مني أركو مناوي
لِكّل أزْمة وطنَيّةِ نِهايَة، معْ إخْتلاف فِي النّهايَاتِ حَسَبَ طُرُقَ إدِاَرة الأزمَاتِ :
الحالة ُالأوْلي لإنهائِها: هِيّ الوُصُولُ إلَيَ مُصالحةٍ وَطْنيّة مُرضْية قَد تأتِي نتيَجتُها عن رغْبَة وترَاضٍ من الأطِرافِ الوَطنّيِة إيِفاءاً لَقنَاعِتهِم بوَجوُد الأزْمة فِي الوْطَن، لَذَا تَقوُم الأطرافِ بتَشخِيص الأزمْةِ وتحِديِد سُبْل الحَل، حالَة جُنوب أفريقيا مثلاً، حَيِثُ ناَلت مُنْظَمة المُؤتمر القُومِي الافريقي ANC قَسّطاً مِنْ النًضال ما يكَفيِ لِإنصِياع نظام التميَيز العُنصُريِ Apartheid بالتَنازُل طُوَعاً لصالح شَعْب جُنَوب افريقيا، هُنْا لا بّد مِن ذِكِر دور النظام الذي كان عَليَ رأْسه فَردرَيك وليّم دِيِ كليِرك آخر رئيسٍ اَبيّض لجنوب أفريقيا والحائز علي جائَزة نوبْل للسلام مناصفةً مع نيلسون مانديلا تَكريَمَاً لقرار قيادتهِ الذّي اتْسمَ بالشجاعةِ النادِرة فأنهيَ بِه العُنصُرية التيِ إمتدْت لقرونٍ من الزمن في هذه البلاد الأفريقية.
كان لا يُوجد لديه موانع أو عوائق في أنْ يَتَمادَي في الإستمرار علي خَلْق صٰنْوُفِ من أساليب جائرة تُكرِّس لحماية نْظامه ومن ثم البقاء في السلطة كما يَفْعل رَصُفاؤه، مثل إنشاء مليشيات بأسماء مختلفة كجَنْجَويَد، دعم سريع، شَبّيحة، رَبّاطة، جَمّالة ميدان التحرير ودفاع شعبيِ وغيرها من وُحوُش وآلات القَتِل، إلّا أنّ الحِكْمةَ غَلبتَ عليه ألا يفَوّت لعلى وطنه لَحَظة تاريخية، هي لَحَظة إغتِسَالِهِ بِمَاء الإعتراف على أحقية التَعدُدِ والهَوّْية الوطنيّة، فلولاهٌ ما نَالت دولة جُنوب افريقيا الحُرّيةَ. فهو الآن أحد رمُوز البُطولة الوطنيّة رغْم إنّهُ كان أحد أسوأ نمَاذج التَشاَؤم حَينَ يمْتَطِي حصاناً أسْوّد اللوُن عَليَ غَراَر (ذَبْح الثَوُر الأسْوّد ) تَرمِيزاً للفَرْح الّذيِ عَمّ وغمَر بُيوت العُنْصريّة بَعْد إنفِصَال جُنوب السُودان .
والحالة الثانية: التَعنْت الذي يُبْسِط سَيطْرته عليَ جميع الأطراَف الوطنية، ليَقوُد الوْطن إلى مصاَف الدُوّل الفاشلة فيُصبِح وكَراً للفوُضيَ الخلّاقةِ الِتي تُندرِج تَحَتَ تصَنِيف مُهَدّد مِنْ مُهدّدات الأمْن الإقليميِ والدولي بِمعايير دولية تُحدِدها الأُمم المُتّحدة والمُنظَمات الدوّلية ذات الطبيعةِ الحكومية، فلذا يُكونَ العالم مضّطراً لوضعه تحت وصَاية دولية وَفْق الفَصْل السادس من مِيثاَق الأُمّم المُتحّدة مُتجَاوزاً كْل الُمبررات التي قَدْ تأتي لاحقاً تحت مُسَمياَت مُختلفة وبذَرائِع وَهمّية مِنْها السيادة الوطنية والحكومة الشرعية وغيرِها مِنْ الهُتَافات الخَوَاء التِي تَخْرجُ عَادةً مِنْ حَلاقِيم هَواةِ السُلْطة ألْذِين يِفْتقَدون الشرعية بأحْد سبَبّيِن أمّا بَتَجاَوز القانُون الدوّليِ أوْ بِخرَق القانون الإنساني و حُرْمتِه .
