قراءة نقدية
بقلم الجاك محمود أحمد الجاك
تناولت في الجزء الثاني من سلسلة مقالاتي بذات العنوان أعلاه كيف أن الإمام الصادق المهدي قد أدمن طرح أفكار وحلول لا تتسق مع واقع السودان، وأعطيت نموذجاَ لذلك طرحه لفكرة الحوار مع النظام باستحقاقاته علي سنة كوديسا جنوب إفريقيا والذي تبنته قوي النداء. كما إنتقدنا خطاب الإمام ومواقفه العنصرية التي فاقمت من الأزمة وعمقت تشظي الوجدان الوطني، وعطفاً علي ذلك ننتقد عداء الإمام السافر لثورة الهامش الذي يجسده وصفه للجبهة الثورية السودانية بالتحالف العنصري وموقفه من ميثاق الفجر الجديد وتصريحاته عند دخول قوات الجبهة الثورية مدينة أم روابة الواقعة في مثلث حمدي، بالإضافة الي تصريحاته عند دخول قوات حركة العدل والمساواة السودانية مدينة أم درمان، وقبل كل ذلك البيان المشترك بين حزبي الأمة والمؤتمر الوطني في بداية إندلاع الثورة المسلحة في إقليم دارفور.
هذه الحلقة نخصصها لتسليط مزيد من الضوء علي تحفظاتنا علي مخرجات إجتماع نداء السودان الأخير في العاصمة الفرنسية باريس كما جاءت في ما يسمي بالإعلان الدستوري. ونختم في هذا الجزء الثالث والأخير بتلخيص أهم أسباب ونقاط الخلاف مع تحالف نداء السودان، ثم نبعث برسائل لقوي الهامش والقوي الوطنية الحية نعتقد أنها غاية في الأهمية قبل الدفع بمقترحات تتعلق بالطريق الي الأمام.
لم تكن دوافع الكتابة في المقالات الثلاثة المزايدة علي أي شخص أو تنظيم كما يزعم البعض، بقدر ما يكمن الهدف الأساسي في التعبير عن آرائي الشخصية الناقدة للإمام وقوي نداء السودان وقد إستندت في انتقاداتي علي حقائق محضة وهي معلومة بالضرورة لأي متابع ومراقب حصيف، ويحدوني الأمل في ذلك الي تنبيه وتبصير قوي الهامش بضرورة اليقظة والتصدي بحسم للمخططات التي تدبر بمكر لتفكيكها وسرقة تضحياتها وإختطاف ثورتها بواسطة نخب المركز المتواطئة اّيدلوجياً مع النظام والتي ظلت تعمل علي إختراق صفوف قوي المقاومة الثورية، وهي من فرط عنادها وسذاجتها ما زالت تؤمن وتعتقد في غفلة أهل الهامش. كما قصدت من كتاباتي أن تظل جذوة الثورة والنضال متقدة حتي إسقاط النظام وتغيير الوضع المأزوم في البلاد، لكن ليس علي سنة كوديسا جنوب إفريقيا كما يحلو لعصبة النداء.
وبالعودة الي مخرجات إجتماع نداء السودان الأخير بباريس، وعطفاَ علي انتقاداتنا وتحفظاتنا في المقالين السابقين، فقد لاحظنا تعمد عدم إفصاح الإعلان الدستوري عن موقف قوي الهبوط الناعم من مطلب حق تقرير المصير كحق إنساني، قانوني وديمقراطي كفله ميثاق الأمم المتحدة كحق للشعوب التي تواجه خطر الإبادة والتطهير العرقي والإضطهاد الثقافي والديني في بلدانها. يمكن تفسير سكوت الإعلان الدستوري عن هذا الحق في سياق الهروب من إستحقاقات التسوية العادلة والوحدة الطوعية التي تؤسس لعقد إجتماعي جديد يفضي بالضرورة الي إعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية كنهاية منطقية. وهنا يتماهى ويتسق موقف قوي النداء تماماَ مع موقف الإمام المعروف برفضه القاطع لمطلب حق تقرير المصير- لكن يبدو أنه قد فات علي الإمام ونداءه أن زمن الحلول السهلة قد ولي دون رجعة، وأن الحقوق المغتصبة في السودان ما عادت تعطي وإنما تنتزع إنتزاعاَ.
