بسم الله الرحمن الرحيم
Almotwakel_m@yahoo.com
إستضاف أحمد الغيطي المذيع في القناة المصرية LTCC في برنامجه صح النوم أحد أصحاب الشركات التي تُصدِّر الفاكهة المصرية إلى السودان وذلك في أعقاب التداعيات التي صاحبت منع السودان دخول الفاكهة المصرية للسودان بسبب عدم مطابقتها للمواصفات، لقد تحدث ضيف البرنامج عبر الهاتف عن المحنة والأزمة التي تُجابه المصريين مصدري الفاكهة إلى السودان وأورد أرقام ومعلومات صادمة عن نشاط تصدير الفاكهة المصرية للسودان ( فيديو المداخلة مرفق مع المقال).
أولاً: أن قيمة عائدات فاكهتي البرتقال والفراولة المُصدّرة إلى السودان تبلغ ملياري دولار في السنة.
ثانياً: السودان ثاني أكبر دولة تستورد الفراولة المصرية.
ثالثاً: أن الفاكهة المصرية الملوثة تدخل السودان رغم حظر السلطات دخولها في الوقت الذي تحتجز فيها تلك التي تطابق المواصفات.
ليتبادر إلى الذهن سؤالٌ يفقأ المرارة و( يحرق الحشا)، إذا كانت الفاكهتين المصريتين( البرتقال والفراولة) تُكلف خزانة بنك السودان 2 مليار دولار فكم يصبح الرقم إذا أضفنا إليه قيمة باقي الفاكهة التي لا ترد من مصر مثل الأناناس والنبق الفارسي وباقي المنتجات الزراعية الأخرى مثل الطماطم والثوم الصيني والأسماك المصرية؟ وللتبسيط لن نتحدث عن السلع الإستفزازية الأخرى مثل الشيكولاتة والبسكويتات والحلويات واللعب البلاستيكية الصينية التي لا تبق في أيدي الأطفال سوى عدة ساعات ثم ترمي في أكياس الزبالة؟ إخترت هذه السلع لأن السودان يملك كل المقومات الإنتاجية والصناعية التي تساعده في إنتاجها داخل البلاد ولا تُكلف البلاد سوى جزءٍ بسيطٍ من هذين الملياريّ دولار لإستيراد السلع الإستثمارية التي تساعد على إنتاجها داخل السودان، فيتم توفير العملات الصعبة لإستيراد السلع والخدمات التي لا تتوفر إمكانية إنتاجها في الداخل.
بالنسبة لموضوع الملياري دولار، نقدم شرحاً مبسطاً للقارئ الذي قد لا يكون ملماً بعمل ميكانيزم الدولار في أي بلد من البلاد وهو يسمع كثيراً أن أسعار السلع قد إرتفعت لأن الدولار قد ارتفع، ففي مرحلة من المراحل يصبح الدولار سلعةً متداولة في أسواق الدولة بسبب الحاجة إلى إستيراد الإحتياجات من السلع والخدمات التي لا تملك فيها ميزة تفضيلية تُمكنها من إنتاجها محلياً والتي تحتاج إليها الدولة لمقابلة متطلبات الحياة فيها ودفع قيمتها للجهات التي تُصنعها أو تنتجها بالخارج بالدولار، هذا الوضع يخلق طلباً على الدولار وينتج سوقاً للعملات الصعبة وفق معادلة العرض والطلب، ولذا كلما زاد عرض الدولار قل الطلب عليه، وكلما قل الطلب عليه هبط سعره أمام العملة الوطنية، هذا، وضمن عوامل أخرى فإن سعر العملة المحلية في مقابل الدولار يتأثر بقلة أو زيادة الطلب على الدولار، فالدول الفقيرة والتي أهملت القطاعات الإنتاجية لديها وأصبحت تستورد حتى السلع التي تملك فيها ميزات نسبية تتعلق بعوامل إنتاجها ( مثل السودان الذي يملك الأنهار والمياه والأراضي الشاسعة الخصبة ويستورد الفاكهة والخضر) بل وتتفوق فيها على دول المنشأ، مثل هذه الدول هي التي تنخفض عملاتها الوطنية لتصل إلى الحضيض لأنها لا تكتفي ذاتياً من سلع ثم تُصدرها وهي تملك كل عوامل إنتاجها فتضطر إلى إنفاق كل العملات الصعبة التي تتيجها لها مواردها الفقيرة في سبيل توفير سلع هي أحق من الآخرين بإنتاجها وتسويقها إليهم ومن ثم الحصول على عملات حرة منهم، ولكن للأسف يحدث العكس في السودان بسبب سوء إدارة البلاد وعجز النظام القائم حالياً وفشله في إستغلال موارد السودان بالطريقة المثلى.