ثم الحالةُ الثالثة: وهّيَّ قريَبة للحالة الثانية، هو تَخّندّق الأطراف الوطنية المسبّبة للأْزمة في جَوُف رَغبَاتِها تحت أغراض التصّفية ألتْي تَسعَي إليها نَفْس كٌل طرف ضدّ الآخر ومٌحاولةً وَضَع العالم أمام أمرٍ واقعٍ لا مفر منه، قد ينجح أحدُهما في التَخّلص من الآخر مُؤقتاً، و لكْن حَتّي الغالِب لا ينجو، لأن الشعْب هو ألذي يَحسِم المعركة الفاصِلة بتصّفية الغالب الذي يستخدم مُبرَر بقاء أسْباب الأزمْة والُمخلّفات النَتِنةَ لأيّة حَرب شاملة، هذه الظُروف لا تُحفّز ايّاً من الأطراف للبَقاءِ علَي السٌلطة.
نُلقِي الضَؤّ عليَ الخِيار الاوْل الذي فيه المُصالحة الوطنية عَبِر الحوار الوطني، هذه الحالة سليمة وتُؤسًسها عناصر الحوار الجيّد وهّيَ :
1- الأطراف.
2- الشروط.
3- الفُروض.
4- المٌمنوعات.
5- الإجرائيِات.
6- جوّهَر الموْضوعات.
7- الآليات وأي شئٍ آخر يَجوزُ فِعْله.
وهو نوع من الحِوار الُمكْتمِل الأطراف، نادراً جداً أنْ نجِده في العالم الثالث وخاصةً في المنطقة العربية وشبه العربية، بإستثناء الذي جَريَ في تُونِسِ فقد تمّيز ببعض المَعاييِر النزيهة نسّبياً ونبَوغ الرّوْح الوطنية العالية سَرْتَ فيه لتَغْلب على مَزاج المُتَحاورين، ممّا أوْصلَ الحوار إلي النتائج التي قُررت فيها مستقبل الدولة تَحتَ دستورٍ مُتوافقٌ عليه بواسطة الأغلبية، وكذلك الحوار اليمني جَريَ علي أُسْسٍ كانت مَتينة لكْنّه بنِسَبٍ أقَلّ نزاهةً مِنْ الحوار التُونسي بحُكِم التَقاطُعات الطائِفية المذّهبِية التي أدّت إلى إجهاضِه قَبْل النَضُوج بَسَبّب تَسرّع التَدخُلات العسكرية من الطائِفة السُنّية بعاصِفتِها التي عُرفت بعاصفة الحَزْم.
شَهْدَ العالمُ نَمُوذج الحوار في المُنْطقة العربية كتَجَربَة فَريدة لُممارسة الرأي و الرأي الآخر في مُجْتمَع لا يُؤمن إلّا بالكَهنُوت، وأقوال الشيوخ والطاعة المُطْلقَة لَمَنْ يُسمّي بوَلِي الأمر الذي يتقّمّص شخصية عُثْمان يَرفَع قميصه كَشَعارٍ للِجِهاد وسفك الدماء. الحوارات الوطنية في المنْطقة جاءت نتيِجةً للثُورَات الشعبية التي سُمِّيت بالرْبيع العربي التي آزالت بعْض الرمُوز الدكتاتورية في المنطقة وأسقطتها، ولذلك تَوافَرت لَها بعض الخصائِص الحميدة فإتسْمت بشئِ مِنْ الحِيادية والنَزاهة ووَفّرتْ الفُرصَ للوطن والمواطن عَبرَ العوامل التالية:
1- ضُعْف الأنظمة التي خَلفَت الدكتاتورين فاسْتجَابت نسّبياً لِلرَغبات الشعبية.
