أحمد يعقوب
في الافق عصافير معادية، في الافق طيور سود في الافق دم ورعود(درويش)
أحار من اي سبيل ابدا لقراءة النص المموس بجنون اللغة ،النص المخاتل الذي يريد قول كل شئ ولا شئ، أأ بدأ قراءتي لرماد الالهة من ميكانزيمات سيرورتها اللغوية بنصوصها الثرية ،ام اهتياجها الذي يغلفها بالرماد،هل بالامكان ابتكارطريقة مغايرة لقراءة نص مصاب بالغيرة ويشرّح شخصياته سيكولوجيا ؟ ام تكفينا القراءة الانطولوجية لميكانزيمات السرد والاستيهامات الماورائية ،ففي الاخر لا قراءة تتطابق مع النص المراد قراءته بل ومراد كل قراءة ان تختلف عن النص لا لتكون شارحة له او ناقدة له بل خالقة لنص مقروء نص جديد يعانق جدليات الاحلال والابدال،فكلنا نقرأ من مواقعنا وجموح اسقاطاتنا النفسية وكذا حضور ذواتنا. واتساءل هل اكتب عن رماد الالهة لاكتشف قراءة جديدة لنصوص نيتشه وغوستاف لوبون وكانط وديالكتيك هيغل ،ام ان وجه بورخيس ومارسيل بروست وشيموس هيني سوف يحدقون في عمق لا وعي النص ام انني اتوهم رؤية ذاتي تخاطب الاله زيوس وتعايش ملحمة ( الاينوما ايليش)؛هل اشرح بنية السرد ،ام الشخوص الماورائية الموغلة في تأطير الاسطورة ،ام التصوف والفناء في ذات الله ، وربما الالتجاء للسحر والتعاويذ والتمائم لافك شفرة النص الذي يقبع في عدة ثنائيات ،الايمان والكفر ( الكفر الحلو) الفضيلة والرزيلة ،التقدم. الرجعية ،الطهر والعهر ، واخيرا تشتيت انتباهنا نحن حيث تقبع ذاتنا وذات الكاتب في قلب فجيعتنا وفرحنا وحزننا وزندقتنا وايماننا وتوهمنا بان الرماد لم يكن رماد ذواتنا انما الرماد هو رماد كوننا .
في ذات امسية كانت سيرة الحشائش النائمة توقظ فيّ جهرا افتعال قراءة مغايرة تماما لما درج عليه النقاد ففي الاخير انا قارئ بالحرف اعتاش انه فضيلتي الوحيدة في عالم يحدق دائما برزيلته،اقرأ النصوص كما اريد متمتعا بسلطتي كقارئ في أن النص الخارج من رحم الحبر والقرطاس اليابس الى فضاء النشر هو نصي ، مع اعترافي بان للنص سلطته وكينونته ولكنه لا يصادرني طالما هو موجه لي بل انه يتفاعل بي.
فنمنولوجيا السرد وشخوص الرواية:-
اذا كانت الفنمنولوجيا تعرف على انها علم دراسة الظواهر ،فهل يمكننا تطبيق المنهج الفنمونولوجي على السرد؟ سؤال سوف نجاوب عليه لاحقا ،ان تعلم الطيران في الفضاء الادبي سهل ولكن البقاء في الفضاء رغم الرياح والاعاصير مع ثبات الجناحين لهو معجزة تقتضي اقامة طقس في مذبح الحبر المقدس، لمنجد باخوس فضاءه السردي وهو فضاء واقعي وسحري لكنه ايضا غرائبي واسطوري على نحو اشبه بذاكرة ملتاثة بالخيال، له القدرة على نسج الخيوط السردية ومتابعتها بدقة ، ولنا ان نتساءل هل بسرده هذا يريد ان يمنع سرديات مغايرة من الظهور،في السياق السردي الجديد الذي اتى به باخوس هو تشكيل عالم متماسك لكنه ايضا متداعي ومتخيل تحاك ضمنه صور الذات عن ماضيها وتندغم فيه اهواء وتحيزات وافتراضات تكتسب طبيعة البديهيات والتكوينات العقائدية التي يصوغها الحاضر بتعقيداته كما يصوغها الماضي بمتجلياته وخفاياه، السرد هنا يعج فضاءه الملتبس بالاساطير المفتعلة والتواشيح الصوفية المخبأة والحالمة والرعب والموت،السرد في مقارباته التنظيرية يستدعي المخيلة ويحبكه باستدعاء الزمكان انه يمارس الكشف وابراز الحقائق.
