[quote]سيرة الحشائش النائمة عندما توقظ فينا الذهول [/quote]
احمد يعقوب
فضاءات عامة وتعرية المستور
سيرة مقربة لوطن واخرين
ايام التباطؤ ،ايام المطر
ايام المرايا المتكسرة والابر الضائعة
ايام الحواس المغلقة على افق البحار
الساعات المتشابهة كلها ، ايام الاسر
روحي التي كانت ما تزال تتألف على الاوراق والازهار روحي عارية كالحب
الفجر الذي تنساه يجعلها تطأطئ رأسها
وتتمعن في جسدها الخانع والمغرور
بول ايلوار
حسبما اعتقد ان الابيات الشعرية اعلاه تلخص سيرة الوطن في رواية رماد الالهة،اذا كنت اقرأ السيرة الذاتية للحشائش النائمة قراءة نقدية فانني ايضا اتغافل عما قاله الكاتب لأقرأ ما لايريد قوله وهي قراءة تنفذ الى ما وراء النص ،فالنص دائما ما يمارس الاعيبه انه يحجب اكثر مما يكشف ،انه يحجب الرهان على الخلاص من الوضع المأزوم، وفي الان نفسه يتلمس طريق الثورة في مستوى السرد البنيوي، فالنص الروائي لمنجد باخوس يكشف زيف السلطة وشعاراتها،الوطن المغدور غيلة،تفشي الفساد بكل انواعه ،اسلمة مؤسسات الدولة،الفصل التعسفي،الاعتقالات،ممارسة القهر وخصي العقول،تنميط السلوك على شاكلة العقل الجمعي للقطيع،شل الحركة الثورية، التجييش القسري لقتل الاخر المتخيل ذهنيا في عقل السلطة،الترميز التضليلي،بناء رؤؤس اموال رمزية وهمية،ادلجة الاعلام ، صياغة وعي الجماهير وتنميطها بما يجعل الاهواء متوافقة مع اهواء السلطة ،باختصار تشير الرواية ان هواء الوطن الذي نتنفسه فاسد، الرواية هي الرماد المتبقي من حريق الوطن هي سيرة الوطن المحروق وبقايا جسده المصلوب على خشبة الانهيار.
مشاريع مقترحة لبشر
أن جميع مواضع الأضداد في كيان مشاهد فصول الرواية ، كانت تتوزعها أمكانيات خارقة مؤلفة من خليط فقدان الأمن الذاتي و شمولية التوزع في فضاءات الوهم السقيم . أقول بأن شخوص الرواية كانت بالضد من واقع بلادهم السياسي و موقفهم الخاص من الحروب تحديدا . بيد ان هذه الشخوص بقيت تزحف بمقولة الحالم / الواهم نحو تصوير أزمة الأنسان في بلاده وهو يوغل في باطن قوة الغرائبية و اللامألوف . كانت شخصية فريد ، شخصية تتمطى و تسيل غرائبية ما و من الطراز الذي يصل بالعقل و الفرد إلى حد التيه و الضياع إزاء عاداته و قصائد درويش التي يتلوها لحبيبته ايثار و مقولاته التي تومىء إلى كونه شخصية من أقصى درجات جحيم البوهيمية و الانفصالية عن أرض الواقع المتخيّل،إن مجاليات الترتيب الزمني للشخوص في أحداث رواية (رماد الالهة) يقوم على بنيات استرجاعية / ارتدادية ، فيما نجد ثمة مشاهد سردية تلتزم من الروائي تقديمها قبل زمن حلولها في مبئرات المتن الوظيفي في السياق السردي ، بمعنى ما ، هناك وقائع في مسار الحكي قد أعلن عنها الروائي ، و منذ بدايات الرواية ، فيما قام بسردها في أماكن متقدمة من النص ، و في حدود شكلها المكمل لمسلمات المروي في فقرات النص : و لتوخي الدقة لابد من القول إن المبنى الروائي