محمد أبكر موسى
منهجيّة :
تهدف هذه القراءة النقدية، حسب اعتقدي، إلى مُحاولة مراجعة ومناقشة “ميثاق سلطة الشعب” كما هو مسمى، الذي أعدته لجان مقاومة ولاية الخرطوم، وقدمته إلى الملأ كمقترح للتداول والنقاش حوله. ويقوم القراءة على مُقاربة تفكيكيّة توضيحية للنص في ذاته، أي محاولة مناقشة التناقض والجدل الداخلي له دون أي اعتبارات أخرى من قريب أو بعيد. وبالتالي فإنها مُحاولة لإجراء تحليل وحوار مفتوح للمقترح لما يتضمنه من قابلية للنقد والتعديل والإضافة والحذف كما يقول. ويجدر الذكر أن السعي بهذه الطريقة، اجتهاد قوى الثورة الحيّة لتأسيس مواثيق لبناء مجتمع ودولة منشودة، لمحاولة إعادة بناء دولة بأفكار ومقاربات شبابية، أنها لمحاولة وعمل يستحق الثناء والفخر والإشادة والتوثيق التاريخ لما لها من مدلولات مستقبلية ومؤشرات تغيير مطلوب بصورة مغايرة. فالتحية لكل قوى ثورة ديسمبر المجيدة.
القراءة والمراجعة:
1. أعتقد أن الاسم فيه – بطريقة ما- نوعاً من التضخيم مقارنةً بما يحتويه من وما يظهره من شكل. فإذ لا ينبغي تسمية الأشياء هكذا كيفما أتفق خصوصاً ونحن في مرحلة تتطلب السعي نحو تفكيك وإلغاء المحمولات النمطية في الشرط الفكري والثقافي. فكان يمكن أن يسمى إعلان مبدئي، تصوّر أولي لمشروع ميثاق شعبي، يتم فيه إجراء معياري يشرك فيه قدر كبير من أفراد وجماعات المجتمع مما يسهم في بلورة تصوّر شبه متوافق ما يؤدي إلى اختيار المسميات ما يخلق فرصة الاستيعاب النسبي لمعظم الأفكار والآراء. أي لابد أن يحدث عملية التسمية بهذا الشكل بعد عمل إجراءات ووضع مؤشرات واضحة تأسس لعملية التوافق الشعبي. وبالتالي في رأيي أن الاسم غير موفق في اختياره خاصةً، وأنه لا يتعدى بضعة عشر ورقة لا فيها تفاصيل كافية، لا شرح دقيق، لا تحليل وتوضيح حقيقي ودقيق للقضايا وإشكالات البلاد.
2. في اعتقادي أن “الميثاق” يحتاج إلى ديباجة ناضجة وأقوى وشامل تحتوي على مؤشرات وادبيات تاريخيّة بصورة تحليليّة دقيقة وواضحة تكون توطئة منهجيّة مناسبة تتأسس عليه البنود والمواد اللاحقة. فلا أعتقد أن محاولة عمل “وثيقة” رسمية شعبية، تحاول أن تجيب عن أسئلة جادة ومنطقية لمشكلات، وقضايا مصيرية لبناء دولة حديثة مأمولة بشكل مغاير تماماً عما بعد إلغاء نظام قمعي استبدادي، يمكن أن تبدأ بمقدمة أو ما شابه بهذه الطريقة. وهنا لابد من الاستعانة بما يزخر به البلد أو غيره من عقول كتبت وما تزال ادبيات لمواثيق واتفاقيات ومخطوطات متوافرة.
3. النقطة الأولى في أولاً: (إسقاط الانقلاب)؛ كيف يتم إسقاط هذا النظام الانقلابي؟ ومتى؟ وما الآليات والاستراتيجيات ومستوى النشاط المطلوب؟ لابد من وبالضرورة من الإجابة عن هذه الأسئلة بوضوح ومنهجية تستند على نظرية تغيير ناضجة وخطة محكمة، وليس فقط هكذا وضع تصوّر تقريري لقضية جادة ويُراد بها الإلغاء والإنتفاء.
