الفاضل سعيد سنهوري
شكّل الاستبعاد من المشاركة جوهر العملية السياسية في الدولة السودانية، على مدى جزء كبير مننصف القرن المنصرم من الحياة السياسية السودانية، ففي استبعاد المواطنين والقوى السياسية المعارضة من المساهمة في العملية السياسية وتفاعلاتها وآليات تمثيلها، افتقدت الدولة السودانية كافة أشكال التعبير السياسي المعلن عن المعارضة ضمن مؤسسات الدولة التي يحتكرها طرفٌ واحدٌ مستبعداً القوى الأخرى. وبحكم هذا الاستبعاد، شكّل الاحتقان السياسي البديل عن المشاركة السياسية، والذي أخذ، في حالاتٍ، شكل العنف المسلح، رداً على الإلغاء السياسي للاخرين، فالنخبة السياسية والعسكرية حول المجرم عمر البشير اسرجت خيول الغوغاء والفساد السياسب باعتبارها طرفاً مهيمناً على العملية السياسية والاقتصادية في البلد، بوصفها “المؤسسة الكلية”، سمحت، في ظل غياب المشاركة السياسية، وفي ظل غياب رقابة المجتمع المدني على أداء السلطة السياسية ومحاسبتها ومعاقبتها في انتخاباتٍ نزيهة، بانتشار الفساد الذي استشرى في كل مناحي الدولة السودانيه واجهزتها المختلفة، إلى درجة أصبحت محاربته واحدةً من الأحلام مستحيلة التحقيق في ظل دولة الاستبداد ذاتها.
وقد عمل هذا الفساد الذي استشرى هيكلياً على تكوين شرائح اجتماعية، حوّلت الفساد إلى مؤسساتٍ لها آليات عمل متماسكة وتقاليد راسخة، في مقدمة هذه الآليات إغناء المواطنين وإفقارهم، حسب الموقف من السلطة السياسية والولاء لها. وأصل الفساد يكمن في تحويل مؤسسات الدولة التي يُفترض أنها تؤدي خدمةً عامة للجميع إلى خدمة مصالح النخب الموجودة في السلطة، وإلى احتكار شخصي، بذلك يتحول المنصب السياسي إلى وسيلةٍ لخدمة المصالح الشخصية، بدل أن يكون وسيلةً لأداء خدمة عامة، تسعى إلى خدمة مصلحة المجتمع.
في هذه الشروط، افتقدت العملية السياسية قواعدها المحدّدة للتفاعل بين السلطة والمجتمع، وبين النخب والقوي السياسية المختلفة، وهو الذي جعل مسار المناداة بالتغيير الجزري الثوري موجودا وموحدا من الهامش السوداني بالرغم من علم متخذي هذا الطريق انه لم ولن يكون معبدا ولن ولم يكن سلساً، فقد تبين منذ البداية ان الاختراق السلطوي للمجتمع أكبر مما كان متصوراً” الاقتصاد والسياسة، فعدم خضوع العملية السياسية لقواعد محدّدة، أو عدم الرجوع إليها لإصدار القرارات السياسية المتعلقة بمصائر الدولة والمواطنين، تركا العملية السياسية من دون آليةٍ واضحةٍ، يجري اتباعها لتحقيق المشاركة السياسية الفعلية، باعتبار المواطن هو مرجعية الدولة عبر المشاركة السياسية.
واقع الحال في السودان منذ سطؤ المجرم عمر البشير علي السلطة والي تكون الحركات الثورية الدافورية ومشاركتها في الكفاح المسلح لاسقاط النظام، لم يغير النظام اسلوبه وتعاطية من الحياة السياسية وطريقة الاستفراد والاستعباد والبطش، والتوصيف المناسب لتعامل النظام مع الاخرين الي الان نجد أنه يكتسي بطابع الاستبداد وهو الذي سيطر على كل العملية السياسية، وإلى حد كبير، على كل العملية الاقتصادية برمتها، وأخضعها إلى قواعد وشروط اعتباطية، وأول شروط هذه العملية، استبعاد الآخرين من المشاركة في صنع القرار والثروة، والوسيلة الأسهل لممارسها احتكار السلطة، هي الاحتكار المطلق للقرار السياسي، وتحويل القوى السياسية الأخرى من شركاء في العملية السياسية إلى خدم للمستبد، واعتماد آليات القمع وسيلةً وحيدةً لحماية النظام.
