لندن – صوت الهامش
تساءل الكاتب البريطاني مارتن بلوت عن إمكانية عقد مصالحة بين إثيوبيا وإريتريا بعد مرور 18 عاما على الاتفاقية التي أبرمت في الجزائر لوقف الاقتتال بين البلدين.
وفي مقال نشرته مجلة (نيوستيتسمان)، أكد بلوت أن الصراع في أفريقيا ليس بالأمر الغريب، لكن الحرب التي اندلعت بين إثيوبيا وإريتريا في الـ 6 من مايو عام 1998 لم تكن تشبه أيًا مما شهدته القارة السمراء من حروب منذ الحرب العالمية الثانية؛ فلم تكن بين قوات ومتمردين مسلحين بالكلاشنكوف والسواطير، وإنما كانت حربًا استُخدمت فيها المدفعية الثقيلة والغارات الجوية بطائرات حديثة.
ونوه الكاتب عن أن أحدًا لا يعلم أرقام ضحايا تلك الحرب على وجه الدقة، لكن تقديرات تشير إلى رقم مئة ألف إنسان لقوا حتفهم؛ فيما يشير البعض إلى رقم أعلى من ذلك؛ وتخيم نتيجة هذه الحرب كسحابة سوداء على المنطقة بأسرها.
وقد تم إبرام اتفاق الجزائر في يونيو 2000 لإنهاء الاقتتال برعاية المجتمع الدولي، وتم نشر قوات حفظ سلام أممية على طول الحدود بين الدولتين؛ ولكن بدلا من أن يحل السلام، لا تزال العلاقات بين البلدين متجمدة على مدار العشرين عاما الماضية؛ فالحدود مغلقة وعشرات الآلاف من الجنود على الجانبين يقفون في مواجهة بعضهم البعض.
ولفت الكاتب إلى استضافة كلّ من الدولتين حركات التمرد في الدولة الأخرى، فضلا عن حِرص كل دولة منهما على الإطاحة بنظام الحكم في الأخرى.
وتعاني إثيوبيا جراء ذلك إغلاق ميناءَي “مصوّع” و”عصب” الإريتريين في وجهها مما اضطرها لتطوير شبكة نقل معقدة عبر جيبوتي لاستيراد وتصدير منتجات من وإلى العالم الخارجي.
وعلى الصعيد الإنساني، حالَ استمرار الوضع القائم دون تواصل المجتمعات على جانبي الحدود بعدما كانت تربطهم روابط الجوار والنسب.
وأكد صاحب المقال أنه وبعد مرور عقدين من الزمن، فإن هذا الوضع لا يخدم أيا من الشعبين الإثيوبي أو الإريتري على السواء.
ولفت بلوت إلى زيارة قام بها “دونالد ياماموتو” وهو مسؤول بارز في إدارة ترامب ومختص بالشأن الأفريقي، إلى كل من إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا في الـ 26 من أبريل المنصرم؛ ولم يتضح بعد ما تمّكن هذا الدبلوماسي البارع من التوصل إليه، لكن من المستبعد أن يكون قد قام بالرحلة دونما هدف واضح في مخيلته.
ورصد الكاتب أحاديث مسؤولين إثيوبيين عن “سياسة جديدة” تجاه إريتريا، ودعوة رئيس الوزراء الجديد أبيي أحمد إلى إنهاء “سنوات من سوء التفاهم” بين البلدين.
وتأتي تلك الدعوات لكسر حالة الجمود بين البلدين في توقيت صعب؛ ذلك أن إثيوبيا لا تزال تتعاطى مع انقسامات عرقية عصفت بالبلاد على مدى عدة أشهر؛ وعلى الجانب الآخر، تبدو إريتريا على السطح مستقرة، لكنها في العُمق تغلي بحالة من الغضب مستشرية بين مواطنيها ولاسيما الشباب المحاصرين في نظام تجنيد إلزامي يمكن أن يمتد زمنه إلى ما لا نهاية ما يضطرهم إلى الهرب.
واعتبر الكاتب أن تلك الحال في إريتريا تناسب رئيسها، أسياس أفورقي، الحاكم المطلق الرافض لأية معارضة؛ ولقد ساهمت حالة اللاحرب واللاسلم مع إثيوبيا في إيجاد مبرر لغضّ الطرف عن الديمقراطية في إريتريا؛ ثمة حوافز قليلة يمكنها أن تغري الرئيس أفورقي على تقديم تنازلات لحلحلة الموقف مع أديس أبابا.
ورأى الكاتب أن السبيل إلى إنهاء هذا الوضع بين البلدين يتمثل في بادرة دراماتيكية من جانب إثيوبيا صوب إريتريا على أن تكون هذه البادرة مدعومة بوعدٍ من الأمم المتحدة برفع العقوبات المفروضة منذ العام 2009 وبوعدٍ من واشنطن بتقاربٍ اقتصادي أو حتى عسكري مع إريتريا.