4. النقطة الثانية في المحور ذاته؛ من بمقدوره إلغاء الوثيقة الدستورية لما لها من رسمية محلية وإقليمية ودولية، وكيف؟، ثم اذا سلمنا جدلاً بإلغائه ما البديل الذي يُحكم به وعليه الفترة الانتقالية التي ينبغي أن تكون بعد إسقاط النظام الانقلابي هذا؟. أعتقد أنها نقطة غير موفقة فيها وغير منطقية، وبالتالي لابد من قراءة السياقات بشكل دقيق، والإحتكام والاستعانة بما ترفد به السياقات من اتفاقيات ومواثيق اطارية ورسمية يتم الأخذ بها كنماذج أو لتطويرها والاستناد عليها. فالتاريخ يحفل بهذه.
5. النقطة الثالثة فيه؛ مرتبطة ضمنياً وشكلياً بالنقطة الأولى؛ فلطالما هناك رفض نسبي( كلمة أي والتي يشير إلى النوع لا الكم بشكل ما) للتفاوض مع الإنقلابيين، إذاً كيف ذلك، ووكيف يتم؟ وما المؤشرات التي تحقق النقطة الأولى دون الرضوخ ضمنياً للنقطة الثالثة؟، ثم ما المفهوم المقصود هنا بالتفاوض، وأشكاله، والمسوغات المنطقية لهذا التفاوض المطلوب هنا؟، لابد من تضمين مبررات دامغة لهذا الأمر حتى نتجاوز الصيغ النمطية التصوّرية للأشياء دون التساؤل وأخذها بديهيات فاهمة لا تحتاج إلى شرح أو تبرير، وبالتالي حتى لا نكتفي بالصياغة التقريرية هكذا، وإلا ليكون في الأمر تضمين فوقي، نخبويّ، لا للقواعد والشعب فيه يد أو سؤال. لابد من تفاصيل شارحة دقيقة؛ فنحن نسعي لمعالجة وملامسة قضايا مصيرية جادة لا لطرح أفكار أدبية فنية حمّال أوجه كما أتفق.
6. محور ثانياً: (السلطة الانتقالية وهياكل الحُكم)؛ كيف يُوضع هذا الدستور، وما الإجراءات ومؤشرات وخطط الإعداد له؟ ثم لماذا لم يُشار على الأدبيات السابقة للدساتير الانتقالية؟، ولماذا لم يتم الإشارة على أنها مراجع أو على الأقل دحضها؟. ثم هذه النقطة سابقة لوقتها لأنني أعتقد أن الفترة الانتقالية يتم فيها تأسيس ووضع لبنات أولية للأشياء تأتي لتقوم عليها لاحقاً، ويمكن أن توُضع اثناءها لكل الخيارات والمتغيرات محتملة، بالإضافة لأن محاولة وضع دستور، وتحتاج إلى استحقاقات وأعمدة ارتكاز، ودون معالجة ووضع مؤشرات لملامسة والتحاور والتوافق النسبي كاشتراطات الحرب والسلم، تُعد قفزة هائلة لا مبررات لها. ثم كيف وما إجراءات وقوانين وعتبات تسمية رئيس الوزراء؟، وكذا الحال مع تشكيل المجلس التشريعي، وهل مهام الأخير التعيين والمراقبة والمتابعة وتقييم أداء فقط، من المشرّع إذاً؟، وكيف يتم تسمية رئيس الوزراء قبل تشكيل المجلس؟، ذات عقلية الحرية والتغيير، وسابقاتها. والمجالس المحلية كيف وكيف، وهل المجتمع المحلي لا يد ولا ناقة فيها؟ والمفوضيات، مجرد تسمية للأشياء هنا؟، وما علاقتها مع الموجودة، ومؤسسات الدولة الأخرى؟. أسئلة تفتقد أجوبة عاجلة، وبشكل دقيق، وواضح وخطط ومسوغات وأدبيات ناجزة ومنهجية ناضجة. وإلا فالصورة الانطباعية لمحاور المراجعة أعلاه ملغزة، وغامضة، وذات رؤية فوقية وصفوية خاصةً إذا رُبطت بالمؤشرات الواضحة في النص بشأن الصراع التاريخي والثقافي للمناطقية والذاكرة التاريخية، ومدى صراع الهُوية، ومحمولات إنتاج الفكر والسلطة والتاريخ.
2 مارس، 2022.