بسم الله الرحمن الرحيم
بالطبع ، من حق الصادق المهدي رئيس حزب الأمة الذي خرج من السودان في العام الماضي زهجانا وغاضبا من نظام (عمر البشير ووثبته).. من حقه أن يدافع عن خارطة الطريق الأفريقية الخاوية ، دفاعا مستميتا ، طالما قبلها وسيوقع عليها في الأيام القادمات وهو يجر الذل والهوان ، بعد أن رفض التوقيع عليها في البداية رفضا مطلقا.. لكن ليس من حقه بالطبع أن يهاجم الذين يرفضون خارطة الإستسلام الأفريقية بأسلوب شوارعي سوقي في مقال تحت عنوان (رسالة وصال وشفافية).
يقول المهدي الذي تقدم به العمر حتى أنه اصبح لا يفرق بين الحل السلمي والحل الإستسلامي ، وبين المصلحة الوطنية والمصلحة الحزبية ..يقول إن “أدعياء الوطنية هواة الإفراط يوهمون الناس أن مجرد الحوار هو تفريط في حقوق الشعب السوداني، وأن التطلع لمخرج سلمي من حيث هو تفريط في المصلحة الوطنية”.
ونقول له وبفم مليان ، ان الأصوات الرافضة لخارطة الطريق لا تدعي الوطنية ، إنما هي أصوات وطنية فعلا ، وهي لا توهم الناس بأن مجرد الحوار هو تفريط في حقوق الشعب السوداني ، بل محاورة نظام دموي قاتل ، إنما تفريط في حقوق الشعب السوداني الذي خرج في مناسبات عديد عبر سنوات الإنقاذ الطويلة وهو ينادي (بإسقاط النظام لا محاورته)…وأن التطلع لمخرج سلمي مع نظام لا يعرف السلم والسلام ، إنما هو بالفعل تفريط في المصلحة الوطنية التي تكمن في اسقاط النظام الذي يعني اسقاط الفساد والديكتاتورية والإستبداد.
المهدي نفسه الذي يسهل ويزبد اليوم دفاعا عن خارطة امبيكي وهو في عجلة من أمره للعودة إلى السودان لمقابلة عمر البشير، كان يهتف باسقاط النظام -قائلا ان نظام البشير غير قابل للإصلاح والترقيع لا ينفع ، فما المفيد الذي رآه هو في خارطة الطريق المكتوبة باللغة التي يفهمها الكل ، ولم يراه الرافضين حتى يدخل مرحلة الإفلاس السياسي لشتمهم وسبهم؟.
إن خارطة الطريق الذي يدافع عنها تعترف بالحوار الجاري في الداخل ، وجميعنا يعرف ان هذا الحوار وضع أجندته حزب المؤتمر الوطني الحاكم ورئيسه هو الذي يرأسه.. كما أن الحوار المزعوم كان قد وصل محطته الأخيرة قبل أشهر ولم يبقى له سوى التصديق على مخرجاته في شهر اغسطس القادم. وإذا كان المهدي يعتقد أن نظام البشير سيعيد الحوار إلى نقطة البداية ليمارس ثرثرته السياسية ، فهو واهم وهما كبيرا.
الحوار أياً كان نوعه لا يرفضه أحد ولا يستغنى عنه أحد ، لكن لأي حوار لكي ينجح لابد من توافر عدة عوامل وشروط -منها على سبيل المثال ، التكافوء ، وهو الشيء الذي تفتقد إليه (وثبة البشير) ، لكن المهدي كالعادة يصر على قلب الحقائق وممارسة التضليل المتعمد للوصول إلى عقول الناس وقلوبهم.
الرافضون لخارطة امبيكي ليسوا غلاة أوهموا السهاة أن مجرد التوقيع على خريطة الطريق الأفريقية تهاون في المصلحة الوطنية ، كما يقول المهدي ، بل أن مجرد التوقيع فعلا وحقيقةً هو تهاون بمصلحة السودان لأن هذه الخطوة ستفتح الباب على مصراعيه لنظام الخرطوم ليفسد أكثر ويرتكب مزيدا من الجرائم ضد الشعب السوداني أمام مرآى ومسمع من التحقوا وانضموا لحواره ، وهم لا يستطيعون فعل شيء لأنهم مسلوبي الإرادة.
الموقف «الهجومي» للصادق المهدي على المعارضة ، والتخبط الواضح في رسالته ، هو الأكثر تعبيرا عن وجود أزمة حقيقية وجادة داخل التنظيمات والحركات التي تعتزم التوقيع على خارطة الأفروغربية ، وان الأمور كاد أن تخرج عن السيطرة. فثمة شعور بأن «الأصوات المعارضة لخارطة الطريق قوية» قد تغرق «سفينتهم الإستسلامية المتجه الى الخرطوم» ، لذا بدأ هجومه قبل أن يسقطون الواحد تلو الآخر، لكنه أخطأ الهدف لأن رسالة المعارضة قد وصلت إلى الشعب السوداني.
