تستعد الدوحة لجولة مفاوضات قادمة حول تحقيق السلام في دارفور، رغم أن وثيقة الدوحة الموقعة قبل 5 سنوات قد وصلت نهاية مداها الزمني، وانتهت إجراءاتها، وتستعد سلطة دارفور الانتقالية لتصفية أعمالها وتسليم باقي مهامها إلى آلية تتشكل برئاسة الجمهورية، ويشرف عليها وزير.
لكن رئيس لجنة المتابعة الدولية لسلام دارفور ، الذي ترأس اجتماع الآلية الدولية في الخرطوم، يرى أنه رغم كل ما تحقق فإن هناك تحديات كثيرة تقف في طريق إحلال السلام الشامل في دارفور، وعلى رأسها الصراعات القبلية وانتشار الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وهي تحديات تقع خارج نطاق الوثيقة.
وقد طرح رئيس الآلية مفهوماً مرناً لوثيقة سلام دارفور، حينما قال إنها ليست (اتفاقية)، إنما هي (إطار عام) لتحقيق السلام، وإن الوثيقة لن تفتح مرة أخرى، لكن ذلك الإطار العام يسمح بأن تجري جولات مفاوضات جديدة مع الممتنعين عن التوقيع على الوثيقة والاستماع لآرائهم وتحفظاتهم ومحاولة الوصول إلى اتفاق معهم، وأنه إذا تم الاتفاق معهم فذلك سيشكل اتفاقية تستوعب ضمن هذا الإطار العام، وبهذا الطرح ووفق هذه الرؤية الشاملة ينعقد الاجتماع بين الوساطة القطرية وممثلي حركة العدل والمساواة وحركة التحرير، بمشاركة المبعوث الدولي الممثل للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي رئيس بعثة السلام المشتركة (اليوناميد)، بذلك تكون الوساطة القطرية قد فتحت الباب من جديد للتفاوض على الأقل مع حركتي دارفور، أي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم والتحرير بقيادة منى أركوي، ولم تفقد الوساطة القطرية الأمل تماماً في مشاركة حركة عبدالواحد.
بهذا ستصبح الوساطة القطرية هي المنبر الدولي الوحيد المتاح للبحث عن سلام دارفور، بعد فشل كل جولات التفاوض السابقة في الوصول لاتفاق مع حملة السلاح، خاصة أن الحكومة تصر على عدم التفاوض خارج إطار وثيقة الدوحة، إلا فيما يخص الترتيبات الأمنية التي تعقب إعلان الحركات وقف إطلاق النار، أما أي قضايا سياسية فتحولت إلى منبر الحوار الوطني المتعثر الذي لا أمل في انطلاقه بمعناه الشامل والسليم، بينما يرى حملة السلاح أنهم حملوا السلاح من أجل قضايا سياسية لا تحتمل الالتفاف حولها ولا بد من أن تتم معالجتها قبل أن يتحقق السلام.
وهذا هو المأزق الذي فتحت الوساطة القطرية بريق أمل فيه، بتفسيرها لوثيقة الدوحة باعتبارها ليست اتفاقية، بل هي (إطار عام) للسلام في دارفور.
وإذا نظرنا للواقع الحالي في السودان فنحن لا نستطيع أن نسرف في التفاؤل، فسلام السودان لن يتحقق عبر البندقية، وما دامت الحكومة تفسر انحسار النشاط العسكري للحركات بأنه يمثل الانتصار العسكري وحل مشكلة دارفور فإن أفق السلام سيظل مغلقاً، وكل تجارب السودان وتجارب الدول الأخرى تؤكد أن البندقية لن تحل أزمة سياسية. وإن الذين حملوا السلاح إنما فعلوا ذلك ليس رغبة في العنف والتمرد، بل لأن ثمة مشاكل حقيقية في اقتسام السلطة والثروة، وإن لم تعالج جذرياً فإن أسباب الصراع المسلح ستظل قائمة، السلام الحقيقي يأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار وينفذ إلى جذور المشكلة ويحدد لها الحلول المقبولة لكل الأطراف، دون ذلك لن يتحقق سلام .
العرب