من الأمور المثيرة للضحك حتى النواح ، أن ثمة أشخاص ما فتئوا يعانون من أمراض غطرسة النظام المقبور ، باستعارتهم ذات المفردات ونفس اللهجة وعين العنترية المتعالية تجاه من كانوا قد صرخوا في وجه الظلم وأعلنوا تمردهم عليه باكراً ، فدفعوا في سبيل ذلك مهجا و أنفسا لعقود ممتالية ، حتى كللت مساعيهم بخنق نظام المؤتمر الوطني وإنهاكه لدرجة أن لجأ الأخير لاستقطاع لقمة عيش الشعب بغية شراء الذمم والمرتزقة والمؤن و الآليات الحربية للتصدي لتلك الأصوات الصادحة الثائرة ، إذ لم تتبقى من ميزانية الدولة سوى 30٪ فقط لتسيير بقية القطاعات الحكومية غير العسكرية ، بعد أن ابتلعت المخصصات الحربية الجزء الأكبر من الميزانية لعشرات السنين.. بدلاً من أن يضع ميزانية للجلوس وتلبية ما اشتعلت الحرب من أجله ، مما تسبب في إنهاك الشعب الذي أخرجه الجوع للتظاهر ، فخارت أمامه قوة تلك الترسانات القتالية المقتطع من قوت الشعب .
* يبدو أن السيد البرهان قد نسي بأنه يتربع الآن على كرسي الرئاسة بفضل دماء الشهداء من أولئك الذين ينعتهم بالمتمردين وحاملي السلاح وما إلي ذلك من الأوصاف التي تنم عن تعاليه واحتقاره بتلك المكونات الثورية .
ويبدو أن السيد البرهان قد نسي بأنه هو من يحتاج إلى التماس العفو من أولئك الثوار الذين كان _هو_ قد أحرق قراهم وأبيد مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء على يد قواته ، ولست بحاجة إلى ذكر ما ارتكبها من جرائم !
فمن يعفو من ؟
هل الذي رفع السلاح فقط من أجل استرداد ما عجزت عنه الألسن والأقلام منذ استقلال السودان ، ولم يطلب أكثر من ذلك ؟
أم أنت المعروف بجرائمك التي وضعتك ضمن قائمة كبار المجرمين ال51 المطلوبين للعدالة الدولية ؟
* لا أدعي بأي حال من الأحوال أنه لم يكن بين صفوف قادة الكفاح الأخشن من ارتكبوا جرائم ترتقي بعضها إلي درجة الجرائم ضد الإنسانية وبالتالي لم تعفهم ثوريتهم عن المحاسبة والعدالة ، ولكن ذلك لا يعطيك _انت بالذات_ الحق في العفو عن هذا أو محاسبة ذاك .
وأعتقد أنك آخر من عليه التحدث عن العفو إن كان ثمة ما يدعو إلي الحديث عن العفو عن مجرمي الحرب .
وليعلم بقايا الأنظمة الشمولية من عسكر ومدنيين أن حضور قادة الكفاح المسلح إلي الخرطوم ليس منة يمن بها على الثوار ، وإنما حق انتزع بفوهة البندقية وأفواه الميارم والكنداكات .
وإذا كان هناك توهم من قبل بعض من يعول عليهم في قيادة الجيش بحكم رتبهم العسكرية العالية التى تسلقوها في عهد نظام المخلوع البشير المعروف بالفساد في كل شيء ، أو الأنظمة الشمولية السابقة ؛ فإن الواقع الماثل لكل من ألقي السمع وهو شهيد ، أن النظام المتبع في تكوين القوات المسلحة التي تمثلها قادة غالبيتها من جزء محدد من السودان بينما جل جنودها من الأجزاء غير التي ينحدر منها أولئك القادة ، يحتاج إلى إعادة الغربلة والعجن حتى يغدو جيش يمثل كافة أجزاء السودان من أعلى رتبة إلي أصغر جندي.
فرجاء سيدي الرئيس لا تحرج نفسك أمام ضحاياك فوق ما حدث ..وتذكر بأنها حكومة الثورة يا محترم .
أحمد محمود كانم
12 نوفمبر 2020