الطيب أبو آمنة
في ٢٨ فبراير ٢٠٠٤ إجتاحت مليشيات عربية بقيادة زعيم الجنجويد موسى هلال على ظهور الجياد والجمال والسيارات مدينة طويلة (بير أبو) كما يحلو لأهلها تسميتها (٨٢ كليو متر تقريبا غربي الفاشر ) و عدة مناطق في دارفور في وقت متزامن تحت غطاء جوي مكثف فيما يعرف بسياسة الأرض المحروقة و هي إستراتيجية عسكرية أو طريقة عمليات يتم فيها إحراق أي شيء قد يستفيد منه الخصم أو العدو في التقدم أو التراجع في منطقة ما بتدمير الهياكل الأساسية مثل مصادر المياه ومساكن القاطنين والإتصالات حيث إتخذتها نظام المخلوع عمر البشير لمحاربة حركات الكفاح المسلح او ما يعرف على المستوى المحلي بالتورا بورا إيمانًا منهم أن إفراغ القرى والمدن الصغيرة من سكانها قد يمكنهم من كسر شوكة الحركات المسحلة التي كانت تقاتل النظام في الإقليم وقد كانت تلك الأيام محفورة في ذاكرة اهل طويلة على وجه الخصوص لأسباب عدة فلا يكاد كل اسرة من أسر طويلة قدمت شهيدا أو شهيدة او فقدت كل ما تملك من مال و بين ليلة وضحاها اصبحوا مجرد نازحين في معسكر أبوجا أو ابوشوك (نيفاشا) على أطراف مدينة الفاشر يعتمدون على المنظمات الإنسانية كحال أغلب أهل دارفور إلى تاريخ يومنا هذا، ففي ذلك اليوم إستباحت تلك المليشيات تلك المدينة الحالمة التي تتقدم بخطى ثابتة نحو النمو الاقتصادي والاجتماعي والعمراني لموقعها الجغرافي المميز فعاثوا فيها فسادا من قتل ونهب وقاموا بإغتصاب قرابة الثلاثون فتاة بمدرسة داخلية فأعتبرته منظمة الأمم المتحدة تلك الحملة البربرية تطهير عرقي ضد سكان دارفور وأتهم فيه المخلوع البشير بإرتكاب إبادة جماعية ،جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة العدل الدولية.
أعادت المشاهد الدامية التي شهدتها مدينة الجنينة (دار ندوكا) في الأيام الماضية أثر الهجوم الممنهج(التي لم تكن المرة الأولي) على معسكرات النازحين حول المدينة الى الأذهان ذكرى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي شهدتها دارفورعلى وجه العموم و طويلة على وجه الخصوص بين الأعوام ٢٠٠٣ والأعوام التي تلتها ، فكل أشكال الهجوم البربري على النازحين العزل الذي ظل يحدث منذ سنوات بمدينة الجنينة و مناطق أخرى من دارفور بصورة متكررة تصاحبها أعمال قتل وإذلال ونهب ممتلكات يهدف إلى تشريد أهل الأرض و إفقارهم حتى يتمكنوا من إحداث تغيير ديمغرافي لصالح مجموعات معينة التي تمثلها تلك المليشياات و التي أصبحت لها تمثيل في قمة الهرم السلطوي في البلاد بعد إزاحة البشير،فكما قال حكيم ذلك الزمان والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب فكيف يعقل أن كل ما يحصل في الجنينة و مناطق أخرى بدارفور بعيدا عن سلطة الدولة وحكومة تدعي إنها حكومة ثورة بعد عزل المخلوع وتوقيع إتفاق سلام لم يجف المداد الذي كتب به والمواطنين يذبحون في الشوراع وتحصد الاسحلة الثقيلة أرواح الأبرياء من كبار السن والأطفال والنساء وذوي الإحتياجات الخاصة وهم ما يزالوا في معسكرات الزل والهوان التي خلفه سيئة الذكر الإنقاذ باستراتيجية الأرض المحروقة بواسطةً وكلائهم موسى هلال وكوشيب ،كيف يعقل أن كل ما يحصل بعيدا عن سلطة الدولة وسيارات الدفع الرباعي التي لا تمتلكها الإ جهات محددة في الإقليم تصول وتجول في المدينة تستهدف الناس بصورة إنتقائية ويدخلون المتاجر وينهبون ما خف وزنه وغلا ثمنه بفيديوهات مصورة تحت أهازيج النصر والشهادة كما كان يحدث في عهد الهوس الديني ( أمسح ،أكسح، قشو ما تجيبوا حي) فكل الدلائل تشير على أن حكومة الفترة الإنتقالية بكل مستوياتها ما تزال متقاعسة أو غير راغبة في حماية أهل دارفور عموما و أهل الجنينة (دار ندوكا) على وجه الخصوص من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكبها تلك المليشيات.
أن ما يجري في الجنينة ومناطق أخرى في دارفور يمثل جرس إنذارأخير لحكومة الفترة الانتقالية بأننا قريبن جدا من سيناريو ٢٠٠٣ – ٢٠٠٥ وقد تكون القادم هي الموجة الثانية للإبادة الجماعية خاصة في ظل تقاعس سلطات الأمر الواقع بكل مستوياتها والشر المستطير الذي يتأبطه هذه المليشيات عابرة الحدود الدولية والمحلية في آقليم دارفوركما أفصح عن ذلك بكل شجاعة والي غرب دارفور فيجب على السلطات الكف عن سياسة دفن الرؤوس على الرمال وعليها الإسراع في تنفيذ برتوكولات إتفاق جوبا وأهمها ملف الترتيبات الأمنية والعدالة الإنتقالية متضمنة تسليم المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية وكذلك إكمال عملية السلام بالتفاوض المباشر مع غير الموقعين على إتفاق جوبا حتى نتفرغ لعملية البناء والتنمية.