في الرواية ، قد جاءنا مسبقا على مستوى من فقرات و شواهد التقطيع الزمني ، و هذا الأمر بدوره لربما حل حلولا لا يطيل من الوقوف الاختزالي ، لتلك الخطاطة الزمنية التقطيعية التي انتظمت وفقها الأحداث أولا في صنيع الرواية ولربما تنبه القارىء إلى استراتيجية المؤلف في استرجاع الأحداث و في زمن تقديمها كأخبار و سير مرتبطة بمصائر شخوص روايته و منذ اللحظة الأولى من مستهل موضوعة الرواية ، فيما يمضي صعودا في سردها كحالة تجسيدية خاصة ، ضمن تمفصلات فصل خاص بها . إن الروائي منجد في الواقع كان موفقا في رسمه لشخصياته على البعدين الخارجي و الداخلي ، أما الخارجي فتلك الملامح الشخصية الظاهرة للعيان ، و التي تشكل بذاتها الاطار الخارجي لها . و أما الداخلي فهو ما لا نراه ظاهريا ، و أنما هو ما يتعمق و دواخل الشخصية من ملامح تنصب لذاتها على الابعاد النفسية التي لا يدرك كنهها إلا بالغوص في أعماق الشخصية و سبر أغوارها . و السارد هنا و من خلفه المؤلف الضمني ، راح يغوص في متابعة أعماق منظور شخصية فريد و شخصية ايثار و شخوص أخرى من الرواية . محاولا توضيح مواقع الأحوال الشخوصية صعودا و نزولا ــ لأجل تقديم العلاقات المحورية في النص على أوجه من الأهمية القصوى . لذا فأننا نكتشف أن عوالم الشخوص في الرواية ، كانت على أعلى درجة من درجات مأزومية الشخصية الداخلية و الخارجية بدءا من فريد مرورا بالشخوص الاخرى.
باخوس يصلي في تمام الامنية واتم البصيرة
الكتابة عمل انقلابي هكذا يصورها نزار قباني ولابد ان تخرج عن المألوف امام نص الرجال يبكون كالاطفال والالهة تولد ،نص بامكانه قياس فرحنا وحزننا .مثار الدهشة هو ان منجد باخوس كان قادرا على التلاعب بمشاعرنا ومذكرا ايانا اننا الرماد ،فكم كان فرحي قدسيا عندما رأيت فريد يسبغ حبه الافلاطوني والايروتيكي على ايثار وبنفس المقدار كان الحزن اكبر للمتاريس التي وضعت امام زواجهم الذي كلل بالفقد والخسارة امام الاب القاسي رمز الاله في مجتمعنا والناطق الرسمي باسمه في كل الاحوال .الخوف الذي انتابني للقمع والدماء والاعتقالات .مراد الكتابة ان تكشف الزيف والنفاق والتهريج، ان تثير فينا اسئلة وجودية عميقة ،لا ان تبهرنا فقط بدلالاتها ومدلولها الرمزي انما بقلقها وشرهها وعمق طرحها وتراكم اسئلتها الحائرة ، الكتابة التي تحبس انفاسنا ، تذهلنا بمخاطبتها لكينونة الانسان في رحلة البحث عن الممنوع والممتنع، تسرد احلامنا،فقرنا ،بؤس مصيرنا ووحشتنا في هذا الجحيم ،انها الكتابة التي تمارس عملها بوعي كامل.
في ذات الدهشة وتمزق قراطيس احبارنا كان منجد يصلي النافلة التي لم تحدد بعد تحت نافذة الضوء والسراج المطفئ وفي اتم بصيرته يدرك ان الرماد عمل متخيل بلوثاته القدسية وان كنت مقسما ان ماجاء في الرماد هو عين الازمنة المتوحشة التي نعيشها، وفي الان نفسه يعرف ان هذه الشخوص ما هي الا نحن وهو وانا وانت ونعيش وفقا لزمن الخرافة.