2- تُوفر قَدِر مِنْ الإرادة السياسية الوطنية للبَحث عنْ الحُلوُل تَضْعُ حداً للأزمْة الوطنية.
3- التوافق علي إنعِقاد مُؤتمر لِتحدِيد الأزمة.
4- الوِفاق علي تَحديِد الأطراف الحقِيقِية والمؤثِرة بِقوّة أوزانها.
5- توافق وإعترف المُشاركين علي أنّ الوَطْن مَأزوُم.
6- تَشّخيِص الأزمْة والإتفاق علي الأزمة المُشخّصَة.
7- تحديد القَضايا الوطنية التي تُعْتبر نَواة وعَناصِر للأزمة.
8- توَزيِع عناصِر الأزمة المُحَدّدَة علي لِجَان مُتَخْصَصَة.
9- تجْميع المُخْرجَات.
10- تَكْوين الآليات لتنفيذ المُخرجات وِفِق جَدَاوِل زَمنْية مُحَددّة.
بِهذه الخَطوات سيَنْهيِ أيّ حوار وطنْيِ حَقيِقِي رحْلتَه إلي مَرَسَي آمِنْ يُعيد للوطن شَباَبه وعافيته ويُحْطِمُ أشْواك الأزمْة الماضَية. بإلّقاء النظرة علي النموذَج الثاني والثالث نَجِد وَجْه الشَبَه مَعْ الوَضْع السوداني الحالي الذي يجْمع كل العِلِل في سلته، مِنْ العِنْتِ ، التَعْمّد علي تَعَمِيق الجِراح الوطنية، غِياب الرٌؤية، شَنّ قيادات الحَكُومة حَربَا علي القُوّة السياسية، إزدِياد الشُروخ وإنكار الواقِع المأزوم. فهذه الحالة تَشْبه الحالة اليُوغسلافية التي إنتهت بتَوزِيع الاْرض وتقَسيِمها إلي دُوِيلات وتَقْطِيع أوصَال الشَعب .
عادةً الثُورات كَدَوّاب تَحْمِلُ علي ظُهُورِها الدكتاتورين، فالإنِقاذ إحدَي هذه الدَواب جاءت بمُجموعِة مِنْ الدكتاتوريين، اللَصُوص، النَشّالة، النصّابين، المُحتالين. المُنَافقين ومَصَّاصِي الدِماء، أستغلت مُسمّي الثُوّرة كَمَا جاء علي لِسان الإنقَلاب وإخـتطاف الدوّلة وإمْكاناتها لِصالح مشروع طُفيّليِ قائم على مبدأ إذا حدْث كذّب، وإذا عاَهدَ أخَلف وإذا خَاصَم فَجَر.
إنْ كانت الإنِقاذ ثوْرة، فنَشْهد لَها بالشُذوُذ الثُورِي بِما مارَسته مِنْ مُوبقات أدْت إلي حَزِم، رِزْم، تقسيم، وتوزيع الوطن والشعب ووَضْعهما في كَفّ عَفريت، حيث صَاحبَتها إرتِكاب أبْشّع جرائِم القَرِن الحَادِي والعَشرين، هي جريمة الإبادة الجماعية وإستخدام الأسلحة المٌحْرَّمة.
فحاولت الإنقاذ تَغيَير جِلْدِها لِعَدّة مَرّات بتَنويِع الطُرق بين تَزوَيرٍ للإنتخابات، نَقْض المٌعاهَدات وتزيِيف الحوارات التي سَمَاها بالوطنية، مما جعلت الشَعبَ يُصدّق الَمشانِق الرَحِيمة التي تُدورُ به في حَلقّات مُفرَّغة لا هيّ إنتخابات ولا هِيّ بالحوارالجاد، وما أشْبه كَذْبة مؤتمر كِنانة بدَوخة الوْثبة .
