بقلم عثمان نواى
لاندري حتى متى تستمر الخرطوم وحكامها فى ثباتهم العميق وعزلتهم الاختيارية الكاملة وممارسة اقصى درجات التباعد الادارى والسياسي مع ولايات السودان. وبينما ينفلت الأمن كل يوم فى إحدى الولايات تظل ذات الفوضى والتلكؤ فى اتخاذ القرار واسترخاص أرواح الناس. هذا على الرغم من ان ما يحدث فى تلك الأطراف ليس سوى انعكاس الحقيقة للصراع الدائر خلف الكواليس وامامها فى الخرطوم. فعند النظر ما وراء السطور، وفحص التكرار الممل لسيناريوهات الشرارة الأولى ومن ثم التصاعد للصراعات الحالية من كادوقلي وحتى كسلا مرورا بدارفور ،فإن الأمور لا يمكن ابدا تفسيرها فى اطارها المحلى. فقد كانت الولايات الطرفية في السودان دوما مسرح تصفية حسابات صراعات السلطة فى الخرطوم وما استجد مؤخرا من ظلال إقليمية أيضا مما هو الحال فى الشرق.
فى مشهد القتال اليوم فى جبال النوبة نرى مرة أخرى عملية الاستفزاز للمواطنين خاصة المزارعين وزيادة حالة عدم الأمان فى كل ولاية جنوب كردفان وزيادة الهجمات على السكان فى المدن والقرى. وهناك دوما حل واحد كما حدث فى كسلا ومن قبلها بورتسودان وهو إرسال المزيد من قوات الدعم السريع الى تلك الولايات. حتى أنه يصبح من المنطقى التساؤل حول ما إذا كانت كل هذه الصراعات المصطنعة والمفتعلة هى وسيلة لتصفية حسابات الصراع الذى بدا يظهر الى السطح مؤخرا بين الجيش والدعم السريع ،وما اذا كان الهدف الرئيس من إشعال هذه الفتن هو عملية منظمة لنقل قوات الدعم السريع تدريجيا خارج الخرطوم للتمركز فى هذه الولايات الطرفية بحجة انها بؤر صراع. وبالتالى تكون هذه عملية بطيئة وممنهجة لتنفيذ مطلب بعض من السياسيين والعسكريين أيضا وكذلك بعض مواطنى الخرطوم بابعاد الدعم السريع وقواته من الخرطوم؟ وهذا لا يخرج عن واقع المشهد الذى يتراجع فيه دور الجيش والشرطة ويتم فتح المجال فيه للدعم السريع لإظهار سيطرته. ولكن، ربما فى الأمر ما هو ابعد من ذلك بالنسبة لتحقيق مصالح ابعد للجيش تحديدا.
فمن لديه المصلحة يا ترى فى ان تكون أطراف السودان مشتعلة باستمرار ؟ ومن المستفيد من الحروب المشتعلة فى كل البلاد منذ الاستقلال الى الان.؟ ومن المستفيد أيضا من جر الحركات المسلحة دوما الى الاحتراب كلما اقتربت عملية السلام؟ ومن الذى يدخل البلاد فى دائرة الشر بين اتفاقيات سلام منقوضة او أخرى تقود الى انفصال دون أن يتحقق ابدا سلام حقيقي وإصلاح هيكلى فى الدولة السودانية منذ اول اتفاق سلام فى ١٩٧٢ ؟ ولماذا يتم الحكم دوما على الفترات الانتقالية ما بعد الثورات فى السودان بان تصبح نقطة البداية لاشتعال حروب جديدة اكثر قوة واتساعا؟ فهكذا كان الأمر أثناء الفترة الانتقالية فى ١٩٦٤ حيث فشلت مفاوضات المائدة المستديرة واشتعلت الحرب اكثر قوة بقيادة انانيا ٢ ،ثم نفس الأمر تكرر فى الفترة الانتقالية ما بعد ثورة أبريل ١٩٨٥ ،لكى تشتعل الحرب فى كردفان والجنوب مرة أخرى ويتم افشال اتفاق الميرغني قرنق بواسطة حكومة المهدى المنتخبة. ؟ وهكذا باستمرار تم استفزاز وجر الحركات المسلحة وخاصة الحركة الشعبية للعودة للحرب. وهذا ما يخطط له كما يبدو لوردات الحرب الان من خلال احداث الايام الماضية في كادوقلي، فمن من مصلحته اشعال هذه النزاعات على أطراف مناطق سيطرة الحركة الشعبية قيادة الحلو ؟ ولماذا الان؟ ولماذا يظل الخيار الغائب هو السلام بينما الخيارات الوحيدة الممكنة هى اما الحرب واما الانفصال؟ ومن الذى يجر الان المواطنين خاصة فى جنوب كردفان الى سيناريوهات الاحتراب القبلى بصناعة الفتن اليومية حتى يعزز فط فرص الحرب والانفصال ويقضي على فرص السلام؟
ان الصراع على السلطة فى الخرطوم هو الذى يشعل كل هذا الدمار فى الولايات. ورغبة ذات القوى فى استمرار سيطرتها على الحكم منذ الاستقلال هى المشكلة الكبرى. خاصة وان الجيش السودانى هو الجيش الوحيد فى هذه المنطقة الذى خاض حروب ضد شعبه اكثر من اى حروب ضد اى دول مجاورة. فمحترفين قتل الشعب السوداني هؤلاء لن يتركوا تجارتهم تبور. وهم لا يكتسبون اهميتهم سوى من اشعال الحروب فى أطراف البلاد حتى يصورون أنفسهم وكأنهم الأسود الحامية لقلعة الخرطوم. وهذه هى للأسف العقيدة العسكرية لهذه المؤسسة فحدود السودان لديهم تنتهى فى حدود الخرطوم وبعض المدن القريبو منها لاغراض استراتيجية . وهى عقيدة تعمل فى خدمة البيوتات والقوى السياسية الحاكمة من الخرطوم التى تريد ان تستمر سيطرتها على الحكم ولو على دماء السودانيين، وهذه كانت دوما وسيلتها للحكم التى ضمنت لها السيطرة على السلطة. ان تجار الحرب هؤلاء لا مصلحة لهم فى السلام وهذا ما تكشفه الايام كل يوم. بل هم اكثر استعدادا للتضحية باجزاء من السودان وتقسيم البلاد على ان يفرطوا فى سيطرتهم على السلطة فى الخرطوم.
واذا كان فى الفترة الانتقالية هذه امل للخروج من دائرة الشر فان إصلاح الجيش والقوى السياسية نفسها وبدء نقاش جاد لصناعة تغيبر حقيقي وسلام حقيقي يغير مفاصل السيطرة على الحكم في السودان بشكل كامل وينتزعها من أيدى صناع الحرب ويضعها فى يد الشعب السودانى لانه الوحيد صاحب المصلحة فى السلام الحقيقي.
وختاما نرسل خالص التعازي لأهلنا الضحايا فى كل كردفان المتضررين من الأحداث الأخيرة ونتمنى ان يعلو صوت العقل وان لاتنجر القوى المحلية الى المخططات التى تهدف الى هتك التعايش السلمي حيث ان يكون هناك مستفيد من اهل تلك المناطق على الإطلاق
[email protected]