انها مرحلة تخبط كبرى لا تصلح معها تبريرات كاذبة، وعندما يقول الصادق المهدي نحن، ((أي قيادة نداء السودان، الذين أدركنا ما في خريطة الطريق من إيجابيات وذكرناها في 21 مارس 2016م، ولكننا عزفنا عن التوقيع عليها لعيوب ذكرناها)). هذا الكلام يشير إلى هذيان ناتج عن حمى خطيرة أصابت «جسد قوى نداء السودان» وقادتها الذين يدركون جيدا ان ما يسمونه بالملحق الإضافي لم يضاف إلى خارطة الطريق ولن يضاف إليها ، لكنهم يكذبون ويشوشون الرأي العام السوداني.
يجب أن يعرف الصادق المهدي الذي يحدثنا عن الوطنية …أن الوطنية ليست بطاقة انعاش وطني ولا رخصة سيارة أجرة ولا رخصة صيد في الدالي والمزموم وجبال أقدي … الوطنية هي كفاح ضد الاستبداد والسلطوية والديكتاتورية ، وهي نضال من أجل وطن يجد فيه كل أبنائه دون فرق حرية التعليم والعلاج وفرص عمل متكافية وووالخ.
الوطنية ليست ثرثرة كلامية وعنتريات خطابية ، أو رحلة من القاهرة إلى الخرطوم مع وعد بمقعد في البرلمان أو وظيفة حكومية كبيرة …شرف الوطن بالمواقف الصادقة الصريحة من قضايا الشعوب ومصلحتها الكبرى. وعليه لا نقبل دروسا في الوطنية من فقهاء الثرثرة والبلطجية والبؤساء الذين أمضوا أكثر من نصف قرن وهم يرفعون شعارات تثير الشفقة والضحك، من قبيل الديمقراطية وقد عاشوا وسط أنظمة الإستبداد والقهر والطغيان كنظام النميري وعمر البشير ، ومن قبيل المخرج السلمي وهم أوائل من استخدموا المليشيات وسلحوا القبائل في السودان لتتقاتل مع بعضها البعض.
المهدي ودون خجل يقول في رسالته غير الشفافة “لا يعترض على هذا النهج المحكم إلا أحد ثلاثة: غلاة لا يدركون الواقع الداخلي والإقليمي والدولي، أو عميان يستغلهم آخرون، أو أداة لجهة أمنية تريد أن يواصل النظام طغيانه بمباركة أو معايشة أفريقية ودولية”…وما قاله المهدي هنا ينطبق عليه بحذافيره لأن هو الذي استغله حزب المؤتمر الوطني الحاكم في تفتيت الجبهة الثورية السودانية ، وأصر على قيادة قوى نداء السودان حتى انتهت اجتماعاتها دون انتخاب رئيس لها…وهو الذي يستخدمه النظام كأداة أمنية لضرب المعارضة المسلحة وقوى الإجماع الوطني.. فلماذا يفرفر ويفضح نفسه بهذه الطريقة؟.
انها حالة افلاس خطابي اعلامي جاء انعكاساً لحالة افلاسه السياسي بعد ان أصبح ظهره عاريا نتيجة لإنصراف “الأنصار” عنه لخذلانه ولمواقفه التي تتشابه في كل شيء مع مواقف المؤتمر الوطني الحاكم من الوطن والمواطنين.
إذا كان المهدي يظن انه قادر على ان يأتي بحل سلمي للسودان مع وجود نظام الإنقاذ فهو واهم ومخطىء ، والتصريحات الحكومية وأعضاء المؤتمر الوطني الحاكم تدلل على ذلك من وزير الخارجية السوداني ووزير الإعلام والمتحدث بإسم الحزب الحاكم وعمر البشير نفسه…ومع ذلك ما زال من يدعون انهم بخارطتهم الأفريقية الخاوية هذه وبالهجوم على المعارضين يستطيعون تحقيق السلام والإستقرار.
لم يسأل الصادق المهدي نفسه من الذي أعطاه هذا الدور للهجوم على الرافضين بقصف نضالاتهم وتضحياتهم الوطنية… وأي وقاحة أأن يسمي المعارضين بالغلاة والواهمين؟ .إذا كان ارهاب نظام الإنقاذ لم ينل من صمود المعارضة الحقيقية شيئا ، فأي حماقة ترافقه وتدفعه لجهل ما يحيق به وبحزبه الأمي ، والأيام ستحمل له ما لا يسره ، والأحمق من لا يعرف أنه في أتون النار والخراب ، ويظن أنه هو من يهب العالم الآمن.
ربما لا يكفي مليون مقال للحديث عن شطحات وحماقات (الدكتور ،العالم ، المفكر ، الإمام ، المنتظر ، السيد ، الشخ ، الفكي)، لكن وبمناسبة هجومه على المعارضين على خارطة الطريق ، كان من الضروري أن نذكره مرة أخرى بأن النضج السياسي لا يمكن أن يدركه إلآ من كان سياسيا ناجحا ورافقته هذه المسيرة في حياته…لكن المهدي أثبت في حياته السياسية الطويلة الحافلة بالفشل والخيبات أن السودان لا تعنيه في شيء إلآ بلوغه رئاسة الحكومة أو الدولة.
والسلام عليكم…