بنيامين وعوض رجلان مُسنّان يتوليان إدارة أرشيف أفلام السودان. ومنذ أكثر من أربعين عاما وهما يتفانيان في حماية ذاكرة البلاد التصويرية.
وإذْ يضم نحو 13 ألف فيلم، فإن الأرشيف يحفظ لحظات محورية في تاريخ السودان المضطرب، وهو أحد أضخم الأرشيفات في أفريقيا.
لكن الأرشيف بات في حالة يرثى لها. وبعد سنوات من الإهمال وسوء التخزين، تحولت الكثير من شرائط الأفلام إلى تراب في ظل المناخ السوداني الاستوائي القاسي.
وقد عزم الصديقان (بنيامين وعوض) على إصلاح الأمر وشرعا في مهمة حماية الأفلام القديمة. فهل ينجح الصديقان في حماية تاريخ السودان التصويري من أجل الأجيال القادمة قبل فوات الأوان؟
وكتب صهيب قسم الباري مصطفى، وهو مخرج وصحفي وسيناريست سوداني، لـموقع الجزيرة باللغة الإنجليزية، قائلا: عندما شاهدت أرشيف أفلام السودان للمرة الأولى اندهشت من كم عدد شرائط الأفلام المكدسة فوق بعضها البعض في غرف مختلفة.
لقد اكتشفت هذا الكنز المختبئ وحارسيه (بنيامين وعوض) بينما كنت بصدد عمل بحث حول السينما السودانية. كان الهواء في المبنى رطبا ومحملا بأبخرة كيماوية من شرائط الأفلام القديمة، حتى أنني بعد وقت قصير في المكان أصابني شعور بالدوخة.
لقد كانت النقوش تنمحي من على الجدران، كما كانت معدات تشغيل وتحرير الأفلام في حالة مزرية. لقد باتت المهمة عبثية أمام بنيامين وعوض لكي يحافظا ويعتنيا بأكثر من 13 ألفا من شرائط الأفلام.
صار عندي دافع مزدوج للعمل على هذا الفيلم (أفلام السودان المنسية): الأول لرفع الوعي حول قيمة هذا الأرشيف؛ والثاني لتكريم هذا التفاني من جانب بنيامين وعوض في سبيل الحفاظ على هذه الأفلام.
إن أرشيف الأفلام الوطني هو الأرشيف الوحيد الذي تملكه الدولة في السودان، كما أن العديد من الأفلام المخزنة به هي نسخ فريدة من نوعها، وإذا ما ضاعت تلك الأفلام فإن الجزء الأكبر من أفلام السودان وتاريخه التلفزيوني سيضيع بضياعها.
وعلى صعيد (بنيامين وعوض) فإن الأمر لا يقتصر على تفانيهما المتميز في العمل وإنما أيضا صداقتهما كانت مميزة: إن عوض هو من شمال السودان بينما بنيامين فقد ولد في الجنوب. وبعد عقود من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب انفصلت جنوب السودان عام 2011 وأصبحت أحدث دول العالم.
وبانفصال الجنوب، فقد بنيامين جنسيته، وبات بصفته أجنبيا يواجه الكثير من العقبات في حياته اليومية. لكن ذلك لم يمنعه عن الاعتناء بتاريخ السودان التصويري. ولا استطاعت عقود الصراع أن تنال من صداقة بنيامين وعوض.
وعلى مدار أكثر من عام بينما كنت أتتبع الشخصيتين ومهمتهما الصعبة في سبيل الحفاظ على شرائط الأفلام، باتت تربطني بهما صداقة قوية. وقد تأثرت كثيرا بالأحداث المأساوية التي وقعت أثناء عملية التصوير، من استغناء القائمين على الأرشيف عن عوض وفصله، وموت بنيامين في حادث سير… لقد تحول الفيلم إلى تحية لـمثالية بنيامين وعوض.
ويجري الآن مشروع رقمنة الأفلام (تحويلها إلى النظام الرقمي) وهو مدعوم من السفارة النرويجية وتتولى تنفيذه جامعة بيرغن. لقد تم التخطيط للمشروع قبل خمس سنوات لكن واجهته عقبات متعددة، حتى أن أحدا لم يتوقع أن يبدأ المشروع.
لقد بدأ انعقاد التدريب الأول منذ شهر وبالكاد بدأت عملية الرقمنة. وليس معلوما إلى متى سيدوم التمويل، ذلك أن رقمنة كافة الأفلام ستستغرق سنوات عديدة. وإذا لم يستمر المشروع النرويجي، فإن التلفزيون الوطني السوداني سيكون في حاجة إلى استئناف المشروع بنفسه.
المصدر : الجزيرة الانجليزية