إن البلاغة الكبيرة في مجريات و مقاربات رواية ( رماد الالهة) تكمن قيمتها في مضاعفاتها لمادة تولد زمن أنشغال أفرادها في أماكن الأنفصال و النقص ، و الغياب و الصمت أحيانا عن ذلك الواقع المادي ، المتمثل في خطاب الحرب و قيود حالات العسكرتارية و مساءلة الواقع الشخصي في مواقع ترابطات الأزمات المادية و المعنوية في حياة الفرد المثقف و النازف في سجلات الرواية ، واتساءل عن هذه الشخوص من اين نبع سقيت وفي اي حقل نبتت، اقسم اني رأيتهم جميعا يؤدون طقسا ما ببراءة، هل كانو ابرياء …لا هل كانو فاسقين. …لا ، كانو كل شئ ولا شئ، زمن الحكي ويد السارد هي من رسمت اقدارهم انهم ليسو بخرافة لكنهم اشبه باساطير زمنهم المحكي انهم يحملون بذرة التمرد على السلطة ،المجتمع، الدين، اللغة،القبيلة لقد كانو سيناريو القرطاس اليابس، هذه ا الشخوص(فريد،ايثيا، تاج السر،، نجوى،ابوبكر الجندي، الكاهن معمر الغالي، سوزان،صدام لوركا) التي تحمل جينات الانوثة والذكورة شخوص اقرب للوحة المنوناليزا.
إن الخطاب الأسنادي و التعليقي في مسار الرواية ، حل علينا ضمن تدخلات صوت السارد الشخصية ، إذ تقدم السارد بهما في محاور تماثلات الشخوص و في مواضع حواراتهم و تنقلاتهم ، في مساحات فضاء السرد . و تبعا لهذا نجد إن هذا السارد هو من غدا يفضي بموجهات الخطاب : كأن يورد جزءا منه بخطاب غير مباشر ، فيما يباشر في نطاق تبادلية الشخوص و الأدوار و سياق الحبكة و مواضع القول التعليقي من خلال خطاب يبدو أكثر مباشرة في توزيعاته للمشاهد السردية المحكية .
لدينا حضور قوي للانثى في طيات النص المختال الذي يحجب اكثر مما يكشف، وكأن السارد يسرد سيرة الانثى المكبلة بكل القيود والممارسات البطرياركية، كانت البنية السردية والمبدأ السردي للرواية يحمل صبواته واحلامه وهواجسه وحاجاته البيولوجية، ان اللحن السردي ايروتيكي حد الانتصاب ولنا ان نقتبس لنعرف اي وجهة ييمم الكاتب وجهه شطرهاحيث قال (أن هناك،في العالم ؛ نوعان من الكتاب: كتاب آيروسيين. و نمط آخر ملعون أسميه: كتاب ثاناتوسيين.
تفكيك التظليل أعلاه: كاتب آيروسي هو الملبوس بروح البساتين، يحبُ الحياة، يرى الكون عبر ثقب وردي، يكتب عن العصافير و ألوانها، الورود في محفل إنفتاحها على الدنيا بمصراعيها، كاتب رومانسي- أفلاطوني- تقليدي يعشق الفراديس و يوثق لعبيرها و نكهات برتقالها، ببساطة؛ هو الكاتب الذي يكتب بمباركة الإله اليوناني المنخرط بإصرار في الملذات و تداعياتها، يحمل نشاب حاد ليصطاد ثمار الحياة.
أما النوع الثاني -كما أعتقد و الإعتقاد جريمة؛بالمناسبة، في بلادنا المقدسة-هو الكاتب المصروع بالأسئلة الحارة ، الذي يحمل-بطريقة هجاسية/ قهرية/ باثولوجية- على عاتق هيكله العظمي مشقة مواجهة –بروح عارية-أكثر القضايا دموية و أكثر السيناريوهات مرارة في العالم، الكاتب الذي يرصد عبور الموت،الهلاك،القتل،سفك الدم،المذابح،التشريد،العسف،الهدر،الحرب،النزيف، والمعراج البدوي للأرواح المعذبة نحو سلالات الشتات الداخلي بجيناتها المختلفة..و المدافن السرية لشرخ النفس البشرية ..و الإحتجاج الوحشي أمام ملاحم الأوكسجين الملوثة. ) وفي اعتقادي ان منجد باخوس هو كليهما وكما قلت ان النص السردي كان ايروتيكي وربما ان الجنس هو السيطرة على فقدان السيطرة حيث تذخر الرواية بالتلاحم الجسدي (صلاة الجسد) وفي الان نفسه يقوم طقس الجنس على زمن الحكي وصناعة الحدث واندغام الاهواء في البنية الهيكلية السردية.