بهذه العملية يقوم الرئيس البشير بإغتِنام الفُرص وإيهام وخَم الشعب بعمليات تَجْمِيل للسُلْطة البشعة وغَسْلها عبَر تغيير جُلُود الإنقاذ البالية بأُخريَ جديدة. أحياناً يقوم برْسم خُرْطٍ علي حائِط الفراغ تحمل مُدْناً ومَحَطات وَهمَية تَشَبه مَقاصَد المُسافرين علي مُتْن القِطارِ ( السودان ) الذي يَتّوليَ هو ( البشير ) قيادته، فلا يَنكشِف الخداع لمُستخْدميِ هذه الوَسَيلة للسفر عبر خُطوُط أخطُبوطية إلّا بعد النزوُل، حيث يتَضْح لهم أنهم لم يسافروا بلّ شُبْهت لهم محطات صناعية مزيفة ليَنزِلوا فيها وفي مناطق ليست هي مَقاصِدهم، ليجْد الجَمِيع أنهم قد خُدِعوا في الرُكوُب والنزوُل في محطة واحدة مع فارق الزمن، ويَتَجّليَ لهم أيضاً أنّ القطار لم يبرح مكانه بل ظَلْ في الدوران في حلقة تَشبَه لَعْبة الأطفال( تُزّلْق زلقاً في النَفَق ) ولكنّها ثابتة، هكذا تشرنقت الإنقاذ فتحولت إلي يرقة ثم اكتملت لتُصبِح حشرةً كاملة غذاؤها دماء الشعب السوداني .
في أحد أيام عام ٢٠٠٩ إستيقظ الشعب السوداني ليجد أمامه شاشة التلفزيون السوداني تُعْرِض فيها خِطاب لرئيسهم بُثّ مباشرةً من داخل قاعة الصداقة، مفاده أنّ الرئيس قرر إنهاء مُشكلة دارفور بإطلاقه المبادرة لأهل السودان طالباً المساعدة التي تُؤسَس الحلُول للمُشكلة السودانية بدارفور إلي الأبد، فسَريَ توزيع الدعوات للشعب السوداني بمختلف مكوناته السياسية، المدنية، الشبابية، المرأة، وجنوب السودان حاضراً بنائبه الأول وبكل حركته الشعبية.
مُلئ املاً كل بيتٍ سوداني بهذا الإعلان البّرّاق، ولِسان حال الشارع يقول أن الرئيس قرر إنهاء المشكلة في دارفور بهذه المبادرة، فصدّق الشعب السوداني وسُفراء الدوّل الأجنبية ليُسارع الجميع بوفوده صُوب مدينة كنانة حيث يُقام المؤتمر، بمُظهر خيّم عليه إقلاع الطائرات، وساد الشارع الذي يربط الخرطوم بكنانة، طولاً وعرضاً، مشاهد من زحام السيارات الفارهة، بهذه المظاهر بدأت الإجتماعات بعد إفتتاحها بكلمة البشير الذي تعْهد بقبول كل مخرجات آراء أهل السودان في شأن دارفور، فعقبته هتافات، تكبيرات، تهليلات، وايييييي وتصفّيق لتعكس القاعة هي الأُخري صَدَي َذلك الدَوِيِ .
في الجلسات الإجرائية، حُددت القضايا التي يتم مناقشاتها لتَنبَثٍق مِنها اللِجان وأهمها لجنة لتحديد الوَضْع الإداري لدارفور التي رأسها نائب رئيس الجمهورية آنذاك علي عثمان محمد طه، والموضوع كان من أكثر الموضوعات إثارةً للنقاش إذّ أستغرّق وقْتاً حتي أدَلي الجميع بدَلُوهم فكان الإتفاق علي إصدار قرار لجَعْله إداريّا إقليمٍ واحدٍ، لو لا الإنحراف الذي جاء بصَوت إعلان الإبادة الجماعية دشّنه الجنرال آدم حامد موسي مُذهلاً أهل السودان الذين كانوا في القاعة :
“صوت البشير علي لِسان آدم حامد موسي”
في جلسةٍ مِسائية والحوارات تَجِريِ بطريقةٍ سَلسة حيث أقر أهلُ السودان جميعهم مبدأ إعطاء دارفور إقليم مع إختلافاتٍ طَفيفِة في الآراء، حيث نادت بعض الاّراء بسَرِيان هذا في كل أقاليم السودان وليس من العدل أنْ يُقتصر علي دارفور فقط .
