لم تعد الهوية الأفريقية الزنجية مقبول بها لدي كثييرن من السودانيين منذ اعلان أنفصال جنوب السودان في العام 2010م بالرغم من ان اتفاقية السلام الشامل 2005 التي منحت الجنوبين “الزنوج” حق تقرير المصير قد وقع عليها السودانيين طواعية غير مكرهين عرباً زنوجاً ، ومع ان اتفاقية السلام الشامل وبرتكولاتها هي التي جعلت السودانيين جميعاً عرباً وأفارقة يفاخرون بها ، وجعلتهم هذة الأتفاقية يفاخرون بأنفسهم كزنوج أفارقة وعرب، يحصلون، لأول مرّة، عبر أتفاقية السلام الشامل وبرتكولاتها علي نزر من الحرية الثقافية بدلاً من الإستعلاء الثقافي الذي ظل يمارس علناً وفي الخفاء من المجتمع والسلطة الحاكمة علي مر الحقب.
كانت اتفاقية السلام الشامل وبرتكولاتها بمثابة أعتراف رسمي بالمساواة لنا “كنوبة أثنية افريقية زنجية” مع من يعرِّفون أنفسهم كعرب ، وكان من المقدر للاتفاقية أن تكتب النهاية لنسخة السودان “العروبية” المدعاة ، التي ظلت تعبرعن دونية الانسان السوداني الافريقي “الزنجي الأسود” ، بالرغم من أن السودان بلد يقع في عمق افريقيا وغالبية سكانه من السود الذين يظنون انهم عرب .
إن مفهومَي “العروبة” و”الاستعلاء” في السودان يسيران معًا بلا انفصام، فأن تكون عربيًا في السودان يعني كونك الأفضل بين الآخرين، ويمنحك امتيازات اجتماعية لا يتوفر عليها الآخرون، بدءاً من التفضيل في سوق الزواج وليس انتهاء بامتياز ألا توضع خلف قضبان “الحَرَاسَة” في قسم الشرطة إلى حين عرضك على القاضي!، والترقي والحصول علي فرص العمل ووو وغيرها من الريع وراس المال الاجتماعي القيمي بلا وجه حق سواء كونك “انسان سوداني عربي” لا تختلف عن بقية السودانيين مورفلوجياً.
هناك عوامل كثيرة أسهمت الي حد ما في خلخلة المفاهيم القديمة للعروبة في السودان وجعلت النخب الفكرية والسياسية مؤخرا التماهي في دائرة الضوء في الحديث عن سودانوية الهوية للسودان، في محاولة جديدة لتزييف وعي الاجيال الجديدة من الشعوب الزنجية بعدم تعارض الولاء للوطن والوطنية مع المناداة بالحقوق الثقافية والاجتماعية في أطار العدالة الاجتماعية الغائبة نتيجة الحرب العنصرية الطاحنة في الخفاء وسط المجتمع السوداني ، وغيرها من العوامل مثل المجتمع المدني الناكف لعرض التراث والثقافة لشعب جبال النوبة في عقر دار من يعتقدون انهم عرباً خلص ، لكن ، انفصال الجنوب منح هولاء “المستعربون” ركوب موجة دعوات المؤتمر الوطني والكثيرين من الذين يظنون أنهم عرباً فرصة للردة وأعادة محاولة أدخالنا كزنوج من جديد في “جحر الضب” وثيادتنا من جديد الي درك الدونية لكونا فقط من عشيرة “الزنوج الافارقة” وزعمهم أنهم وغيرهم من الخلاصين الأحق بالدخول الي “حظيرة العروبة” ، وما يزال صعبًا على كثيرين التعاطي والنقاش دون تحيز مع مسألة عروبة السودان وزنجيته فيركنون الي أختزال الهوية السودانية في مصطلح مفبرك هو “السودانوية”.
لا يختلف موقف بعض المثقفين من السودانيين كثيرين عن كثير من أدعياء العروبة للسودان ، ويتخذون في ذلك موقف المعاداة لكل ماهو افريقي وزنجي ، وهو نتاج للازمة الهوية السودانية التي جعلت من الكثير من النخب السياسية والفكرية تقف مواقف حساسة السوداني تجاه مسألة العروبة الغير مرحب بها من الزنوج الافارقة في السودان، ووصل الحد الي أن ياتي ردة من هم غير المثقفين عنيفاً مادياً ولفظياً ، ويصل ذلك الي مرحلة المعادة لمن لا يتصف سلوكه أو لا يشبه “نموذج العربي” وحتى لو مورفولوجيًا.
إن الحفاظ عليةالتراث واحياء اللغات الاصلية يعني نهاية الحرب علي العروبة الزائفة للهوية السودانية ونهاية الحرب على المتهمين، بمعاداة الثقافة الاسلامية والعربية ، المثقفين من المجتمع والمستنييرين من ابناء جبال النوبة المهتمين والمشتغلين في جمع وتحليل التراث الثقافي واللغوي سيكون الحكم الذاتي نصراً كبيراً لحرب مقدسة خاضوها في صمت ، هذة الحرب “المقدسة” التي خاضها ومازال يخوضها هولاء الشرفاء في ساحات مهرجانات التراث كانت تتخذ عدة مستويات، بدءًا من المواجهة المباشرة مع أوصياء العروبة المدعومين بالحكومة وسياساتها، مرورًا بالدعاوى القانونية اتهامًا بإثارة الفتنة، إلا أن النوع الأخطر برأيي يأتي من مثقفين عروبيين مستترين يطرحون أنفسهم كمحاربين للعنصرية، حين يحاولون “كما حدث مع كتير من هولاء الشرفاء منظمي المهرجانات بالخرطوم” الوصم بالعنصرية، أو محاولة إقناعهم بأن ما يتحدثون فيه أمر تجاوزه الناس إلى آفاق أخرى ولم يعد مؤثراً في الصراع.
إن المشكلة في السودان ، كما هو واضح ، ليست في “الأسلام” و”العرب”، بل في فهم السودانيين المسلمين للأسلام والعروبة ، وفي من يظنون أنهم عرب وأن الآخرين من السودانيين غير أنقياء، من ثمَّ، أدنى منهم ، أو بتعبير أدق أنهم “خدم” لايصلحون لمشاركته في التنفع بخيرات الوطن ناهيك عن الحكم والسلطة ، فالحفاظ واحياء اللغات والتراث والتعريف به يحرر شعب جبال النوبة من قيود وعناء البحث في مسألة الهوية الزائفة لكثيرين ، فلسنا في حوجة للجدل مع أناس “لا يرون وجوههم حين ينظرون في المرآة، بل يرون وجوهًا يتخيلون أنها وجوههم”.
مع خالص شكري ومودتي…