عبدالباسط محمد الحاج
لقد دخل المستعمر الإنجليزي ووجد السودان عبارة عن مجموعات سكانية تعيش علي نمط تقليدي في أراضي ذات حدود عرفية تفصل مابين مجموعة وأخرى ،و تأخذ نمط أجسام لا ترتقي لمستوى دولة بالمفهوم الحديث وتسيطر عليها سلطات تقليدية مشيخية زعاموية عرفية وجيش مناط به حماية المجموعة وفي بعض الأحيان الإغارة علي المجموعات الأخرى بدوافع متعددة .
لقد تعامل المستعمر مع هذا المجتمع بطريقة إعتباطية جداً وذلك عندما أتى بقالب الدولة الحديثة من أوروبا وحاول قولبت المجتمع السوداني فيه دون تمرحل تاريخي وتفاعل مجتمعي داخلي يتمخض منه الوعى بالدولة الحديثة حتي يكون متسايراً مع مستوى الوعي الجمعي لقيم الدولة الحديثة التى يفترض أن تقوم علي المساواة والديمقراطية كمستوى أولي ومن ثم القيم الأخري ، إذ لم تتخلل هذه القيم داخل الكيان الإجتماعي بالطريقة التى تجعله أهلاً لأن يستقبل هذه القيم وينهض وهذا العجز يعود عند أغلب الباحثين في دراسات مابعد الإستعمار إلى المستعمر نفسه بهدف تسهيل عملية السيطرة وذلك بخلق إضطرابات داخلية وعدم تناغم بين قيم المجتمع التقليدي وقيم الدولة الحديثة وكذلك لتجهيل هذه المجتمعات والقفذ علي التسلسل المنطقي لبناء الدولة الحديثة وفقاً للنمط المجيئ به وقد أصبح فيما بعد مسخ مشوه أقعد المجتمعات المُستعمَرة وجعلها تتدهرج إلي الوراء عكس عجلة التقدم .
فعند خروج المستعمر وقد ترك المجتمع تعبث به حمولة كبيرة من الوعى التقليدي المجمتعي العشائري السلالي داخل نسق حديث أسمه “دولة” لا تتطابق مع معاييره وقيمه القديمة العتيقة والمتجزة داخل وعيه ، و هذا قاد النخب التى كانت تتعامل مع المستعمر والتى حظيت بوراثة عرش السلطة منذ عشية خروج المستعمر إلي الآن إلي أن تستدعى ذلك النمط التقليدي و الوعى العشائري السلالى كأقرب وعى للدولة موجود لديها وأن تتعامل مع نسق الدولة الحديثة بهكذا منطق تقليدي مجموعاتي ، فسيطرت علي المؤسسات الحديثة برجال يحملون بذرة الطائفية والسلالية و تمت أثننة المؤسسات الحديثة فأصبحت جوفاء بلا معنى يتطابق مع الأسم الخارجي لها ، وسارت علي هذا النهج إذ أصبح التعامل مع الدولة كجزء من الممتلكات التي تخص النخب المورثة وميدان لتصفية كل الخصومات التاريخية مع المجموعات التى كانت تناصبها العداء أو الثأر المكمون ، فسادت عمليات الهمينة والإستبعاد ظاهرة للعيان دون حياء لأن هذا السلوك هو مصدر مفخرة بالنسبة للمجتمع التقليدي المحظو بالسلطة إذ ليس لديها ما يمنع أن تتم هيكلة المؤسسة الحديثة للدولة وفقاً للإنتماء الجغرافي أو العرقي أو الثقافي والأمر هنا واضح لكل حاذق ذو بصيرة .
فكل الحروبات التي نشبت على مر التاريخ ولازالت مستمرة إلي الآن هي نتاج طبيعي لهذا السلوك النمطي التقليدي العشائري في الحكم والتمادي في هذا السلوك يضاعف من إستمرار الأزمات الوطنية ، وأن هذه المؤسسات لا يمكن أن تكون وطنية بالمعنى الموضوعي للوطنية وليس بالمفهوم المختزل وفقاً للوعى الصفوى للكلمة ، فالخطة الأولى التى يمكن أن تساعد في عملية إعادة تكوين دولة سودانية حديثة هي أن نعيد صياغة الدولة السودانية من جديد وإعادة تعريف المواطنية والعلاقة بينها وبين الدولة وتفكيك المؤسسات وإعادة تشكيلها علي هيئة مظلة تغطى كل أطياف الشعوب السودانية دون ذلك ستتضاعف عوامل التشظي والإنشطار .