الفاشر – صديق الدخري
يبدو معسكر أبوشوك للنازحين الذي يقع شمال مدينة الفاشر للذين يسمعون عنه كأنه منطقة مقفولة وجزيرة معزولة، يقطنها أناس بعيدون عن المدنية، وأنهم مجرد نازحين فارين من الحرب.
لكن وطبقاً للمثل الشهير (لـيــس مـن رأى كـمــن ســمـع) فإن حياة سكان (أبوشوك) لا تختلف عن أوضاع قاطني المدن والعواصم على طول البلاد وعرضها، حيث يضم بين ظهرانيه مباني ثابتة بعد أن اختفت (الخيم) إلى غير رجعة، علاوة على وجود مبدعين في مختلف المجالات، عَدِّدْ إن شئت الفنانين والأدباء والتشكيليين والمهندسين وأصحاب المهن المختلفة.
حرية وأمان
يمارس الناس هناك حياتهم بصورة طبيعية، وفي ظروف أمنية جيدة من واقع الأمان الواضح، إضافة إلى تمتع السكان بالحرية المطلقة، فضلاً عن ممارستهم لأعمالهم التجارية بدون ضغوط وفي منتهى الدقة، واللافت للنظر وجود مدارس ودور مؤمنات وخلاوى القرآن داخل المعسكر، الأمر الذي يجعل الطلاب يتلقون دروسهم بصورة مستمرة في وجود معلمين أكفاء، ورغم المعاناة التي تتمحور في السكن داخل المعسكر ذائع الصيت، إلا أن الطلاب أظهروا إمكانيات كبيرة في التحصيل الأكاديمي، وأحرزوا درجات عالية وتقدموا الصفوف.
حكاية مدثر
وفي السياق، أدهش الطالب مدثر عبد الحكيم علي الطاهر الجميع، وتغلب على كل الظروف وتوج نفسه ملكاً عندما أحرز (279) درجة في امتحانات مرحلة الأساس وذلك من مدرسة السلام (3) أبوشوك، المفارقة المدهشة تكمن في أن أسرة مدثر جاءت إلى المعسكر من منطقة (الملم) في إحدى قرى دارفور، ويعمل والده في واحدة من خلاوى المعسكر، لكن الطالب النجيب قفز فوق كل الصعوبات وحقق نجاحاً باهراً.
وعن قصة نجاحه يقول لـ (اليوم التالي) كنت أستعين بالبطارية (أم حجرين) لكي أراجع دروسي وأحرص على القراءة لمدة ساعتين في اليوم. ويضيف: “أسرتي فقيرة، لكن المعلمين لم يقصروا معي وكانوا يعفوني من بعض الرسوم الدراسية ويمنحوني الكتب”. وأردف: “حلمي أن أصبح طبيباً جراحاً في المستقبل”. وزاد “أشجع فريق برشلونة الإسباني، وأتابع مبارياته بانتظام، وفي السودان أشجع المريخ وأهواه جداً”.
أرض التقابة
كما هو معروف، فإن ولايات دارفور مجتمعة تتميز بوجود الكثير من خلاوى القرآن والدارسين، وفي الأثناء يطل مجمع (تاج الحافظين) كواحد من منارات المعرفة الدينية، وهو مؤسسة إسلامية تربوية تعمل على توفير أنواع التعليم الإسلامي من (حفظ وشرح وتفسير)، ويمثل أحد فروع خلاوى همشكوريب، ويضم المركز (700) دارسة من الفتيات والنساء و(500) من الأطفال، وكل هؤلاء يدرسون القرآن وعلومه. وفي السياق، تقول نور الهدى محمد إدريس شيخة المركز إنها تعمل على إقامة ختان جماعي لعدد (500) طفل في مرحلة الأساس و(250) في رياض الأطفال. وتضيف: الكل يعلم الظروف التي يعاني منها هؤلاء لذلك أطلب من الجميع أن يمدوا يد العون للمركز حتى نستطيع إكمال مشاريعنا المتمثلة في البناء الجيد وتوفير بيئة ملائمة للصغار، حتى يتخرجوا في أفضل ظروف.
تكريم ودعم
ظهور النوابغ والمبدعين في مثل هذه الظروف والتفوق المستمر للأطفال والشباب في معسكر أبوشوك حفز عدة جهات لكي تقوم بمبادرات تعين الجميع حتى يواصلوا في مشوار التميز، وفي الأثناء التقط جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج زمام المبادرة وقدَّم مبالغ مالية لبعض المراكز بالمعسكر ووعد منسوبيه بتبني فكرة ختان الأطفال وتنفيذها على أرض الواقع. وقام الأمين العام للجهاز السفير حاج ماجد سوار بعمل كبير خلال فترته الحالية، واجتهد في تقديم المعينات كافة لمختلف شرائح المجتمع، وقدم الدعم المادي لعدة مشاريع في الكثير من ولايات السودان.
سواعد دارفور
يؤدي جهاز المغتربين أعمالاً جيدة عبر منظمات تعمل علي تقديم الدعم للمواطنين في مختلف المجالات، ومن بين هذه المنظمات (سواعد دارفور الخيرية) التي تقوم بجهد وافر ونشاط مكثف لإعانة الناس، من جهتها تقول مسؤولة المنظمات بالجهاز كلارا معاوية أنها ليست المرة الأولى التي يتبنى فيها جهاز المغتربين مثل هذه المبادرات، التي انطلقت منذ عهد الدكتور كرار التهامي. وأضافت: قام حاج ماجد سوار بعمل كبير وأولى اهتمامه المتعاظم بتلك الأعمال وبذل مجهودات مضاعفة لكي تصل الخدمات للناس. وأردفت: “استهدفنا ولاية شمال دارفور ايماناً منا بضرورة اعانة اخوتنا وتقديم الكثير في مختلف المجالات مثل المحاضرات والدعم المالي والكثير من المعينات الأخرى”. واستطردت: “نسعى لخدمة البسطاء والمستضعفين والقيام بأدوار متعاظمة في سبيل توفير الحد الأدنى من الاحتياجات لأهلنا في ربوع السودان”.
في فاشر السلطان
تبدو مدينة الفاشر هادئة وضاجة بالحياة وحركة الناس الذين يعملون ويمارسون أنشطتهم في آمان تام وبدون خوف نظراً للمجهودات الكبيرة التي قام بها والي ولاية شمال دارفور عبد الواحد يوسف في ملف الامن علاوة على الاستقرار التي تعيشه المحليات المختلفة. وفي السياق يقول محمد عمر – مواطن: نحمد الله كثيراً على نعمته لأننا مستقرون أمنياً وليست لدينا مشاكل أو صراعات، والكل يعمل بجهد في مهنته وحتى المدارس على مختلف مراحلها مستقرة، والطلاب ينالون واجباتهم على أكمل وجه. وأضاف: عمل الوالي الجديد على بسط الأمن والاستقرار وليست هناك أي مشاكل
اليوم التالي