بذلك، المنهج المتوحش في القمع وتشريد المواطنيين وخلخلة البنيات الاقتصادية للمجتمعات المختلفة بالهامش، وتفكيك متعمد لمراكز الثروة وتكوينها بمركز الدولة السودانية، وايضا تم تدمير العملية السياسية بشكل نهائي، وجعلها لاغيةً من حيث المبدأ. فالصورة التي أسفر عنها الوضع في السودان بعد اكتمال قمر نظام الجبهة الاسلامية عشية الوصول للسلطة هي تدمير المجال السياسي باستخدام أدوات العنف، وفي حالاتٍ كثيرة، تحت شعارات وطنية، لا تجد أي مضامين حقيقية لها في التطبيق العملي لهذه السلطات الشمولية.
تضامنت عملية إلغاء السياسة في السنوات الأخيرة، مع مجموعة الشروط الاقتصادية والاجتماعية المتردية والتي زادت نسبة الفقر بوتائر متسارعة، وترافقت مع سياسات إعادة الهيكلة الاقتصادية، والتي تعني تفكيك القطاع العام وزيادة دور القطاع الخاص، مما يزيد المعاناة الاجتماعية لشرائح واسعة تنضم إلى الفقراء يوميا وهم في السواد الاعظم منهم نتاج الحرب والعنف والقمع الوحشي الممارس من السلطة، فما تزال أحزمة البؤس تتوسع في محيط المدن السودانية الكبيرة وبسرعة. وقد أصبحت أوضاع عشرات الملايين تتسم بالحاجة إلى الضرورات الأولية وتصنّف تحت خط الفقر، ما جعل هذه القطاعات تعيش في حالة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل في المستقبل. وكل يوم تعاني قطاعات متزايدة من هذه الأوضاع المتردية، بسبب البطالة والفقر الذي أصاب مئات الآلاف من خريجي الجامعات، وهو ما شكل بيئة ملائمة لنمو الحركات الاحتجاجية على الرغم من كل آليات القمع.
إقفال المجال السياسي على نخبة السلطة، دفع قطاعات واسعة إلى البحث عن وسائل خلفية لدخول العملية السياسية” لحماية الدولة من التعبيرات اليائسة للغضب الاجتماعي. لأن إقفال المجال السياسي على نخبة السلطة، دفع قطاعات واسعة إلى البحث عن وسائل خلفية لدخول العملية السياسية، وقد وفر المجال القمعي المتمسح بالثوب الديني هذا الدخول، في ظل غياب ومصادرة المجال الطبيعي للممارسة السياسية، وفرض هذا الدخول من المواقع غير الطبيعية للعملية السياسية أساليب العنف في التعبير عن المطالب.
وفّرت الحركات الثورية الدارفورية والحركة الشعبية بكفاحها المسلح الفرصة المواتية، لتجاوز الاحتقانات القائمة في الدولة الاسودانية التي انفجر في هامشها الثورة المسلحة لتغيير الواقع السياسي، وكان بالضرورة تفجرها بهذا الشكل للمساهمة في إنتاج حياة سياسية سودانية جديدة، وهذا التغيير بموجب القوةالمسلحة بات في متناول اليد. فقد أصبحت عملية التغيير ضرورية، ولا يمكن أن يسير الوطن إلى الأمام بدونها. وكانت الشرط الضروري لتغير واقع، تحول إلى حالة من الاستنقاع لا خروج منه، إلا بثورات شعبية مسلحة تطيح، ليس بالسلطة السياسة وحسب، بل وفي الواقع القائم كله أيضاً. لكن من يظن ان مسار التغيير الثوري الجزري سيكون سلسا فهو واهم، وذل لأن حجم الخراب والاختراق السلطوي للبنية المجتمعية أكبر من كل تصور، وتظهر دلالاته وعلاماته الحالية في عدم إقرار النظام وعدد من القوي السياسية بشرعية الحركات الثورية في اسقاط النظام بالسلاح خوفا ان ينقلب التغيير ضدها، وإبداءها والنظام بمقاومة جنونية للتمسك بالسلطة وأسقاط النظام بالثورة المسلحة، ونسي هولاء واغفلوا عمدا ان أدخلت سلطات الاستبداد التي لايريدون اسقاطها هي من ادخلت البلاد في موجة من الصدامات المسلحة، ما جعل كل الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي كله مهدّداً من الأساس بالانهيار في اي لحظة.
