الخرطوم _ صوت الهامش
مأساءة إنسانية وظروف بالغة التعقيد يعيشها مواطني منطقة (ترباء) التابعة لمحلية شرق جبل مرة بولاية جنوب دارفور عقب إنزلاقات أرضية شهدتها المنطقة أودت بحياة ما لايقل عن الـ(20) شخص جراء سقوط جبل عليهم بجانب العشرات من المصابين والمفقودين .
ورغم هول المصيبة والفقد الجلل الا أن الحادثة الأليمية كشفت عن الوجه الحقيقي إزاء تعامل السُلطات الرسمية وأجهزة إعلامها في هكذا أحداث ، فضلاً عن الإنتقائية والعنصرية في التعامل مع الكوارث في أقاليم البلاد.
أغلب المستنرين والاعلام الرسمي والخاص إهتم إهتمام بالغ بكارثة أطفال المناصير وتجاهل عمداً ما تعرض له مواطني (ترباء) ، وعللوا ذلك بأن المنطقة تقع تحت سيطرة (المتمردين) هكذا قالوا – الأمر الذي يقود إلي طرح تساؤلات وإستفسارات من شاكلة أليس مواطني (ترباء) سوادنيين؟ وأين الضمير الإنساني؟ وأين المنظمات الإنسانية والناشطين الذين يستغلون هكذا أحداث في تمرير أجندتهم ؟
مراقبون ومتابعون إعتبروا التعامل مع أزمة ترباء لم يكن بالمستوي المطلوب رغم كمية الارواح التي مضت الي ربها بسبب كارثة طبيعية ، الا أن الأخطر في ذلك أن الحادثة كشفت بعمق عن أزمة المجتمع السوداني الذي تنتشر فيه أمراض العنصرية والجهوية والانتقائية في تناول الاحداث .
شرخ وسط المجتمع السوداني
ويري الكاتب الصحفي عثمان نواي في تعليق لـ(صوت الهامش) أن عدم الاهتمام بأزمة (ترباء) هو تعبير عن الشرخ الواضح في الوجدان الوطني الذي يجمع السودانيين على امتداد المساحة الجغرافية للدولة السودانية و ليس من المستغرب أن تحظى الحادثة بالتهميش في الاستجابة مثلما تحظى المنطقة وأهلها بذات التهميش .
رؤية نواي بدأت متقاربة لما يقوله الناشط كمال الزين ، الذي أكد لـ(صوت الهامش)أن الحادثة أظهرت غياب الاحساس المشترك في القضايا الوطنية بجانب كشفها الكثير من الاشياء المخفية وزيف القائمين في إدارة الدولة من نظام ومعارضة وما يسمى بالمنظمات المدنية .
ولفت ان رفع شعارات القومية عبارة عن تكتيكات لاستعباد جماهير الهامش وخصوصآ دارفور مشيراً أن النكبة اظهرت التعامل الانتقائي في القضايا السودانية .
وقارن حديثه بغرق طلاب في شمال السودان او تغتصب طفلة في الخرطوم تدور آليات الاعلام ليلا ونهارآ تصعيدآ للقضية وخصوصآ اجهزة اعلام المعارضة والمنظمات والناشطين و من جميع الفاعلين في القضايا العامة .
وأشار الزين إنهم يتعاملون مع قضايا الهامش ببعد عنصري ، لجهة أن العنصرية ماتزال تسيطر في عقلية الصفوة السودانية فلايمهم قضايا المهمشين في دارفور او غيرها .
الي ذلك يقول الناشط أمين سعد أن الانزلاق الارضي بجبل مرة له عدة تعقيدات صعبت مسألة الوصول للمنطقة او اجراء عمليات مساعدة وانقاذ واغاثة لضحايا الانزلاق مما فاقم الازمة بجانب انشغال الساحة السياسية بترهات النظام وتشكيل الحكومة وما صاحبها من تداعيات .
ولفت أمين الذي كان يتحدث لـ(صوت الهامش) أنه منذ بدأت ازمة دارفور لم تأخذ البعد القومي اللازم كأنها قضية خاصة باهل دارفور…وما زالت ازمة دارفور لا تجد الاهتمام والحس والوجدان القومي.
البعض برر تجاهل الاعلام حادثة (ترباء) للصعوبات الامنية لجهة أن المنطقة تقع خارج مناطق سيطرة الحكومة وتسيطر عليها حركة جيش تحرير السودان قيادة عبدالواحد بجانب بعدها الجغرافي وصعوبة الوصول اليها .
