بيوت الاشباح وما ادراك ما بيوت الاشباح، مغارات ومتاهات لا يعرف كنهها حتى سكان العاصمة القومية، بناها سدنة النظام البائد لتمكين منظومتهم الظالمة والباطشة، ارتكبت داخل هذه المباني المشؤومة افظع الجرائم بحق الانسان من قتل وسحل وتعذيب واغتصاب للرجال قبل النساء، اهوال يشيب لها الولدان، اشتهرت اسماء وشخصيات بعينها منذ تأسيس جهاز الارهاب الاسلاموي المسمى بجهاز الامن والمخابرات، ترأسه الدكتور نافع علي نافع بدايات عهد الظلام وخلفه المهندس صلاح عبد الله قوش ثم محمد عطا الذي طويت معه صفحة اعتى نظام بوليسي شهده السودان، كم من شريف فقد شرفه وشريفة فقدت شرفها على البلاط البارد لهذه الاقبية الخفية التي تفوح من بين ثناياها رائحة الموت، وكم من بنت فقدت عذريتها وولد فقد رجولته تحت قهر جلاد سايكوباتي عيّن خصيصاً من قبل الدولة في وظيفة (مغتصب)، نعم عزيزي القاريء لا تندهش انها وظيفة حكومية تصرف عليها المنظومة المتأسلمة من عرق جبين المواطن، الشعب السوداني رأى بأم عينيه ضحايا جرائم القمع والارهاب الذي كان شعاراً مرفوعاً وسلاحاً مشهوراً يهدد به جنود وضباط الجهاز صاحب السلطة الاعلى في البلاد.
البروفسور فاروق تحدث مطلاً من شاشة التلفزيون السوداني عن تلميذه نافع علي نافع المدير الاسبق لجهاز التعذيب والتقتيل، وكيفية قيام التلميذ غير النجيب بقهر استاذه واذلاله ومحاولة تركيعه، ومن عجائب السودان أن يُحتفى بالضحية في اجهزة الاعلام وما يزال المجرم ينعم بالأمن والسلامة، دون قصاص ينال منه لينصف المظلوم، بل الاكثر ادهاشاً هو ان المجرمين من رصفاء هذا الظالم، يتم اخراجهم من السجون التي يجدون فيها خدمات مشابهة للخدمات الفندقية كخروج الشعرة من العجين، اذاً مافائدة حديث البروف فاروق عن المآسي والحيف الذي حاق به وما الداعي الى استبكاء المشاهدين وتحريك لواعج الألم بين اضلعهم؟، السودان بلد العجائب يتناول فيه الاعلام الاهوال والجرائم المرتكبة بحق الانسانية من باب التسلية والوجاهة، لا يمكن لأمة محترمة أن تجعل من دموع الرجال الكهول طريقاً للدعاية والاعلان، لو كنت مكان البروف فاروق اوالاستاذ عكاشة الذي تم اختطاف فلذة كبده بواسطة جهاز نافع ولم يتم العثور عليه حتى لحظة انسكاب هذا المداد، لو كنت مكانيهما لاعتذرت عن المثول امام شاشة التلفزيون، ولوضعت شرطاً واحداً كي اقدم شهادتي وهو أن ارى المجرمين معلقين في المشانق، وان يشاهد افراد اسرتي السفاحين جالسين على الخوازيق جزاءًا وفاقاً.
الأيام الحاضرة شهدت فتور واضمحلال وخمول في الحراك الثوري والسياسي السلطوي، وهذا له علاقة مباشرة بما يدور عبر اجهزة الاعلام من تخدير للشعب المستاء من مآل الحال المعيشي المأساوي، من وراء القيام بدور المنفس عن كرب المجرمين؟ لماذا الهدر الغير مبرر للزمن وراء ما سمي بمجلس شركاء الحكم، الهذا الهراء انتفض الشرفاء من بني شعبنا؟ ماذا سوف تقدم الحكومة الجديدة لمحمد احمد المسكين بعد كل هذا التلكؤ والتأخر والتماطل؟ ماذا نستفيد من اطلالة السيدة مريم المنصورة عبر منبر السلطة لتحدثنا عن غيب وغياهب حكومة الشعب والثورة؟ لقد قالها الثوار لحمدوك منذ اليوم الاول (خبّرنا اين يكمن الخلل واسألنا عن البلل)، من المستفيد من تثبيط همم الثوار وكسر عزيمتهم واحباط روحهم المعنوية؟ بل من يمارس لعبة الحرب النفسية عبر اجهزة الدولة؟، لماذ استقال القاضي القائم على محكمة الدكتاتور واعوانه؟ ولماذا يكثر الحديث هذه الايام عن عودة النظام البائد تحت عباءة الاصلاح الاقتصادي؟ هل صدقت مقولة احد الراصدين للحراك في ايامه الأولى عندما وصف حكومة الانتقال بشراكة اللجنتين، وهو يقصد لجنة أمن البشير وتلك اللجنة الضرار التي كوّنها صلاح قوش من داخل معتقلات الجهاز (موقف شندي).
الأشباح ما زالت تسكن بيوتها ولم تغادر ردهات المخابيء المعطونة برائحة الاكفان، لو كان القائمون على امر برنامج (بيوت الاشباح) اعلاميون ومهنيون وصادقون، لماذا اذاً لم يطلبوا من الجهاز المخابراتي الثوري – على افتراض ان الثورة حققت اهادفها – ان يزودهم باحداثيات خرائط هذه البيوت التي كانت تمارس فيها هذه الرذائل وترتكب فيها هذه الجرائم؟، يجب على ادارة هذا البرنامج التلفزيوني أن توثق لدهاليز هذه البيوت المرعبة المحشوة ببقايا اقمشة الحرائر المصبوغة بدماء الشرف الرفيع الذي آذته النفوس المنحرفة لأولئك الذئاب والوحوش الماسوشيين المفترسين دون رحمة، فلولا أن هذه الاشباح ما زالت مركونة في ركنها الركين والقصي منتظرة الاوامر للأنقضاض على آخر المتبقين من الرجال الشرفاء والنساء العفيفات، لما ظللنا نكابد مشقة الانتظار المرتجي لحسم ملفات قضايا فساد المجرمين في الارض، تأكد يا عزيزي المواطن أن الثورة مكبلة بايدي نفر معلوم امتطوا ظهر جوادها على حين غفلة منك، ويريدون ان يتحاصصوا مع القتلة والمجرمين البائدين ويتركونك تلهث، مثل غزالة بريئة رعناء راكضة امام جلّاديها، والجلادون هنا يمثلون افراد الشبيحة المستكينين تحت ظلال حوائط البيوت الشبحية هذه، فما عليك يا عزيزي المواطن الا ان تتبع قول الشاعر الوطني الغيور:(حقك تحرسو ولا بجيك، حقك تلاوي وتقلعو).
اسماعيل عبد الله
[email protected]
5 فبراير 2021