لاحظنا سكوت الإعلان الدستوري المحير عن قضية إعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية ومطلوباتها المتمثلة في إلغاء مشروعية العنف والغلبة وتبني مشروعية العقد الاجتماعي، تفكيك المركزية القابضة وتبني نظام حكم لامركزي تتوافق عليه الأغلبية وإعادة النظر في الهوية الآحادية الإقصائية وتبني هوية سودانوية جامعة. ومن أهم المطلوبات إعادة النظر في التنمية الغير متوازنة وفي توزيع الثروة مع مراعاة التمييز الإيجابي لمناطق النزاع والمناطق الأكثر تهميشاً في السودان. ثم تأتي القضية الأكثر أهمية وهي بناء جيش وطني ومهني من حيث التكوين ومن حيث القيادة والأهداف والعقيدة العسكرية. فالقوات المسلحة لم تكن قومية في يوم من الأيام منذ تأسيسها في 17 يناير 1926 بواسطة المستعمر الإنجليزي تحت مسمي قوة دفاع السودان لخدمة أهدافه الإستعمارية، وهي علي علاتها وعيوبها فقد تم تسييسها وأدلجتها بعد الإنقلاب الإخواني المشئوم لدرجة أن قسم الولاء الذي يؤديه الضابط المتخرج من الكلية الحربية قد تم تغيير صيغته بحيث أصبح الولاء لثورة الإنقاذ ولذلك صارت القوات المسلحة أداة مسخرة لقتل وإبادة الشعوب المهمشة في السودان وحماية دولة الإستبداد والفساد والعنصرية المزدوجة – هذا فضلاً عن وجود مليشيات الجنجويد سيئة السمعة والتي صارت جيشاً موازياَ للقوات المسلحة بعد أن تم تقنينها تحت مسمي الدعم السريع، فضلاً عن وجود جهاز الأمن الوطني الذي أصبح ليس فقط دولة داخل دولة، وإنما الحاكم الفعلي للدولة الإخوانية العميقة. فمن الخطأ أن تعتقد قوي النداء أن هذه القضايا الكبيرة والخطيرة يمكن حلها بالحوار مع النظام، فالحوار مع الأطرش مضيعة للوقت ولذلك تبقي الآلية المناسبة لمعالجة هذه القضايا وغيرها من القضايا ذات الصلة هو مؤتمر دستوري يأتي بعد إسقاط النظام وليس قبله.
ومما تقدم من قراءة نقدية لمخرجات إجتماع نداء السودان الأخير بباريس نستطيع القول أن خلافاتنا مع قوي نداء السودان جوهرية ومبدئية لأنها تتمحور حول:
1- الأهداف: فمن الواضح أن تحالف نداء السودان قد صمم للتأثير في صناعة وصيرورة المشهد السياسي من خلال رسم سيناريو الهبوط الناعم الذي يبدأ بإجهاض الكفاح المسلح وذلك للحيلولة دون إسقاط النظام بالقوة، فمعروف أن الصادق المهدي يقف مع إصلاح النظام لا إسقاطه، وهذا ما أكده الإمام في إحدي خطبه عندما قال: (سنتصدى لكل من يحاول إسقاط النظام بالقوة)، ولا شك أن إصلاح النظام يعني الحوار وقبول التعايش مع النظام وتجميل صورته لإنقاذه من السقوط الوشيك. سيتم في الغالب التبرير لذلك بوجود أزمة بديل ووجود ضرورة لمنع البلاد من الإنزلاق الي مستنقع الفوضي، وأن البشير وحده هو القادر علي إنجاز التسوية السلمية في السودان والتي يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين. فعقدة الذنب عند الجلاد كما قلنا تجعله يعتقد أن قوي المقاومة الثورية الحاملة للسلاح تشكل مصدر خطر حقيقي، لأنها قادمة للإنتقام وتصفية الحسابات علي حد قول الإمام الصادق المهدي في ورقته التي قدمها أمام المعهد الملكي للشئون الدولية بلندن والتي جاء فيها: (سنقدم للنظام ودائرة سلطته غصن زيتون يشكل له مخرجاَ من إستهداف كثيرين ينشدون تصفية الحسابات). فواضح أن الإمام مصمم علي العمل مع عصبته لتقديم طوق نجاة للبشير وأركان نظامه، كما يرغب الإمام ونداؤه في إبتلاع ثورة الهامش وتحقيق نمط عدالة لا يفضي الي تغيير حقيقي في بنية الدولة السودانية حتي يضمنوا إستمرار قبضة الأقلية الحاكمة وهيمنتها علي مفاصل الدولة، مع تحسين طفيف لشروط العبودية.