في هذه الأثناء أسمع الجنرال آدم حامد موسي صوته الرافِض للمُقترح بطَرِيقتِه (المُسنودة) مُهدّداً المَلأ بقوله لو صدر أيّ قرار بهذا المُضمون سنُلقّن دُروسَاً مِنْ الإبادة الجماعية لأهل دارفور وزاد يقول ( أنتم ما تعرفوا الإبادة الجماعية لَكْن والله تشوفوها بعيونكم لو نُفِذ مُقترح الإقليم لدارفور )، فتدخل علي عثمان بُغْيةً إيقافه بل وطلب منه سحب التصريح، إلاّ انه أصّرّ و أكّد أنه جاد ويعني ما يقول، كان في القاعة حضوراً دبلوماسياً كبيراً فاضّطر السفير الامريكي آنذاك ألبرتو فرنانديس لعقد مؤتمرٍ صحفيٍ ليُدين هذا التصَريح .
ثني عبدالله علي مسار مُقترح آدم حامد موسي بعدم إعطاء دارفور وضع إقليم، ولكْنّه تراجع بعد بضع ثوانِ ليقول أنا مع أهل السودان طالما الإقليم أصبح رأيهم، لكني أرْفُض أنْ يُحكَم الإقليم بواسطة المتمردين. بهذا تَمّ قبول الوضع الإداري لدارفور بإنشاء أقليمٍ واحد تأتي الولايات تحته ثم المحليات كمستوى إداري ثالث من كل اهل السودان الذين كانوا في كنانة، إنْ صَحّ تعبيِر ( أهل السودان )٠ بمقابل ذلك الصوت الواحد الرافض للمقترح ( صوت آدم حامد)، فتَصّدر قائمة مخرجات كنانة والسرور يبدو في نفوس المؤتمرين الذين إعتقدوا في أنْفسِهم أنهم نجحوا في تحقيق أكبر حُلْم لأهل السودان هو تجاوز أحد أكبر خلافات أهل دارفور مع المرْكَز٠
لكن العجب أنّ الرئيس قام بتشكيل لجنة من شخصيات مشبوهة يتظاهرون بحبهم لدارفور تحت عنوان تنفيذ مُخرجات كنانة وأهم ما قامت به اللجّنة هو تقديم توصية بتفكيك دارفور عبر إنشاء ولايات أُخري علي أساس قبلي بما يعني صوت القَيصّر الصادر من آدم حامد موسي أنه قد غَلب الرُوُم. بل و فاز الجنرال بنَيّلِه رئاسة مجلس الولايات تَحفِيزاً له لإصراره وإعترافه بإرتكاب الإبادة الجماعية الُمغلّظة.
هذا السَرْد ذا الصبغة التاريخية يعكس حقيقة كذبة الوثبة التي لا تأتي بالجديد، إنما تشبه تلك الجعجة والزغاريد في زفةٍ عريسٍ يخفي جثة عروسته المقتولة والتي قتلتها يداه .
أوجه الشبه والإختلاف بين وثبة قاعة الصداقة وحوار كنانة، شكلاً و جوهراً .
الوثبة ومبادرة أهل السودان كلاهما من إنتاج ذات العقل الإنقاذي المخاتل، وقُصِد منهما تَدويِخ الشعب والبحث عن سُبلٍ لتخفيف الضغوط الدولية والمحلية علي النظام بتحوير القضية والإستمرار علي منهج الفساد والإبادة ليبقي الحال كما هو .
الدعوة مقدمة للجميع بحملها العناوين واليافطات التي شملت كل أهل السودان كما رسم لها الموتمر الوطني ولكن أقتصر الحضور على المستفيدين من النظام فقط والمؤيدين له، مع المفارقة الطفيفة في كنانة والتي تمثلت في عزوف المؤتمر الشعبي الأمر الذي أدي إلي إختلاف في خطاب الإفتتاح يحمل كلمات اكثر وضوحاً بما خلا من المفردات الغامضة مثل الناس وكل الناس، مما يؤكد إنّه كُتَب بأيدي أُخري غير أنامل الشيخ .