عمل القمع الوحشي الذي اعتمده النظام المستبد للمجرم عمر البشير في مواجهة الكفاح والثورات المسلحة في الهامش على تصاعد العنف المسلح،، واقحم فيه اطراف اخري لا علاقة لها بالفعل والاغراص السياسية التي اشعلت الحرب، ومثل هذة السياسات الخاطئة من النظام هي من جعلت باضطرار مجموعات كبيرة في كل مرة الجوء إلى السلاح في مواجهة القمع الوحشي للحركات الثورية والذي تجاوزها الي قتلهم وتشريدهم من بئاتهم ومانطقهم التي لاوجود للثورة فيها، وهو ما أدخل الأوضاع في السودان حاليا في حالةٍ من التفكيك المجتمعي، وإدخالها في حربٍ أهليةٍ دمويةٍ مدمرة، في حال تصاعدها، وترافقها مع أوضاع اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ يائسة، تضغط بقسوة على قطاعاتٍ اجتماعيةٍ، تتسع باستمرار، سينفجر هذا الوضع وستنفصل اجزاء أخري كما فعل الجنوب الذي فر بجلده.
شكّل ذلك الواقع كله بيئةً ملائمةً لتضخم القوى الراديكالية ذات المنشأ الصفوي الاسلاموي العروبي اعتقادا، وقد ساهمت سلوكيات الاستبداد الممارسة من النظام نفسها في دعم هذه القوى بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، لتصوير هذه القوى بوصفها البديل الوحيد عنها للحفاظ علي نسق المصالح الذي تكون وسيزول بالثورة، وبل اوعذ الي تلك القوة الرديكالية الظلامية للانابه عنها في تبرير الاستبداد ولتقول إنها، كسلطات مستبدة، هي أهون الشرور، لأن بديلها هو تيارات الاقصاء العرقي والنهج العنصري القائم علي الزنوجية، وأن الاصلاح السياسي والرفاة الاجتماعي والاقتصادي في قاموس الحركات المسلح لا وجود له، وليس هناك حركات ثورية لها مطالب سياسية تتمحور حول قضايا الحرية والعدالة والمساواة.
السؤال الذي يطرح نفسه الان هل هذا يعني أن وعد الحرية والتغيير واسقاط النظام عبر الكفاح المسلح بات من الماضي؟ بالتأكيد لا، تؤكد الأوضاع الجديدة، على صعوبتها، وما تواجه الحركات الثورية المختلفة داخليا واقليميا أن الحرية هي الطريق الوحيد الذي يمنح هذه الشعوب في الهامش السوداني فرصة صناعة مستقبلها، وكل خيار عدمي آخر يذهب بها إلى ماضٍ أسود، هو آخر ما تحتاجه تلك المناطق المهمشة عنوة، وهو ما يجعل مستقبلها قاتماً طالما وجد هذا النظام الفاشل.
تعليق واحد
Dear,
Don’t start talking nonsense, because there is one way of uprooting this system. Destroying this old country and rebuilding a new country, which only the split is the solution to rebuild self power and then think of reuniting the new Sudan simply because this ideological concept is what the central minded men and women are propagating to help them construct a new dictatorship regime that way. Call for your strength first and the road to it is very well known, but these dreams are the endless exhaustion of both human and natural resources for nothing when you re-read the scenario perfectly. Sorry Alfadil Sanhoury for this, and the name should not cheat you while you are experiencing real life pattern of being nothing at the moment duet to selling yourself to the unrealistic ideas, culturally and ethnically at the moment in Sudan..