2- الي جانب خطل أهداف النداء وتحفظاتنا علي قيادته، لا توجد أي قواسم مشتركة بيننا وقوي النداء التي نختلف معها إبتداءاَ في تشخيص وتعريف الأزمة والتي تم تصويرها وكأنها أزمة وليدة اللحظة، ومن ثم إختزالها في قشور وأعراض المشكلة بإعتبارها أزمة خبز ووقود وأزمة ميزانية الفقر والتجويع، مع أن الأزمة أعمق بكثير من هذه المظاهر فهي أزمة هوية في الأساس وأزمة كيف يحكم السودان، وكذلك أزمة من يحكم هذا السودان الذي ظل حكمه محتكراَ لأبناء الشمال والوسط النيلي العربي المسلم حصرياَ ل 62 عاماَ. كما نختلف مع قوي نداء السودان في تحديد الوصفة العلاجية، أي في تصورات الحلول المطروحة للخروج من الأزمة. وفوق ذلك نختلف معها في ترتيب الأولويات، ولذلك من الطبيعي أن يكون هنالك خلاف علي الأسس والمرتكزات التي إنبني عليها هذا التحالف الهش.
3- هناك إختلاف كبير مع نداء السودان حول وسائال النضال والتغيير، إذ ترفض قوي نداء السودان الكفاح المسلح الذي نعتبره وسيلة مقدمة خاصةَ في ظل قيام الدولة علي مشروعية العنف والغلبة، وفي ظل إستمرار الإبادة الجماعية وسياسات التطهير العرقي وسياسة الإحتلال والإستيطان والتغيير الديموغرافي إذ يبقي الكفاح المسلح حق مشروع للدفاع عن وجود وكرامة الشعوب المستهدفة وإنتزاع حقوقها. وسيظل سلاح الهامش مرفوعاَ كقوة ردع وضامن وحيد حتي في حال التوصل لأي تسوية سياسية ومساومة تاريخية تتم بموجبها كما قلنا إعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية كنهاية منطقية، أو ممارسة حق تقرير المصير حتي نتحرر من العيش كلاجئين ومضطهدين في بلدنا.
4- نرفض رفضاَ قاطعاَ، وللأسباب الواردة في الجزء الثاني من المقال تجربة كوديسا جنوب إفريقيا كآلية للمصالحة والتعافي الوطني، ولذات الأسباب ونقاط الخلاف أعلاه نعتبر نداء السودان تحالف تم تصميمه لقطع الطريق أمام الحل الجذري للمشكلة السودانية، ولذلك نري أن نداء السودان تحالف غير قابل للحياة وأنه قد ولد ميتاَ.
