سامح الشيخ
بأبتسامة لا تأتيها إلا وهي مغمضة الجفون ابتسمت الحاجة ابتسام محمد أحمد. وهي في السرير المقابل للنافذة بدار العجزة والمسنين بالخرطوم بحري. فقد فارقتها البسمات والفرح قبل سنين وقبل إيداعها الدار من قبل بن أخيها ماجد من زوجته العنود.
غادر ماجد البلاد الي المجهول عبر البحر المتوسط في خطوة وقفزة داخل الظلام بأحلام الوصول لأوروبا. بعد أن دفع المبلغ المتفق عليه للتهريب ببيع منزل والده فرح شقيق ابتسام الذي كان قد أنجب إبنه ماجد من تكرار تجربة زواج ثاني فاشل أيضا بعد فشل زواجه الأول بالسودان الا ان زواجه الثاني بالمملكة العربية السعودية كان مأساوي بل كادت هذه الزيجة أن تودي بحياته لولا توفيقه بالهروب من المملكة ومعه طفله بدون زوجته السعودية والدة طفله بعد أن هدد أهلها بقتله وذلك قبل أن تصدر حكمها بعد سنتين من التداول احدي المحاكم الشرعية بالرياض وتأمر بتطليق العنود منه لعدم تكافؤ النسب وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بحسب مذهب المملكه.
ولم يسمع فرح أو يعرف بعدها مصير زوجته العنود ولم يسأل احد من أخوال ماجد عن أحواله. قامت ابتسام بتربية ماجد منذ سفر فرح إلى ليبيا التي لا يعرف هل هو موجود بها علي قيد الحياة ام لا فلا أخبار عنه منذ فترة ليست بالقصيرة.
كانت الحاجة ابتسام برغم تشويه خدودها بتلك الشلوخ المطارق صاحبة محيا وضاح ببقايا من جمال يوحي عن جمال مفرط في شبابها. كان مدعاة لكثرة خطابها في شبابها الذين تقدموا بطلب لوالدها من أجل أن تكون زوجة لهم ولكن الوالد وللمفارقة كان يرفض لنفس سبب تطليق العنود من ابنه فرح.
حتى وهي في خريف العمر كان يتقدم لخطبتها كثيرين ولكنها كانت تتحجج بأنها تفرغت لتربية بن أخيها.
كثيرا ما قتل الفضول الحاجة سعدية عبد الجبار شريكة ابتسام بالغرفة لمعرفة سر الابتسامة الغامضة لرفيقتها بغرفة دار المسنين التي تعتريها دوماً وهي بين اليقظة والأحلام ، لكنها لم تفقد الأمل في معرفة سر هذه الابتسامة التي لا يبدو عليها راحة المبتسم المطمئن مرتاح البال. فهي لم تحصل على إجابة طيلة الخمس سنوات الماضية عمر رفقتهما بالدار.
في احد ايام ليالي الصيف الدافئة التي يكون القمر فيها مكتملا بدرا كأنه لؤلؤة كبيرة الحجم معلقة في السماء ترسل الضياء وحوله ظلام المساء والليل يرخي سدوله علي مسرح الحياة جلست الحاجة سعدية مع الحاجة ابتسام في فناء دار المسنين في جلسة للتأمل أكثر من تجاذب أطراف الحديث ودونما أسباب قالت الحاجة سعدية أن ضؤ القمر هذا ذكرها أيام عملها الأولي كمعلمة تم تعيينها للتو بمدرسة الأبيض الثانوية بنات وكانت تلك اجمل ايام عمرها الذي تعيش علي ذكرياته لليوم ثم تنهدت تنهيدة من يخرج الهواء الساخن من صدره وقالت برغم انها كانت ايام جميلة إلا أنني لست نادمة علي أنني رفضت كل الرجال الذين تقدموا لي ولست نادمة علي وجودي بدار المسنين التي جئتها برغبة مني فقد صرت منبوذة من الجميع بعد إصابتي بمرض الناسور البولي حتي من جميع اهلي والأقارب بنت اختي لمياء هي الوحيدة التي كانت تزورني الا انها بعد تزوجت توقفت عن زيارتي.
لم تبدي ابتسام اي مشاعر تجاه حديث سعدية فقد اعياها مرض الزهايمر هي الأخرى وجعلها تعيش في مكانها وكأنها في عوالم أخرى ولم تعد تهتم كثيرا بالحياة من حولها ولا تتفاعل مع محيطها سوى بصورة حجم جواز السفر تمثل كل حياتها تخرجها من حين لآخر وتطلق ابتسامتها الساحرة تلك بجفون مغلقة كمن يحاول إعتصار ذاكرته ونحتها أثناء الحديث حتى يتمكن من مواصلة تسلسل أفكاره.