القضايا التي وُضْعت علي طاولة المبادرتين لم تختلف فيها رُؤيَ الحلول مع الفرق في المشاركين، فقد جمعت قاعة الصداقة اللَاهثِينَ بأنواعهم، الكلاسيكيين وحديثي العهد برفقة الإنقاذ، وما حملتها تكنولوجيا الواتساب من الظواهر الصوتية لأُنثي الأنوفلس اللاسعة ذات الميسم الجارح وحاملي الفيروس زِيِكَا والمهرّول والمغربل، أما كنانة فقد كانت بزخمٍ محدود وإجراءات صحية فيها، أكثر أمْناً و ضبطاً نسبياً، حيت لم تقتحمها الخلايا الطفيلية المسرْطنة لمحدودية الغرض.
الفترة الزمنية التي إستغرقتها كنانة لا تتجاوز تمام الأسبوع، مقارنةً بوثبة قاعة الصداقة التي إستمرت لمدة سنتين كاملتين ونصف السنة، إلا إنّ إختلاف المخرجات كان بفارقٍ ضئيل وهو ما يثبت ما يحمله عقل النظام من البراعة الهندسية في التزييف وكسب الوقت. بهذا يتسائل المراقب بسؤالٍ محدد، لماذا استغرقت وثبة القاعة وقتا طويلاً في المخاض ثم لم تلد سوي فاراً ؟.
بهذه المقارنة أعلاها نجد أن قاعة الصداقة، لم تقم ولم تقعد، إنما تظاهر الحزب الحاكم بإنهاء الأزمة وانتهت التظاهرة بتجميل وتجديد الجلد الرئاسي وإمتصاص بعض الضغوط الدولية بصفةٍ مؤقتة، أما الذي لم ينتهي ولن ينتهي طالما ظل هذا النظام المخادع المزيف ماسكاً بتلابيب السلطة في البلاد، هي قائمة القضايا الوطنية وأزماته المعقدة وهي بمثابة مطالب الشعب السوداني الملحة . والتي تزداد، إلحاحاً وتعقيداً، كلما تقدم عمر النظام، لتفضح وتكذّب محاولاته اليائسة لتفريغ الشحن الشعبي وتزييف الوعي المجتمعي، فشعبياً الصبر قد نَفَد والنظام أيضا نَفَد مخزونه من الفرص والحيّل والقُدرة علي إنتاج المزيد من الخدع.
لذلك لا يبقي أمامه سوي إختيار أحد أمرين:-
1- تقديم نموذج الجنوب الأفريقي أو اليمني أم المصري.
2- او تَحمُّل نتائج وعواقب التأخير التي حتماً ستشبه النموذج الليبي.
فهذه أسوأ السيناريوهات ويعيها أهل السودان جيداً ويعي أبعادها، ولكن قد يُضْطر إضطراراً لإتخاذها وسيلةً للتغيير طالما يفتقر النظام للاُذن الصاغية التي تجعله يتحمل ما صنعت يداه. إنّي اري شجراً يسير بعد خروج المؤتمر الوطني بمخرجات ما سُميَ بالحوار الوطني زيفاً، حملت هذه المحاولة ( مخرجات حوار الوثبة ) مهمة تصنيع الرجل الواحد الذي يسعي لإبعاد حِزبِه قبل المعارضة ومن ثم حشد كلاب النباح حوله ليفترس بهم المعارضة بكل ألوان طيفها، ذلك عَدّ تنازلي واضح للنظام الذي لم يُدرك حتّي الآن بأنْ مُعارضَته بِشَتّي أنواعِها تُشكِّل جُزءاً مِنْ النظام العالمي الجديد (new international order) و لها دوُرٌ تلعبه في نسيج العلاقات الدولية، بهذا الغباء يَجَد نفْسه مَعْزُولاً لا يقف أمامه سوي خياران صَعبان، أهوّنهما تسديد كرة اللهب علي مرماه.