الطريق الي الأمام:
لا شك أن مخرجات إجتماع نداء السودان الأخير في العاصمة الفرنسية باريس قد شكلت مفترق طرق في تاريخ المعارضة والثورة السودانية بعد أن قادت الي تمايز واضح في المواقف والصفوف بين قوي التغيير وقوي الهبوط الناعم. هذا الوضع يحتم فرز كيمان المعارضة وإعادة النظر في التحالفات القائمة حيث يتعين قيام قوي التغيير الحقيقية التي تحترم نضالات وتضحيات شعبها وتقدر إرادة وتطلعات جماهيرها ومؤسساتها القاعدية بإصطفاف مواز لقوي الهبوط الناعم، وذلك بإعلان ميلاد كتلة تاريخية من قوي المقاومة الثورية الجادة وكل القوي الوطنية الحية المناهضة لهذا الوضع والتي تناضل لإحداث تغيير حقيقي، والقوي المتضررة من الوضع القائم والتي لديها مصلحة حقيقية في التغيير البنيوي الذي يفضي بالضرورة الي إعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية.
يجب أن تتسلح الكتلة التاريخية بمنهج تحليل سليم للأزمة السودانية يتفق مع الواقع ومنطق الأشياء، ويساعدها في تحديد الوصفة العلاجية المناسبة للأزمة. كما يتعين أن تكون هذه الكتلة التاريخية واعية بتحديات المرحلة، وقادرة علي إنجاز المهام التاريخية، وعلي إستعداد لتقديم التضحيات المطلوبة في سبيل تحقيق أهدافها بعيداَ عن الإرتهان لأجندة وإملاءات القوي الإقليمية والدولية الداعمة لسيناريو الهبوط الناعم من منطلق مصالحها الأمنية والإقتصادية بتقاطعاتها.
إن قطع الطريق أمام سيناريوهات إعادة إنتاج الأزمة والتي بلا شك ستدخل البلاد في مرحلة أسوأ هو مهمة يجب أن تتصدي لها قوي التغيير الحقيقية، لذا نناشد كل القوي الوطنية الحية والقوي التقدمية الحادبة علي مستقبل البلاد، والحريصة علي حقن دماء الشعب السوداني، والمناهضة للوضع القائم وخاصة السياسات والتوجهات العنصرية للدولة بالنهوض وإعلاء القيم والمواقف الوطنية حتي يتسنى لها التواثق علي العمل المخلص مع قوي المقاومة الثورية في جبهة سياسية نضالية عريضة لإنتشال البلاد من خطر الإنهيار والتفكك والتلاشي قبل فوات الأوان، وذلك بالعمل الجاد لإسقاط هذا النظام الفاشي وكنس آثاره لفتح الطريق أمام إستشراف فجر جديد يؤسس لبناء دولة الحرية والعدالة والمساواة علي أساس المواطنة والتي نعتبرها الطريق الوحيد للخلاص الوطني والإستقرار النهائي في السودان.
رسالتنا لقوي المقاومة الثورية وكافة القوي الوطنية الحية أن الثورة التي نقودها هي ثورة تحررية حقيقية وليست حرب ضغوطات يمكن أن تنتهي بمساومة تحقق طموحات ومصالح بعض القادة والزعماء والأفراد علي حساب قضايا شعبنا المصيرية، ولذلك من الضرورة مناشدتكم لقراءة وتفسير حركة التاريخ كما ينبغي للوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ وذلك بالإنحياز للشعب وقضاياه المصيرية، فمن الضرورة إدراك أن الشعب هو القوة الحاسمة في التاريخ.
