طفحت الأسافير ببعض التغريدات التي حاولت يائسة, تسويق (قوش) المدير السابق لجهاز أمن ومخابرات النظام البائد لكي يلعب دوراً في هذه المرحلة الانتقالية, ومن المعلوم أن قوش من أكثر الشخصيات التي ارتبط اسمها ببيوت الأشباح و زنزانات تعذيب الشرفاء والمناضلين من أبناء الوطن, فالرجل لعب أدواراً قذرة لا تخفى على أحد وارتكب الفظائع التي حفلت واحتفلت بها مجالس حكومة المؤتمر الوطني النافقة, فقد كان المسؤول الأول والأخير عن تنفيذ أوامر رئيسه الدكتاتور المعزول, وهو مهندس الابادة الجماعية في دارفور والشمالية (كجبار) والشرق (بورتسودان) وجنوب كردفان والأنقسنا, وآخر مخازيه تمثلت في عودته لحضن رفقاء السوء واعتلاء ذات الكرسي الذي تآمر عليه رفقاء الأمس حوله, فتربع على ذات المقعد وللمرة الأخيرة مديراً لجهاز التجسس والتخابر, ضارباً بعرض الحائط الحال المزري الذي وصلت إليه البلاد, من تدهور اقتصادي انعكس في ضرورة وحتمية إسقاط الدكتاتور دون أدنى اعتبار لتخديرات بلة الغائب وتكهنات دجالي قصر السلطان.
عندما غضب الشعب المارد في أبريل الماضي أملى شروطه على الجميع, في البدء لم يرض شعبنا العزيز تولي ساعد الدكتاتور الأيمن ونائبه الأول و وزير دفاعه قيادة المجلس الانتقالي, فذهب غير مأسوف عليه وجاء البرهان بمباركة الشعب العظيم تكليفاً وليس تشريفاً, وسوف يذهب بعزيمة ذات الشعب النبيل وبقراره إذا قال لا أو حاد عن الطريق الذي رسمته دماء الشهداء ودموع الأرامل واليتامى, الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل رفعة شأن الوطن ومن أجل بناء حياة سعيدة قادمة, عبد العظيم و كشة و محجوب وبقية العقد النضير من اليافعين الذين صدموا آبائهم و أمهاتهم وقالوا لا ثم ماتوا , قالو تلك اللاءات المخيفة التي عجز كبارهم عن النطق بها.
مرحلة الانتقال استثنت القليل من الذين كانوا ضمن طاقم كابينة قيادة الطاغية, ليس حباً فيهم وإنما تجاوباً مع متطلبات المرحلة واتباعاً لسنة الأولين والآخرين (ولا تذر وازرة وزر أخرى), فوجود الشق العسكري في فترة الانتقال لا يعني استدامة وغلبة هذا الوجدود, بقدر ما يعني إتاحة السانحة لمن تلطخت أياديهم في حين غفلة من الزمان بدماء أبناء الشعب المقهور, فهذه الفترة كفيلة بأن يتوب كل من ضعفت نفسه أمام إغراءات وسطوة الدكتاتور يوماً ما أو ارتكب جنحة بامتثاله لأمر الحاكم الظالم, ليكفر عن ذنوبه ويرجع و يقدم نفسه راعياً وحامياً لمكتسبات الثوار الذين ماتوا من اجل حفظ حقوق الأحياء.
على الشق العسكري في حكومة الانتقال استيعاب رغبة عموم مكونات الشعوب السودانية, التي توصلت إلى قناعة راسخة لا تتزحزح كالجبال الرواسي, وهي أنه لا مناص من ريادة المدنيين وقيادتهم وإدارتهم لدفة دولاب الحكم في البلاد, و بالضرورة أن لا يكون هؤلاء المدنيون من أمثال قوش و الصافي نور الدين (مدير جهاز الأمن الشعبي), فالاتجاه السائد لعموم الجماهير السودانية هو عدم الارتهان للعسكر في شأن الحكم و إدارة الدولة وهذه القناعة لم تأت من فراغ, و إنما صقلتها تجربة تراكمية طويلة الأمد عايشتها النخب المدنية الطامحة لانزال قيم ومباديء الديمقراطية والسلام, وارساء دعائم دولة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية.
(طبل العز ضرب) ملحمة حماسية صدح بها سيف الجامعة إبان ذروة سطوة العصابة المتأسلمة المتاجرة بكلمات الله التامات ومفردات الأغنيات الوطنية , علينا أن لا ندع لمثل هذه المعاني الوطنية أن ترتبط بتاريخ العصبة التي بطشت بالناس في ذلك الزمان المظلم, يجب أن نعتبرها امتداداً لتراثنا الوطني العتيق الذي يأبى الظلم والاستحقار والاستعمار, التراث المتمثل في كسر قلم المستعمر ماكمايكل, و مقولة (شجرتي برضو كبرت) للناظر ورجل الادارة الأهلية الشهير الذي وجهها للخواجة عندما عاد ذلك الخواجة المستعمر مجدداً وللمرةً الثانية, وتبجح أمام الناظر متفاخراً بأنه قد (كبُر) وترقى وتم ترفيعه لوظيفة مفتش عام, أي بمعنى أنه أصبح حاكماً عاماً على الاقليم وأن سلطاته اتسعت وما على الناظر الا الأذعان لما يقول, فقصة شجرة الناظر اصبحت من حكايات التراث الشعبي الرائجة في تلك الجغرافيا التي حدثت فيها الحادثة.
إسماعيل عبد الله