خط الاستواء
مثل هذا اليوم من عام 89 ، كان آخر عهد الديمقراطية الثالثة في السودان..في مثل هذه الليلة، بدأ عهد الشيخ والرئيس، وانتهى عهد رئيس الوزراء، المُرتَبِك المُربك، السيد المهدي،الذي وصفه بيان الإنقلاب الأول بأنه “أضاع وقت البلاد والعِباد في كثرة الكلام”..!
في مثل هذا اليوم، بدأ عهد جديد بالسودان ،عنوانه الغموض و التمويه..كان التمويه أساسياً من أجل اخفاء مصدر الحركة، بعد اتِّفاق رأسيها،على أن يذهب أحدهما، إلى السجن حبيساً، والآخر إلى القصر رئيساً..وبعد سنوات من ذلك، تسلّل الشيطان بينهما، فاستعلنت بعض خبايا وأسرار ليلة الثلاثين من يونيو، لكن ما ظلّ في طي الكِتمان، حتى هذه السّاعة، هو علاقة السيد المهدي بالإنقلاب..!
تم البوح عن الكثير من الخبايا، لكن لم يُكشَف ــ بشهادة شاهد من أهلها ــ تواطؤ السيد المهدي مع الانقلابيين..لم يُكشَف أنّ المسألة كانت “تسليم وتسلُّم”، كما فعلها الأميرلاي عبد الله خليل من قبل.. ففي هذا المنحى، صدرت شهادات عديدة موثّقة.. في مقدمة تلك الشهادات ما أفاد به الأُستاذ محمد إبراهيم نُقد، رحمة الله عليه، والذي قال للشيخ عندما جيئ به حبيساً في السِّجن: “كتّر خيرك ،جاملتنا كتير، دحين قوم حصِّل جماعتك ديل”..!
كما أن الاستاذ نُقُد، قاطع المهدي في ساعة صفاء داخل سجن كوبر، عندما أنكر المهدي علمه بوقوع الانقلاب، قائلاً له، بأنهم في الحِزب الشيوعي ، أرسلو له من أبلغه، بصورة قاطعة، بتحرك الانقلابيين لوأد الديمقراطية..سمِع المهدي ذلك، وخلُد إلى صمت مريب..:المرِجع، كتاب الاستاذ فتحي الضو، الموسوم بعنوان “سقوط الاقنعة”..ودون ذلك إفادات أخرى، ودونها إفادات العميد عبد الرحمن فرح، مدير جهاز الأمن في عهد الديمقراطية الثالثة،، ولكن دعك من هذا،، فكل شيئ يتلوّن في قحوف الطائفية ، يخرُج ضبابياً وغامِضاً، مثل ركوب الطائرات في عهد الانقاذ..!
قد يُضمرها النّاس، بأن الشيخ والرئيس، قد موّها حِراكهما “الثوري”، بدّقة ،حتى لا تُنسّب العملية إلى التنظيم ..لكن على الناس أن يبحثوا داخل خِزانة الأسرار عمّا هو أهمّ .. ما هو أهمّ قد لا يكشفه “ويكيليكس”، بضربة حظ من بين ملايين البرقيات، وإن كان محتوماً كشف الكثير عبر وثائق الخارجية البريطانية، التي يُفرج عنها كل ثلاثون عاماً، أي بعد أربع سنوات من الآن..وسبحان الله..بعد ثلاث سنوات، تكون الأحداث، قد مضت بنا إلى نهايات نبوءة الشيخ بلّة الغائب، وخلاص..!
خلاص، المسألة إنتهت.. وقع انقلاب الانقاذ واستلم الأُخوان البلد، فما الذي حدث بعد ذلك..؟ الذي حدثَ هو أن السيد الرئيس بعد المُفاصلة، قد رأى المشهد بوضوح، فلم يسمح بوجود رأسين لقيادة المركِب..الذي حدث هو أن الشيخ ــ له الرحمة ــ طيلة عهد صولجانه، لم يرتبط إسمه بأي إنجاز تنموي ، إذ أبتُلي بالمُتحركات،التي حرّرت توريت وصدّت عنها الهجمات مِراراً، ثم استغنت ثورته عن كل أراضي الجنوب بعد ذلك…!
الشعب لا ينسى انجازات الحكّام من أي فصيل كانوا…على سبيل المثال، لم يزل الناس يتحدثون عن أن الفريق عبّود أضاف إمتداد المناقِل وبنى مدينة 24 القرشي، وشيّد في عهده كوبري القوات المُسلّحة، بينما رصفت مايو طريق بورتسودان، وأنشأت جامعتي الجزيرة وجوبا ، و مصنع سكر كِنانة..الذي حدث بعد ذلك، أنّ أبرز إنجازات “بطل السلام” كانت فصل الجنوب عن الشمال،”إنتصاراً لدولة الشريعة”..! الغريب في أمر دواعِش السودان، الذين يرفعون رايات الشريعة، أنهم لا يسألون شيخهم ،وتلامذته، وجلاوزته: أين هي الشريعة التي فُصِل الجنوب من أجلها..؟ لا يسالونهم أبداً ،عن دِراما الموت الغامض، الذي لا تخلص لِجان تحقيقه إلى شيئ..! لا يسألونهم عن أعداد الموتى الذين قُتِل بعضهم بالطائرات، وبعضهم بالعربات ،بعضهم بالغفلات، وبعضهم بالراجِمات.. وأعجب العُجاب، أن أغلب هاتيك الموتى، ينتهى أمرهم ،خارج السجلّات..!