السلام في اقليم دارفور لن يتحقق الا بعزم الرجال وشجاعة الفرسان، الذين خاضوا ميادين الحروب بلهيبها الاحمر وقاتلوا بعضهم قتال الرجال للرجال بنبل وشراسة، ولا يدرك قيمة الأمن والاستقرار الا من تذوق مرارة الضرب والطعن، ولن يحك جلد دارفور الا اظفار بنيها، فقد جاء على متن الخبر الذي نشرته صحيفة الراكوبة الالكترونية أن قوات الدعم السريع قطاع ولاية شمال دارفور بوادي هور، قد استقبلت قوة عسكرية تابعة لحركة جيش تحرير السودان احد اطراف اتفاقية جوبا للسلام، وجاء الاستقبال بحسب تصريح قائد الدعم السريع قطاع شمال دارفور بمثابة الدعم لعملية السلام، في المؤتمر الصحفي الذي عقد بالفاشر يوم السبت، وقال قائد القطاع أن قواته ستعمل مع الجميع حتى ينعم الناس بالأمن والاستقرار، واشار الى أن مقدم قوات حركة تحرير السودان يجيء استعداداً لتنفيذ الترتيبات الامنية وانزالها على ارض الواقع، ويعتبر الجيشان من اكثر الفصائل المسلحة اشتباكاً في المعارك التي دارت بينهما في عهد العنصري المغرور، وآخر المعارك كانت مأساوية للحد البعيد، وقد قضى فيها جنود اعزاء من الجانبين بنفس المكان الذي تم فيه الاستقبال يوم الأول من أمس.
عندما تناثرت الاشلاء والجثث بصحراء شمال دارفور في تلك المعركة المؤسفة، تحدث والي الضعين في النظام البائد ضابط الأمن والمخابرات اللواء أنس عمر ابرز رموز المؤتمر الوطني المحلول، وأمر بترك موتى حركة تحرير السودان في العراء، وتبجح هذا الوالي الانقاذي مثل عادة باشبوزق الدويلة المركزية المغرورة، وصرح بأن سعر المقذوف الذي يقتل به المتمرد هو الاغلى قيمة من المتمرد ذات نفسه، تلك الكلمات الصادمة التي استفزت شعور افراد قوات الدعم السريع ودفعتهم لأن يقوموا بمواراة قتلاهم وقتلى حركة التحرير الثرى، وجعلت الامتعاض يكسو وجوههم من خطاب أنس بن هالك تلميذ الدكتاتور العنصري المغرور المشحون بالحنق، وكان لسان حال قادة القوة الداعمة السريعة يقول انهم اخوتنا في العقيدة والوطن سندفن جثامينهم ولن ندع الصقور تأكل لحمهم كما الجيف المتعفنة، الحرب في دارفور رفعت مستوى الوعي بالتماسك الاجتماعي وهزمت رهانات شعبة القبائل بجهاز مخابرات حكومة الدويلة العنصرية البائدة، واشعلت جذوة الوعي القومي في عقل ووجدان انسان دارفور فصحا من تخدير سياسة (اضرب الأخ بالأخ)، وانقشعت سحب الاحزان عن مزاجه بالتحام ابطال الحرب والسلام في وادي هور قبل يومين.
الاقليم الغربي الكبير عبثت به أيادي المنظومة البائدة وعاست فيه فساداً، واجهزت عليه واعملت فيه آلتها العسكرية تقتيلاً وتشريداً وهتكاً للأعراض وسبياً واستحياءًا للنساء، وقد جاء الوقت لكي ينفض عن نفسه غبار المآسي ويزيح عن كاهله رماد الحروب، ويرمم النسيج المجتمعي الذي تفتق بسب افاعيل الابالسة اخوان الشيطان، وخطوة الأمس ستكون الاساس المتين الذي يبنى عليه مشروع السلام و يبسط بواسطته الأمن والاستقرار، بانزال هذه القوات الى ميدان العمل بعد تنفيذ بند الترتيبات الامنية المستحق والمضمن في اتفاق جوبا، وسوف تكون المرة الأولى منذ مقتل السلطان علي دينارالتي يتولى فيها ابناء الاقليم المسؤولية السياسية والأمنية المباشرة على بلادهم، وعلى فارسي الحرب والسلام أن يعلما تمام العلم أنه لابد من اكمال العملية السلمية باطلاق سراح الشيخ موسى هلال رئيس مجلس الصحوة الثوري، وتقديم التضحيات من أجل ضم الرئيس المؤسس لحركة تحرير السودان الى حضن الوطن المسالم والغانم، فترك اي نفر عزيز من مكونات الفعل السياسي والعسكري في الاقليم سوف يعيق تنفيذ اجندة مشروع السلام.
الاجواء التصالحية والروح التسامحية التي تحلى بها اعداء الأمس رفاق اليوم، يجب أن تسود بين الفعاليات السياسية الدارفورية الاخرى حتى يكتمل البنيان، فقد ضرب قادة الجيشين اروع الامثلة في الشجاعة ونكران الذات والاستجابة لواجب الوطن الذي دعاهم للبناء والتشييد، مثل هذه الخطوة تزرع الأمل في نفوس البائسين من ضحايا الحرب اللعينة وتطمئنهم لحتمية انبلاج فجر الصباحات الندية، المشرقة بالوعد الصادق والمكللة ببشريات الفأل الحسن، وتعتبر مؤشر ايجابي لما سوف تسفر عنه الترتيبات الامنية من حدوث للتناغم التام بين مكونات القوات المشتركة المنوط بها حفظ الأمن في الاقليم المنكوب، وتمثل رسالة واعية للمهجسين من بعض الكيانات والمجتمعات التي اكتوت بنار الفتنة العرقية، ودارفور كجزء اصيل من اجزاء السودان الوطن الواحد قد تعرضت لابشع انواع الظلم من ذوي القربى في الدولة السودانية الجامعة، فاستغلت اراضيها وثرواتها لتصفية حسابات الزعامات النخبوية والطائفية على المستوى المركزي، وقد خسرت كثيراً وهي تلعب دور الحديقة الخلفية لأفندية قصر غردون فظلت فاقدة لعنصر الأمن والاستقرار زماناً ليس بالقصير، ولم تستفد من فوائض ثرواتها الحيوانية والزراعية والمعدنية وذلك بدوافع جشع اسواق ورأسمالية الحكومات المركزية، ونسبة لعدم اكتراث هذه الرأسماليات الطفيلية لحقوق المنتج الأول للسلعة.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
10 يناير 2020