إن بلادنا تعيش حالة غير مسبوقة من الإحتقان وإنسداد الأفق الذي يخيم علي السياسة السودانية التي باتت تسير بوتيرة متسارعة في بحر من الرمال المتحركة. هذا الوضع المأزوم الذي أوصلنا اليه المشروع الاخواني الظلامي الساقط إنما يؤكد صدق وتحقق تنبؤ شهيد الفكر محمود محمد طه حينما قال قبل نحو أربعة عقود: (من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بحكم جماعة الهوس الديني. وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية. إذ أنها بلا شك ستبين لأبناء هذا الشعب مدي زيف شعارات هذه الجماعة. وسوف تسيطر هذه الجماعة علي السودان سياسياَ واقتصادياَ حتي ولو بالوسائل العسكرية. وسوف يذيقون الشعب الأمرين. وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها الي ليل. وسوف تنتهي فيما بينهم. وسوف يقتلعون من أرض السودان إقتلاعاً.)…نعم، هذا هو ما فعله وما زال يفعله الاخوان بالسودان والشعب السوداني. وكما جاء في تنبؤ شهيد الفكر فمن المؤكد والطبيعي أن هذه الفتنة ستنتهي فيما بين الكذبة واللصوص والدجالين والمجرمين ليبقي تحقق الجزء الأخير من التنبؤ والمتعلق بإقتلاع الجماعة من أرض السودان والذي صار مسألة وقت، ونراه قريباً بعد أن فقد النظام البوصلة وبات الاخوان في مرحلة الخلاص الفردي كل ينشد القفز من سفينة الإنقاذ التي سارت لا تبالي بالرياح!
وبينما يترقب الجميع اللحظة التاريخية – لحظة الإنفجار الوشيك التي بدأت تتشكل ملامحها، تظل كل السيناريوهات والإحتمالات واردة والتي من بينها:
* إحتمال حدوث إنقلاب عسكرى، ولكنه إن وقع سيكون بالضرورة إنقلاب قصر يتم بموجبه التخلص من البشير الذي صار عبئاَ ثقيلاً علي الحركة الإسلامية مع تغيير بعض أركان نظامه لزوم التمويه والإبقاء علي جوهر النظام.
* سيناريو تنحي البشير، وهو الآخر رغم التسريبات هنا وهناك لكنه إحتمال ضعيف جداَ لإعتبارات تتعلق بتشبث البشير شخصياَ بالسلطة وقد رهن مصير البلاد بمصيره الشخصي لحماية نفسه من الملاحقة والمساءلة القانونية الا أنه وإن حدث ذلك فلن يعدو كونه تحايل للإبقاء علي النظام مع تبديل رأسه فقط، لذلك لابد من الإنتباه الي حقيقة أن تنحي البشير لا يعني بأي حال سقوط منظومة الاخوان المسلمين.
* أن يتنادي النظام مع الأحزاب الطائفية والعشائرية والجماعات الدينية والتيارات المتواطئة آيدولوجياً مع النظام (أهل القبلة عند الإمام، والنظام الخالف بالنسبة للترابي) الي حوار ومصالحة بينية يتم بموجبها تشكيل حكومة وفاق من قوي المركز ذات المرجعية الآيدولوجية الواحدة (الآيدولوجيا العروبوإسلامية)، ولا نستبعد مباركة بعض أو كل قوي اليسار لذلك (دة لما الكلام يدخل الحوش والشواهد كتيرة طبعاَ) كخطوة إستباقية لقطع الطريق أمام ثورة التغيير والإبقاء علي نظام الأبارتايد الوحيد في القرن الحادي والعشرين للمحافظة علي الإمتيازات التي أخذوها علي حساب الأغلبية باسم الدين، وإن حدث ذلك فحينها تكون الأقلية الحاكمة قد قادت البلاد الي نفق ومنعطف جديد ولكنه لن يعصمهم من طوفان التغيير القادم شاءوا أم أبوا، لأنه من المؤكد أن قوي التغيير وفي مقدمتها قوي المقاومة الثورية ستتصدى وبالحسم المطلوب لأي فهلوة ومحاولة لإعادة إنتاج الأزمة.
* إحتمال إنفجار ثورة الجياع بصورة تلقائية وعارمة تنتهي بإسقاط النظام لكن ربما يعقبها فراغ وإنفلات لعدم وجود برنامج وقيادة متفق عليها.