الا أن نواي عاد وقال أن التعليل بالبعد،الجغرافي ليس مبرراً ، وقال كون الحدث داخل المناطق المحررة للحركات المسلحة ربما يضعف إمكانيات وصول الإعلام والصورة التي هي الجاذب الأكبر للتفاعل اليوم .
ولفت إنه ربما هناك تقصير أيضا في نقل الأخبار بشكل سريع. لكن بعد وصول الخبر إعتبر ان البعد الجغرافي ليس مبررا للتجاهل، وذاد (لكن للأسف تبقي أزمة التباعد الوجداني الذي يخلق هذا التجاهل أو الضعف في التضامن والدعم للمتضرري) .
وإتفق معه في الراي كمال الزين وقال بأن التعليل بالبعد الجغرافي وسيطرة حركة تحرير السودان علي المنطقة ليس مبرراً ، لجهة أن نفس الحركة اخرجت بيان ناشدت فيه منظمات المجتمع المدني واصحاب الضمير الانساني لمساعدة المتضررين من الانجرافات ، بيد أنها لم تستجيب .
وأكد أن نفس هذا الأمر إنطبق علي القوي السياسية المدنية التي لها الحق في مساعدة المتضررين في اي مكان واي زمان بالتنسبق مع حركة وجيش تحرير السودان ، ولعل المواطنين وجيش الحركة كانوا على قدم وساق في انتشال الضحايا من تحت الانقاض مما يؤكد عدم رفض الحركة لكل من يريد المساعدة عدا النظام .
ووصف الزين “الاعلام السوداني بالامبرطورية التي يديرها ابناء وبنات صفوة المركز امثال العنصري الطيب مصطفى والهندي عز الدين وغيرهم من البرابرة” .
وأشار في حديثه لـ(صوت الهامش) أنهم وظفوا كل امكانيات الدولة في خدمة مصالح الاقلية العرقية ومصالحهم الشخصية ومخاطبة قضايا النظام بالمدح وقضايا الهامش بالذم والسباب والعنصرية والكراهية باعتبارهم مجرمين في السودان .
ونوه الزين أن حادثة غرق التلاميذ الطبيعية في المناصير تم تكوين وفود من حزب المؤتمر السوداني والشيوعي وتحالف قوي الاجماع الوطني وحزب الامة وغيرها من الاحزاب ووصلوا موقع الحدث وقدموا التعازي والمساعدات الانسانية ووقفوا جنبآ الي جنب مع المتضررين و الضحايا وهذا شيئآ اسعد الجميع ، وتابع قائلا “هل جبل مره يقع في السنغال ام في النيجر”؟
وقال إن التجاهل المتعمد لأزمة ترباء لم يكن مختصراً علي الإعلام التقليدي بل تعداه ليشمل الإعلام الحديث الذي أصبح يسيطر علي العالم مما يؤكد بأن هناك تجاهل متعمد للأزمة .
التهميش يظل قائما على كل المستويات
ويشير عثمان نواي في حديثه أن تجاهل الاعلام القديم الحادثة هو مجرد صدي لعدم التفاعل في الإعلام الحديث في السوشيال ميديا ، لجهة أنه مؤخرا أصبح الإعلام القديم هو مجرد صدي لما تتفاعل معه وسائط التواصل الاجتماعي. وعدم تحرك النشطاء أيضا هو تقصير أدى لهذا التجاهل من قبل الإعلام القديم. وأما النشطاء أنفسهم فأعتقد أن سبب تجاهلهم هو نفسه المذكور أعلاه تعمق الشرخ في الوجدان الوطني بين أبناء السودان .
وأوضح نوي بأن التهميش يظل قائما على كل المستويات سياسيا اجتماعيا واعلاميا، بينما قال الناشط أمين سعد أن الاعلام والدولة والمعارضة لم تعر الامر الاهتمام ولا حتي علي صعيد النشطاء لإنشغالهم بامر حل الحكومة وتشكيلها والذي لم يقدم حلا للازمة الوطنية الشاملة التي ادخل فيها النظام البلاد والعباد مما انعدم الحس القومي .
وأكد سعد بأن إنسان دارفور جزء أصيل ومكون تاريخي من مكونات تنوع السودان حاله في ذلك حال طلاب المناصير الذي غدر بهم النيل بسبب إهمال النظام في إقامة جسر علي خور صغير تتضح لك الرؤية.