عثمان نواى
بلا شك ان السودان بلد معقد جدا من ناحية التركيب والهيكلة والمكونات الاثنية والثقافية والفكرية كذلك هو بلد له تاريخ طويل من الأزمات وسوء إدارة الأزمات. وهو الأسوأ ربما فى المنطقة. خاصة مع المقارنة بامكانيات السودان البشرية والمادية الكبيرة . ومن اهم أزمات السودان المتعلقة بسوء إدارة بلاد متازمة بالطبيعة هى أزمة الفعالية او efficiency. والمعروف انه فى علم الإدارة مهما توفرت الأرادة او الموارد او حتى التخطيط الجيد، عندما تغيب الفعالية، فإن كل المقومات الأخرى تذهب مع الرياح. لأن الفعالية هى عملية تحويل الخطط والامكانيات الى فعل ولكن الأهم من الفعل نفسه، هو ان يكون ذلك الفعل له تأثير حقيقي فى اتجاه تحقيق الأهداف التى يراد الوصول إليها. ولذلك فإنه وبعد مليونية الأمس يتبادر الى الذهن التساؤلات حول مدى فعالية قوى التغيير المسؤولة عن إدارة أهداف الثورة و قيادتها الى مراميها، ومدى الفعالية هنا مرتبط بقدرتها على استخدام مليونية الأمس مثلا لأقصى درجة ممكنة للدفع نحو هدفها النهائى وهو التغيير الجذري ومرحليا هدف إسقاط المجلس العسكرى او تسليم السلطة الى المدنيين.
والفعالية مرتبطة احيانا فى الإدارة بقلة الموارد والفرص، وبالتالى يتم البحث عن أفضل الوسائل لتحقيق القدر الاكبر والوصول الى اقصى حد ممكن من الأهداف من خلال تلك الامكانيات والموارد المحدودة، وعدم تبذير اى قدر من تلك الموارد. و والواقع السياسى السودانى الان من منظور إمكانيات وموارد وفرص اكمال التغيير لا يعانى من اى شح، وما مليونيات الأمس ومن قبلها ٦ أبريل و٢١ أبريل وغيرها الا جزء من البذل المفرط من السند الشعبى الثورى لمتطلبات التغيير مع كامل الاستعداد للتضحيات العظيمة . و لكن يبدو ان قوى التغيير فى التجمع والاحزاب السياسية يبدو أنها محصورة نفسيا فى حالة ماضوية هى حالة العجز عن تحريك الشارع وعدم القدرة على الحشد الشعبى. ولذلك فانها لازالت تنظر الى الانتصار من منظور كمية الحشد والقدرة عليه. فلا زال رؤساء الأحزاب يشعرون بالرعب ربما من مشهد رئيس الحزب الشيوعي الراحل نقد فى ٢٠١١ وهو يرفع لافتة حضرنا ولم نجدكم فى ميدان ابو جنزير فى محاولة الاستنساخ الفاشلة للربيع العربى وقتها. ولذلك ربما لازالوا لا يثقون تماما فى أنفسهم، ويعكسون انعدام الثقة هذا على الشعب السودانى. ولذلك يقومون بتحركاتهم بتحفظ ورعب كان ظاهرا فى التخطيط والتوجيه وإعادة التوجيه بالامس ولكن الاهم انه كان ظاهرا فى عدم الفعالية فى استخدام المليونية لتحقيق هدف تسليم الحكم للمدنيين. ولذلك ربما أصبحت محصلة الامس من ناحية سياسية ليس نجاح الخروج الشعبى بالملايين ولكن فشل قوى التغيير فى الوصول الى القصر،والقصر هنا ليس وصول الجماهير اليه فعليا، بل قدرة القوى السياسية القائدة للحراك على الوصول اليه عمليا والسيطرة عليه و تحقيق الحكم المدنى المنشود . هذا هو الفشل الذى يحتاج قوى التغيير التوقف عنده بجدية ومراجعة كل الخطوات التى تم اتخاذها منذ ٦ أبريل الماضى وحتى الآن، والتقييم بصدق لما اذا كانت هناك قرارات وسبل اكثر فعالية كان يمكن ان تستفيد من الحراك الثورى بشكل أفضل يوصل الشعب الى ما يريد فى وقت اقل وتكلفة اقل.
اليوم وغدا سوف يثبتان ان هناك ضعفا فى الموقف السياسى لا يساوى قوة الموقف الشعبى. واان القوى السياسية لازالت تنظر الى طاولة المفاوضات بينما ينظر الشارع الى الإسقاط الفورى للمجلس العسكرى ومحاكمة كل أعضاءه واستلام السلطة فورا. ان المحصلات الصفرية لسوء إدارة الثورة الشعبية السودانية منذ ٦ أبريل تقود الى قراءات قد لا تكون ابدا فى صالح استمرار قوى التغيير الحالية فى قيادة الحراك. الامر لا يتعلق بالتخوين بل بالكفاءة والفعالية. و من أهم خطوات الإدارة فى تصحيح المسارات وإعادة الترتيب هو التقييم evaluation. فهل قامت قوى التغيير بما فيها تجمع المهنيين بتقييم ادائها الى الان ومدى قدرتها على النجاح فى إيصال الشعب السوداني الثائر لمبتغاه باقل التكاليف وأفضل النتائج؟ . وهل هى فقط القائد الأوحد الممكن للشارع، سواءا افراد وكيانات ام ان الشعب السودانى الذى تحدي غياب الإنترنت والاموال والبنزين والدواء، وابتكر وسائل للعيش وبل الثورة من دون كل ذلك، هذا الشعب اليس قادرا أيضا على ابتكار هياكل وكيانات سياسية ومدنية جديدة تقوده بفعالية. وهذه القيادة ربما تتجلى الان فى لجان الأحياء والمقاومة التى انجحت مليونية الأمس وانجحت الاعتصام وتحدت كل الظروف طوال ٧ أشهر الى الان.
ان تحقيق التغيير يحتاج اولا الى تغيير وسائل التفكير، من دون ذلك لن يكون تغيير حقيقي. ان الواقع الراهن يحتاج الى خطوات عملية حاسمة اكثر من التكتيكات التى تهدف على الحفاظ على الموجود بدلا عن التطلع الى الوصول الى الهدف المنشود. القوى السياسية بلا شك لا تمثل كل طموحات الشارع السودانى وهى بشكلها الحالى وتاريخها الطويل تعلم انها لن تقود المستقبل لذلك هى تريد الحفاظ على بقائها على حساب تحقيق أهداف الثورة. ان اللحظة الراهنة تتطلب الدعوة المباشرة لإسقاط المجلس العسكرى وهذا ما لم يصدر عن التجمع او قوى التغيير الى الان. وبينما لا يرى الشعب السودانى العسكر شركاء فى التغيير الان، لكن لا زالت القوى السياسية تراهم شريك محتمل جزئيا. هذا التناقض اذا لم يحل واذا لم يتمكن الشعب السودانى من الإمساك سريعا بزمام الأمور فان القوى السياسية سوف تحول المليونيات الى محصلات صفرية باستمرار على الجانب السياسى والقدرة على تحقيق أهداف الثورة من خلالها. وعليه فإن الايام المقبلة ايام حاسمة للغاية لكل الأطراف لتحقيق نقلة نوعية فى إدارة الحراك الحالى او الذهاب الى السيناريوهات التى لا يحمد عقباها. ولازال الامل معقود على الشباب ولجان الأحياء الشعبية للاضطلاعوالان بدورها الحقيقي كقائد شعبى وسياسى للمرحلة المقبلة.
nawayosman@gmail.com