هذه محاولة لتسليط الضوء على أكثر الجوانب التى أكسبت بارا شهرتها على المستوى القومى. فكما هو معلوم للكثيرين فقد أنجبت هذه المدينة الآسرة الكثير من المبدعين فى مجال الشعر الغنائى و التطريب, أسهموا بصورة لافتة فى اثراء الوجدان السودانى. دعونى أدلف بكم مباشرة الى رموز فن الغناء والشعر الذين شرفت بهم مدينة بارا.
كلتوم بت عبد الرازق (شاعرة يسلملى خال فاطمة)
– فى العام 1883 سقطت بارا فى أيدى قوات المهدية. سبق ذلك بعام مذبحة مروعة ارتكبتها قوات المهدية بقرية أسحف (غرب بارا) راح ضحيتها العشرات من الرجال. و قد تلى ذلك عملية اجلاء بطولية للنساء و الأطفال من اسحف المنكوبة (الى بارا) كان بطلها الفارس نقد الله عمر. و قد سطّرت كلتوم بت محمد عبد الرازق تلك البطولة الملحمية فى قصيدة (يسلملى خال فاطمة) و التى أضحت من ايقونات أغاتى التراث السودانى (و قد أورد تفاصيل الواقعة جابر عبد الله معروف فى كتابه “الجوابرة والأنصار الخزرج بالسودان”). من أبيات هذه القصيدة التى أبدع فى أدائها الفنان الكابلى:-
–
أبكريك* فى اللجج* سدر* حبس الفجج
*أبكريك تعنى التمساح,* اللجج جمع لجة (بضم اللام) وهى الماء الغزير, *سدّر فى الأصل صدّر-و المقصود نهض بصدره متأهبا للتصدى لما هو آت.
الفنان صالح الضى من مواليد بارا (حى البلك). أسرته فى الأصل من قرية أم قلجى المعروفة و التى أنجبت أخصائى الغدد الصماء الشهير د. الضو مختار. و هناك علاقة مصاهرة بين عائلتى الضى و مختار ( أبن إبراهيم مختار شقيق الضو مختار متزوج من ابنة صالح الضى*). من اشهر أغانى هذا الفنان المبدع أغنية ” يا طير يا ما شى لأهلنا بسراع وصّل رسايلنا”.
أمّا الفنان عبد الرحمن عبد الله (بلوم الغرب) فهو أحد من تفاخر و تباهى بهم بارا, اذ يرجع اليه الفضل فى ابراز اسم هذه المدينة و تعريف الكثيرين بها من خلال أغنياته التى سجلها للاذاعة القومية. و قد كان شقيقه المرحوم عز الدين عبد الله أحد أساتذتنا بمدرسة بارا الركابية. من أشهر ما تغنى به (بلوم الغرب) “ضابط السجن” “جدى الريل” جمال بت بارا و غيرها من الروائع.
أمّا الفنانين الذين تربطهم علاقة رحم ببعض أهل بارا, فهم محمد ميرغنى, و هوالأخ غير الشقيقHalf brother “للباراوى” بكرى ابراهيم, الفنان محمود تاور والفنان فتحى حسين*(له صلة قرابة بعائلة أيوب الشهيرة ببارا) و الذى تغنى بالأغنية الشهيرة “العزيزة”: “العزيزة المابتسآل عن ظروفنا الوحيدة الطال عشان جيتك وقوفنا”.
من بين أشهر العازفين (على المستوى القومى) الذين أنجبتهم بارا المزمارى الشهير حافظ عبد الرحمن مختار و عازف الاكورديون اسماعيل عبد القادر البصير الذى اشتهر “بصولاته” مع العندليب الاسمر الراحل زيدان ابراهيم.
أمّا محليا فقد أشتهر ببارا عدة مغنيين أذكر منهم عبد الرحيم هاشم (وفرقته المكوّنة من عثمان هاشم و أزهرى هاشم), بابكر عبد الله (لديه بعض التسجيلات بالاذاعة السودانية) وبشرى مكى حامد (أجاد ترديد أغانى زيدان ابراهيم) و غيرهم.
الشعراء
يعتبر الشاعر عثمان خالد أشهر من أنجبت بارا من مبدعين فى مجال القريض. فقد رَفَد عثمان (ابن حى البكراوية) مكتبة الغناء السودانية بأروع الأغانى التى ما زالت خالدة فى الوجدان السودانى:- الى مسافرة (غناء حمد الريح)-من أجمل مقاطعها: أهديك حروف ما قالا زول و لا أظن يقولا وراى بشر**أهديك عيونى عشان أستريح الدنيا بعدك ما بتسر. هذا الى جانب أغنيات” بتقولى لا” (عبد العزيز المبارك) , “سمحة الصيدة” (محمد ميرغنى), “سلافة الفن” (البلابل) و غيرها من الروائع.
قد لا يعلم الكثيرون أنّ الشاعر محمد مريخة نشآ فى نفس الحى الذى أحتضن عبد الرحمن عبد الله. تميزت أشعار مريخة بالبساطة و ابراز التراث الكردفانى الأصيل. من أشهر ما كتب مريخة “طبيق العسل” أو شقيش قول لى مروّح (غناء عبد الرحمن عبد الله).
الجدير بالذكر أنّ قائمة شعراء بارا قد ضمت كل من ابراهيم ادريس, بشير محمد اسماعيل (شاعر قصيدة خورطقت الفيحاء التى كانت شعارا لمدرسة خورطقت الثانوية), المرحوم “أبكرب” و غيرهم.
من الشعراء الذين تربطهم صلة قرابة ببعض أهل بارا, بالتحديد أهلنا الجوابرة الشاعر محمد المكى ابراهيم (شاعر الاكتوبريات),الشاعر مبارك بشير الذى كتب للفنان محمد الأمين أغنية “عويناتك”, الشاعر مكى مجمّر عيسى و غيرهم.
الرياضة
كانت بارا حاضرة بقوة (على المستوى القومى) فى مجال رياضة كرة القدم. فقد لعب للهلال العاصمى كل من حسن قنديل (من حى الركابية) وكمال شداد (والذى كان مدربا لنفس الفريق و رئيسا لاتحاد كرة القدم السودانى). كذلك شاركت شخصيات باراوية فى ادارة فريق المريخ العاصمى (ماهل أبو جنة و محمد جعفر قريش). أيضا هناك شخصيات رياضية أخرى لها صلة ببارا مثل المدرب القومى محمد عبد الله مازدا (جده حسن الدسوقى) و طه على البشير. حتى نهاية الثمانينات كانت بارا تذخر بالمواهب و المهارات العالية فى هذا المضمار, بل كان من الممكن أن يأخذ الكثير من نجوم تلك الفترة مواقعهم فى أميّز فرق العاصمة القومية للبلاد. فباستثناء أحمد محمود معروف الذى كان حارس المرمى الأساسى لمريخ الأبيض ومتوكل حسن مختار (كولا) الذى لعب لهلال الأبيض (على ما أظن), لم يتخطى الكثير من لاعبي بارا المهرة حاجز “المحلية”, وأكتفوا بممارسة لعبة كرة القدم “كهواة “داخل مدينتهم.
أختم بهذا السؤال الذى يدور بخلد الكثيرين:
هل نضب معين الابداع فى هذه المدينة التى كانت متفردة بابداعها الشامل ؟
طارق مصباح- ايرلندا