الدكتور حمدي عبدالرحمن
“من الصعب أن نجد شخصية مثيرة للجدل في الغرب أكثر من روبرت موغابي. يصوره المعلقون الليبراليون والمحافظون على حد سواء على أنه دكتاتور وحشي، ويلقون عليه باللوم بسبب معاناة زيمبابوي من التضخم المفرط والفقر. لقد تم تصويراستيلاء أنصاره السود على مزارع البيض باعتباره شكلا من أشكال البلطجة ،أفضى إلى انخفاض إنتاج البلد، وكأن هذه الأراضي كتب عليها سوء المآل بملكية السود لها. سرعان ما فرضت العقوبات، ومولت جماعات المعارضة بهدف واضح هوالتخلص منه.
إننا لاننكر استبداد موغابي، أو استعداده للتغاضي عن، بل وتشجيع السلوك العنيف من قبل مؤيديه. وقد ساعدت سياساته على انهيار اقتصاد البلاد، على الرغم من أن العقوبات لم تلعب دورا يذكر، في حين أدى رفضه تقاسم السلطة مع حركة المعارضة المتنامية في البلاد، ومعظمها من قبل النقابات العمالية، إلى مأزق بالغ التعقيد وحالة انسداد سياسي غير خافية. ويمكن التعرف على وجهة النظر هذه حول أزمة زيمبابوي في كل مكان، من الإيكونوميست والفينانشيال تيمس إلى الجارديان و نيو ستاتسمان، لكن ذلك كله لا يعطينا تفسيرا مقنعا لكيفية نجاح موجابي في الاستمرار في السلطة. لأنه لم يحكم فقط بالإكراه ولكن بالتوافق، كما أن سياسات الإصلاح الزراعي التي قام بها، مهما كانت قاسية، فإنها حازت على شعبية كبيرة، ليس فقط في زيمبابوي ولكن في جميع أنحاء الجنوب الأفريقي. وعلى أية حال، فإن الانشغال بشخصية موجابي لايساعد كثيرا على فهم المسائل الاجتماعية – التاريخية التي ينطوي عليها الأمر.
لقد قارن الكثيرون موغابي بعايدي أمين من حيث مسألة مصادرة الأراضي في زمبابوي وطرد الآسيوييين في أوغندا. المقارنة ليست بعيدة تماما. كنت شخصيا (أي محمود ممداني) واحدا من بين سبعين ألف شخص من أصل آسيوي تم طردهم من قبل عيدي أمين في عام 1972؛ عدت إلى أوغندا في عام 1979. لا زلت أذكر في الأشهر القليلة الأولى بعدعودتي أني وجدت أحدا ممن التقيت بهم رفض عملية طرد “الآسيويين”. بيد أن معظمهم قال: “إن الطريقة لم تكن مناسبة”. ومن المرجح أن يقال نفس الشيء عن عمليات نقل ملكية الأراضي في زيمبابوي.
ما يميز موجابي وأمين عن غيرهم من الحكام المستبدين الآخرين ليس الجانب الديماغوجي في خطابهم السياسي ولكن حقيقة أنهم قدموا أنفسهم كأبطال شعبويين يعملون على تحقيق العدالة الإجتماعية ،كما أنهم نجحوا في حشد أولئك الذين حرمهم النظام الاستعماري من العدالة. وليس من المستغرب أن العدالة التي وعد بها هذا الخطاب الجديد قد استحضرت دوما صورة الظلم العنصري للنظام الاستعماري. وفي عام 1979 بدأت أدرك أنه مهما كانت وحشية عايدي أمين، فإن الشعب الأوغندي يذكرأن طرد الآسيويين عام 1972 – وليس استلام السلطة الرسمي في عام 1962 – على أنه عيد الاستقلال الوطني الحقيقي. ومن المرجح أن يتذكر شعب زيمبابوي الفترة من 2000-2003 باعتبارها نهاية عهد الاستعمار الاستيطاني. وأي تقييم لتجربة زمبابوي المعاصرة يجب أن يبدأ بهذه الحقيقة غير الخافية.
على الرغم من أن سرقة الأرض على نطاق واسع – وهي عملية بدأت في عام 1889 واستكملت حلقاتها في الخمسينيات – مثلت وقودا لحرب العصابات ضد نظام إيان سميث،حيث عارضت الجبهة الروديسية حكم الأغلبية السوداء، فإن المسألة لم تعالج بشكل صحيح عندما عادت بريطانيا إلى المشهد وهوما أفضى إلى إلى الاستقلال وحكم الأغلبية. أصبحت روديسيا الجنوبية هي زيمبابوي في عام 1980، ولكن الواقع الاجتماعي للدولة الوليدة لم ينفصل عن فترة تاريخية سابقة: فقد كان هناك حوالي ستة آلاف من المزارعين البيض يمتلكون 15.5 مليون هكتارمن الأراضي الرئيسية، أي نحو 39 في المائة من الأراضي في البلاد، في حين ترك لحوالي 4.5 مليون مزارع ( نحو مليون أسرة) في “المناطق المشتركة” نحو 16.4 مليون هكتار من الأراضي الأكثر جفافا. وفي الوسط كان هناك نحو 8500 من المزارعين السود يمتلكون مزارع صغيرة الحجم تشكل نحو 1.4 مليون هكتار من الأراضي.
ولم يكن ذلك ترتيبا مستداما في بلد حصل على استقلاله بعد مرحلة طويلة من الكفاح المسلح وبدعم من السكان الذين يتوقون إلى تملك أراضيهم. لكن الاتفاق الذي صاغته بريطانيا في لانكستر هاوس في عام 1979 -وبدعم من المستوطنين – لم يأخذ في الاعتبار نوع الانتقال الضروري لتحقيق نظام اجتماعي مستقر. وتعكس بعض نصوص هذا الاتفاق مكامن الضعف التي تولد الانفجار: أحدها دعا إلى نقل ملكية الأراضي على أساس التراضي أي “المشتري الراغب في الشراء ، والبائع المستعد للبيع “، مع استعداد البريطانيين للتمويل ؛ أما النص الثاني فإنه تمثل في احتفاظ البيض بنسبة 20 في المائة من المقاعد في مجلس النواب – على الرغم من أنهم يشكلون 3 في المائة فقط من السكان – وهو ما يعطي مجتمع المستوطنين البيض حق النقض في أي تعديل على شروط لانكستر هاوس.وقد حدد الاتفاق مهلة زمنية محددة: 1990 لنقل ملكية الأراضي استنادا إلى مبدأ السوق، و 1987 لقيام الأقلية البيضاء بوضع قيود على حكم الأغلبية”.