المشهد السياسي الآن يعج ويضج بالهرجلة والتخبط والتشاكس بين اطراف المرحلة الانتقالية، لا اتفاق ولا توافق بين مكونات المرحلة، بل تنافر وتناحر وتباغض وتذاكي وتعامي بين هذه الاجسام المتناقضة، لا الحلف العسكري باق على حال ولا التحالف المدني راض عن نفسه، رئيس الوزراء يلقي بخطابين مهمين في ظرف اسبوع واحد ينبه ويحذر فيهما من خطر الانهيار الوشيك، والطامعون من عضوية الحزب المحلول يمنون انفسهم بحدوث فوضى عارمة يختلط فيها الحابلون بالنابلين، والخارجون من سلطة الانتقال يتحالفون مع الحركة الشعبية قطاع الشمال – قيادة عبد العزيز – متحصنين بترسانتها العسكرية القوية والمشهود لها بالصمود، فالسعي للسلطة في بلادنا لا يمكن أن يتم إلا بالالتجاء الى فوهة المدفعية، والتجارب الماضية والحاضرة خير دليل على ما نقول، هذه الهرجلة السياسية دوافعها غير وطنية البتة، وداعموها لا يضعون الأجندة الوطنية في حدقات عيونهم، فهنالك مشاريع عابرة للقارات ومتجاوزة لدول الأقليم اتخذت من ارض السودان الخصبة مسرحاً للعبث، لا تعجبك الخطابات العاطفية للانتقاليين بشقيهم، جميعهم قد وضعوا كعكة الاحتفال بثورة الوطن على منضدة اللاعبين الاقليميين والدوليين.
الاحتقان الحاصل اليوم لن يفجّره الا حراك تصحيحي يبقي على الرموز ويطيح بالحواضن وجوقة حارقي البخور من المتسلقين والمتبطلين الجدد، هؤلاء الرموز هم رئيس الوزراء المدعوم أممياً ورأسا الجيشين المتخذين من ترسانتيهما العسكريتين مدداً لبقائهما على دفة السلطة المؤقتة، من المعلوم ومنذ ولادة الدولة الحديثة قبل ستين عاماً وبضع سنين، أن السلطة في البلاد يؤمّن بقائها العسكر والموظفون الأمميون الذين يعملون في المنظمات الدولية الهادفة للحفاظ على مصالح اقتصاديات البلدان العظمى، وبعد هذا التغيير الأخير قد احكمت هذه المنظمات قبضتها تماماً على مصير البلاد، فرئيس الوزراء هو الأبن الشرعي لهذه الواجهات الكونية المعلومة، وليس من السهل واليسير اقتلاعه بمجرد تدشين مليونية الثلاثين من يونيو القادمة، فقد وطّد جذره في تراب السلطة الانتقالية كضامن لمصالح القوى الكبرى، والبلاد بها ثلاث سكاكين يمسك بها ثلاثة رجال دهاة ماكرين، كل واحد منهم له عين ساحرة وساهرة تراقب الأثنين الآخرين حتى لا يتغديا به، فسماء الخرطوم ملبّدة بغيوم التآمر ومراقبة باحدث تقنيات الأقمار الصناعية، وارضها مزروعة بكادر أمني واستخباري مدرّب على حماية الشخصيات المهمة.
الجوع والفقر والمرض يستشعره المساكين الذين لا حول لهم ولاقوة، الذين لا يعرفون شيئاَ عن الصراع الكوني حول ما تستبطنه أرضهم وما تحمله على سطحها، لذلك تجيء القرارات الاقتصادية الواعدة لهم بجنة الرخاء والسخاء متشابهة من كل الحكومات، فماراثون البحث عن رغيف الخبز وغاز الطبخ مستمر على امتداد الحقب السابقة، ووزراء المالية والتخطيط الاقتصادي لا يبدعون ولا يبتكرون مثلما فعل لالوداسيلفا البرازيلي، بل يتبعون روشتة البنك الدولي خطو الحافر بالحافر بناءً على الأسباب آنفة الذكر والمختصرة في (الخضوع للقويين الدولية والأقليمية)، إن خروج الشعوب من عبودية القرن الواحد والعشرين لا يتم عن طريق السير على خطى الأولين، بل يحتاج لقادة ملهمين ومجددين يخرجون البلاد من وعثاء سفر الشحذ والاستجداء من خزائن روتشفيلد، فحتى على المستوى الفردي والشخصي لكيان الانسان، لن يستطيع الموظف ان يبني بيتاً فخيماً لو اعتمد على مدخول الراتب الشهري الذي يتقاضاه من مخدّمه، لن يقوى على فعل ذلك الا بعد ان يتحرر من عقلية انتظار الأجر الشهري ويتحول الى شخص حر يأكل من ربح رأس مال بضاعته المزجاة على ارصفة ارض (سوق الله اكبر)، وهذه المعادلة تنطبق على الحكومات وشعوبها ايضاً.
المحصلة النهائية والختامية لهذه الهرجلة المتخبطة بين مكونات شركاء الحكم (الدم)، سوف تأتي بالوصاية الأممية على بلاد كان اسمها السودان، وهذه المرة سوف يعمل الجراح الأممي بمزاج عال وهو ينفث دخان سيجاره الكوبي الفخيم بعيداً، ليضع مشرطه حيث شاء وشاءت له الأوامر والتعليمات الصادرة من ملّاك المعبد، هذا العالم ليس بذلك الجمال الطبيعي الذي يتراءى للبائسين الحالمين من الشعوب المستضعفة، إنّه عالم مكتظ بكل انواع واشكال التافهين الجشعين الذين يخططون لاراقة دماء كل هؤلا البائسين في سادية شريرة لا تخطر على بال أحد، فقد كرّس هؤلاء الشياطين علمهم وتكنلوجياهم من أجل رفاهية احفاد احفادهم اعتماداً على سحق وافقار الحالمين الذين يرفلون تحت نعم الطبيعة المجانية فوق اتربة بلدانهم المستهدفة، فما يجري في بلادنا في ظل هذه الحكومة المؤقتة هو منظر كئيب لحملة السكاكين الثلاث وهم يجهزون على خروف مشوي ممدد على طاولة الحكم والسلطة والمال، لا يرأفون ولا تنزل من عينهم دمعة حزن صادقة تجاه البؤساء، ولو نزلت هذه الدمعة فما هي إلا قطرة ماء منافقة تتدلى على الخدود من أجل كرسي سلطوي زائل، وهذه الدمعة الزائفة هي التي جعلت المدنيين والعسكريين يهرجلون، فيتحقق المثل الدارفوري (كلاب كان داوسو بخت ارنب)، وما ارنب الأمم المتحدة ببعيد عن كثب هذه المرحلة المهرجلة.
اسماعيل عبد الله
Ismeel1@homail.com
24 يونيو 2021