يقول المثل الشعبي (الجريمة كلب تابع سيّده)، أما المقولة المأثورة (القاتل يُقتل ولو بعد حين) تطمئن أهل الضحايا بان القصاص لابد وان يتم مهما طال الزمن أو قصر، ولا يجدر بنا غير الترحيب بعملية القبض السريع على المتهمين باطلاق الأعيرة النارية القاتلة للشهيدين، حتى يتسنى للنيابة العامة اكمال اجراءاتها لتقديمهم لمحاكمة عادلة، تمنيت لو كان النائب العام واجهزته الشرطية والأمنية قد قاموا بذات الواجب الوطني الخاطف بين طرفة عين وانتباهتها واحضروا لنا المتهمين بقتل المواطنين الآمنين في مدينة الجنينة، ونشروا لنا اسمائهم الثلاثية والرباعية بذات السرعة الخاطفة التي احضرت المتهمين في الأحداث الأخيرة، فدرالية العدالة يجب أن تتحقق في سودان ما بعد دويلة العنصري المغرور، فلا يتسق خلقاً ان تكون الجهات العدلية والأمنية خفيفة عند الفزع في مكان ما ومتثاقلة عنه بمكان آخر، فنظام الحكم الاتحادي يفرض على منظريه ومطبقيه أن يعملوا جاهدين على توفير الخدمة الأمنية في حلفا وكادقلي بذات المستوى الأيجابي الذي تتميز به هذه الخدمة في مركز البلاد، كما هو معمول به في البلدان المتبعة لهذا النهج الاتحادي الضابط لنظم الادارة لديها.
الجريمة البشعة المرتكبة بحق المرحوم الصحفي المغدور محمد طه محمد احمد، بدأت تتفكك طلاسمها بعد ان استنطقت ارملة احد المعدومين، فصرحت بأن الكوكبة الكادحة من المدانين بقتل الرجل الذين تم اعدامهم كانوا اكباش فداء لرموز كبار بحكومة الدكتاتور، لذلك تتقافز الى اذهان المهمشين المقهورين دائماً هواجس نظرية المؤامرة بعد كل فعل شنيع يرتكب بعاصمة بلادهم، خاصة وأن الأسماء المعلن عنها هذه المرة ايضاً جاءت دالة على الاتجاهات الجغرافية التي ينحدر منها هؤلاء الجنود المشتبه بهم، ومن البديهي لكل عسكري مهني سواء كان ضابط او ضابط صف أن يكون على دراية بأن الرتبة الدنيا لا يقدم صاحبها على فعل شيء دون أن يتلقى تعليماته من الرتبة العليا، وعلى ذلك يجب ان نقيس الجلباب الواجب علينا الباسه للمتهمين بقتل معتصمي القيادة، من هم الضبّاط الذين اصدروا الأوامر لهؤلاء الجنود للقيام باطلاق النار على المدنيين الأبرياء؟، وبتوجيهنا لهذا الاستفهام لا نعني بأي حال من الأحوال تبرئة المتلقين للأوامر مما ارتكبوه من جرم، بقدر ما أننا نهدف لأبداء حرصنا على ضرورة اكمال دورة العدالة الشاملة لجميع أفراد الشبكة المتآمرة، فالأشتراك الجنائي لا يعفي حتى الذين وجهوا برأيهم أو أشاروا باصابعهم.
العهد البائد شهد عمليات تقديم كباش فداء حماية للقطط السمان المختبئة خلف جدران الصروح الباذخة، لا نريد لعهد الحرية والسلام والعدالة ان يكون مسرحاً لأستعلاء (اولاد المصارين البيض) على (اولاد المصران الأسود)، نريدها عدالة شفافة وشافية كاشفة لزيف المتوارين خلف الفقراء والمحرومين، ويقيننا أن السودان لا يمكن أن ينطلق نحو آفاق دولة العدالة الاجتماعية بغير استئصال واجتثاث بذرة السلوك الصفوي، فالنائب العام ومعه المحامي رئيس لجنة التقصي والتحقيق في جريمة فض اعتصام القيادة العامة، عليهما واجبات وطنية يمليها الضمير قبل المهنة بأن يخرجا الينا بكشف يبيّن المخططين الناصبين لشباك الموت من وراء الأسترة السوداء المظلمة، حنى يتم حل وتفكيك وازالة شبكات خفافيش الظلام وكتائب الليل لينعم المواطن بالطمأنينة، وينزع عن نفسه القلق الذي غرسه المجرمون بداخله فعاش حالة من الفصام النفسي بينه وبين السلطة لعقود من الزمان، فهذه الثقة المفقودة بين الفرد والسلطة لا يعيدها لعصرها الذهبي الا سيف العدالة المسلط على رقاب الأغنياء والفقراء على حد سواء.
من أمر بقتل المتظاهرين يا سعادة النائب العام؟، بطرح هذا السؤال على المتهمين واجابتهم عليه، سنخطو اولى خطواتنا على مدارج الطريق المفضي الى احقاق الحق، والشارع في انتظار المحصلة النهائية لمخرجات الدوائر العدلية والقانونية حول هذه الجريمة، وذوي قربى الضحايا تكسو وجوههم مشاعر الأسى وتلتهب قلوبهم حرارة متوهجة اشد وهجاً من احمرار الجمر، انتظاراً لمعرفة الحقيقة، فالقضاء النزيه غير المسيّس بمثابة (الشاسيه) الذي يحمل الوطن لواقع أمثل وفضاء ارحب من الاجواء الصحية للتصالح المجتمعي، فلا سياسة ولا ثقافة ولا تجارة سوف تغني الناس لو لم يتم امتصاص احتقانات صدور اولياء الدم في الجنينة والخرطوم وكل المدن والارياف، ولن يستقيم الحال المعوج اذا لم توضع رقاب القتلة على المقصلة، من تولى أمر السودانيين بعد ازاحة الدكتاتور يكون هو الأشقى إن لم يستطع الوفاء لدماء جميع الشهداء (بدون فرز)، وهو الأسعد اذا قاوم هوى النفس وطرد هواجس الجبن واغراءات السلطة واجهز على رقاب الدمويين الذيناحالوا البيوت السودانية الى مآتم من الحزن المقيم.
اسماعيل عبد الله