لابد من تنبيه قوي الهامش وفي مقدمتها قوي المقاومة الثورية للإستيقاظ من سباتها لمواجهة الحقيقة والتعاطي مع الواقع باليقظة المطلوبة والتحسب لكل الإحتمالات… نعم يتعين أن نقف جميعاً منتصبين علي لأقدامنا، فارعي الطول ومرفوعي الرأس مطالبين بالتحرر الكامل من هيمنة وقهر وإستبداد الأقلية الحاكمة. فالتحديات الماثلة تحتم تضامن ووحدة قوي الهامش لتعزيز النضال الثوري من أجل المصير المشترك. ومن المهم تذكير قوي المقاومة الثورية الجادة بأن خسارة معركة أو عدة معارك أمام النظام المتداعي شيء طبيعي ولا تعني نهاية الثورة بأي حال بقدرما تعني نهاية معركة وبداية معركة جديدة، فالحرب لمن يخبرها كر وفر تتطلب النفس الطويل وإعادة التنظيم لمنازلة العدو في الزمان والمكان المناسبين، ومخطئ من يظن أن طريق الثورة مفروش بالورود.
علي قوي المقاومة الثورية إدراك أنه وبقدرما يرتكز أي إستعمار علي نظرية، كذلك لابد أن ترتكز الثورة الجادة علي نظرية قوامها رؤية واقعية ذات أهداف محددة وواضحة، فضلاً عن وضوح وسائل تحقيق الرؤية والأهداف. كما لابد من وجود القيادة الصحيحة المخلصة والقادرة علي تفصيل الرؤية وترجمتها الي إستراتيجيات وخطط وبرامج في المجالات المختلفة. وكذلك من مطلوبات الثورة الناجحة وجود عضوية ملتزمة وواعية، وبناء مؤسسات تنظيمية فاعلة. أستطيع القول وبكل ثقة أن هناك فهم مشترك وقناعة راسخة وإرادة قوية بدأت تتبلور لدي قوي الهامش وقوي المقاومة الثورية بضرورة التوحد وتفويت الفرصة أمام مخطط تقسيم وتفكيك قوي الهامش، وكذلك تفويت الفرصة أمام أي محاولة من سدنة المركز لإختراق صفوف الثورة وإختطافها. وقفل الباب أمام المتاجرة بالقضية أو التسول والتكسب باسم النضال… نعم يجب وقف الإستثمار في مأساة الهامش. كما يجب أن نكون بالمرصاد والتصدي للمخزلين ولكل من يحاول لعب دور عمارة دنقس للقيام بالتسليم الثاني.
وقبل الختام لابد أن نبعث برسالة خاصة للرفاق الثوار في دارفور مفادها أن قضية بحجم قضية دارفور التي أزهقت فيها مئات الالاف من أرواح الأبرياء ونزح فيها الملايين ودمر فيها الأخضر واليابس ستبقي قضية حية وستظهر الي السطح مجدداً وبشكل مختلف، لأنها لا يمكن أن تنتهي بهذا الإستهبال السياسي كما يعتقد النظام وقوي الهبوط الناعم في إمكانية إستسلام الثوار لنظام عنصري فاسد فاقد للأهلية والشرعية.
وختاماً نبعث بتحية الثورة والنضال لمثقفي الهامش وقوي الإستنارة التي لعبت وما زالت تلعب الدور الريادي في معركة تحرير العقول. ونشيد بالأقلام الثائرة التي إنتظمت في دعم ومناصرة الثورة من خلال حملات التوعية والتعبئة والتثوير بتسخير كافة الوسائل المشروعة، والإستفادة من التطور التكنلوجي والوسائط الإعلامية الحديثة بعيداً عن الأنا والعمل الصفوي والنخبوي المعزول. لقد ظلت أقلامكم شمعة مضيئة في طريق النضال لا يقل دورها عن دور البندقية التي يمتشقها رفاقكم الثوار في جبهات القتال، وبفضل ما قمتم وتقومون به سيكون النصر حليف ثورتكم، ولن يكون السودان كما كان من ذي قبل