أن بقاءهم في القصر الجمهوري قد جنبهم من بعض صروف الدنيا ومحنها، ضنك الحياة وبؤسها ولا سيما حياة الخلاوي –حيث تأتيهم من كل حدب وصوبما طاب ولذ من المأكولات والمشروبات . وقيل انهم يقومون بختم القران في كل يوم يُولد ،يتوسلون بأكفهم الي السماء نهاراً ومساءً،وفي كل لحظةٍ وحين ،وقد فعلوا كل ذلك بإخلاص ظنا منهم في تثبيت دعائم دولة الإسلام التي صُورت لهم علي أنها تواجه تحديات جِسام من قبل أعداء الله وأعداء الإسلام ،وفي الوقت ذاته، لا نسيئ الظن فيهم بإدراكهم لما يدور من حولهم داخل القصر الجمهوري ،من الفساد الأخلاقي بمختلف درجاته، وفي الخارج قتل الناس وتنكليهم وسحلهم!…وهنالك قصص كثيرة غير مترابطة عن مصير هؤلاء الضحايا، ولكن فيما رُوِي، انه في يوم المجزرة، وقُبيل فض الاعتصام قد شُوهد انضمام بعض الأشخاص تشير ملامحهم بذات الأوصاف لمنطقة كولمبيا ،وقد حدث فيما حدث لاحقا !.
يظن بعض المهووسين، أن تجارة الدين في السياسة لن تبور أبداً، وانها لا تحتاج الي رأسمال سوي عقول فارغة ،ومجتمع تُسيطر عليها الأسطورة والخرافة ،هكذا، وفي عام 2015 أعلن الرئيس الغامبي “يحي جامي“ إسلامية الدولة، وكان دائما يحمل مصحفافي يده في معظم خطاباته الرسمية ،وقد بلغ به الهوس الديني مبلغا عندما اعلن أن رئاسته وحكمه في يد الله ،وان الله وحده يمكنه أنينزعه منه ،وقد زعم انه سيبقي في الحكم مليار عام بأمر الله...وفي انتخابات 2016 مُني بهزيمة نكراء أمام مرشح المعارضة “آداما بارو“ ،واقر بهزيمته ،ولكنه رفض لاحقا الاعتراف بنتيجة الانتخابات مُعلنا حالة الطوارئ قُبيل تنصيب الرئيس المنتخب ،وقد توسطت المنظمة الأفريقية لدول غرب إفريقيا (إكواس) ومنحته مُهلة للتراجع عن قراره ،وبعد ساعات من انتهاء المُهلة ،توغلت قوات إكواس في حدود غامبيا ،هرب “يحي جامي“ الي غينيا الاستوائية ! وحينها علقت واستفهمت بعض الكتابات الساخرة ،هل نقض السماء عهده في كفالة وحماية الرئيس المعين من قبل الله لمدة ميار عام؟!!!
كانت واحدة من مآسي دولة الكيزان، أن جعلوا من السحرة والمشعوذين والدجالين موظفين عموميين للدولة، فبعضهم يتقاضون مرتبات تفوق مرتبات الوزراء وكبار الدبلوماسيين، فكانت بيوت الشيوخ (الامبتارا) والقباب والمزارات قبلة المسئولين المعينون الجدد، حتى قبل أدائهم للقسم، ظنا منهم في نيل المباركة وتثبيتهم في المناصب! وبعد انتهاء الحقبة المشينة في تاريخ السياسة السودانية، ظننا خروج الأسطورة والخرافة كلية من الظاهرة السياسية السودانية، واستعادة روح العقلانية في التخطيط الاقتصادي والسياسي والقانوني…الخ، ولكن يا للأسف تتجدد هذه الظاهرة بأوجه مختلفة على ظهر مشروع الثورة السودانية والتي جاءت لإحداث قطيعة تامة مع هذه المفاهيم. وبين كل هذا وذاك، نعودمرة أخري ونسأل عن مصير كتيبة الإسناد السماوي.
عبد العزيز التوم