في الموازنة العامة للسودان لعام 2016م بلغت الإيرادات نحو 11.144 مليار دولار، غني عن القول أن الإيرادات هي البند الذي يقع عليه عبء إحداث التوازن في الموازنة العامة وهو ما يعني سلامة الوضع الإقتصادي، فإذا كان نحو ما يُساوي سُدس قيمة الإيرادات الواردة في الموازنة من العملات الصعبة في البلاد يذهب إلى إستيراد الفراولة والبرتقال فكيف للإقتصادي القومي أن يتعافى وينهض وكيف لا يُعاني المواطن من غلاء الأسعار ومن بؤس الخدمات وشحها؟ وماذا أبقينا من عملات صعبة لإستيراد سلع نادرة ولانملك قدرة على إنتاجها داخلياً مثل المعدات الرأسمالية والأجهزة الطبية والتكنلوجية والأدوية المتطورة إضافةً إلى سلع الخدمات عالية التقنية؟.
المشكلة تكمن في النظام والرأسمالية الطفيلية التي ترعرت معه في محضنه الفاسد، فهم لا يهتمون بتعزيز قدرة الدولة النقدية بقدر ما يهتمون بجني الأرباح ونهب العملات الحرة المتاحة للصرف على الضروريات الفعلية التي تحتاج إليها البلاد مثل الصرف على البنية التحتية المتخلفة في السودان والتي هي ركيزة أساسية وشرط ضروري في قضية إستغلال موارد البلاد الغنية والتي بدورها تتصدى لوظيفة توفير العملات الصعبة والتي تنعكس هي الأخرى على الإنتاج والإنتاجية وإرتفاع القوة الشرائية للعملة المحلية والمحصلة النهائية لكل هذا هو رفاهية الإنسان السوداني وتوفر حياةٍ كريمة تليق بما تمتلك بلاده من موارد، وللأسف الشديد إن هولاء الذين تكدست الأموال الحرام جرّاء مثل هذا العمل التخريبي للإقتصاد لن يصرفوا حتى دولار واحد من أجل تطوير مناطق الإنتاج التي تنتج هذه السلع وهي متاحة وفق ظروف وشروط للإنتاج لا تتوفر للبلاد التي منها يستوردون، فضلاً أن النظام وعن طريق إدارته الفاشلة للبلاد أشعل الحروب في المناطق التي تنتج أفخر أنواع البرتقال على مستوى العالم ( جبل مرة) وأهمل المناطق الأخرى التي ليست بها حروب مثل الباوقة وكسلا وكريمة وهي مناطق تشتهر بإنتاج البرتقال، حدثني أحد الزراعيين أن منطقة جبل مرة تنتج من البرتقال الفاخر ما يكفي السودان والتصدير إلى باقي دول العالم.
مالذي يحدث إذا لم يأكل السودانيون البرتقال والفراولة المصرية؟ كم هو عدد السودانيين الذين يأكلون الفراولة للدرجة التي يتصدر فيها السودان قائمة الدولة المستوردة له من مصر؟ ولماذا نستورد الأسماك من مصر ونحن نمتلك أنهاراً أكثر منهم ولدينا العديد من السدود والحيز الذي يشغله النيل في أراضي السودان هو أضعاف ذلك الحيز الذي يشغله من أرض مصر؟ هذه أسئلة مجرد فرضها يُغني عن الإجابة عليها ويرفع ضغط دم الشرفاء، ولذا ليس عجيباً ولا مستغرباً أن يتبوأ السودان قوائم الفشل في كل الإستطلاعات التي تُجرى سنوياً، وبعد كل هذا الفشل يتحدث أبواق النظام عن الوطنية ويدمغون الشرفاء بتهمة الخيانة العظمي، وينسون أن أكبر خيانة عظمى للوطن أن تُخصص المليارات من الدولارات في العام، وحصَّالة العملات الأجنبية في البلاد أفرغ من فؤاد أم موسى، من أجل إستيراد الفاكهة والأسماك والسودان من أكبر الدول البستانية ويملك كل هذه المصادر من الأنهار وغيرها!.
ثلاثون عام قضاها نظام الإنقاذ في السلطة التي إغتصبها بليل والناس نيام، ثم رفع شعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، واتضح في آخر الأمر أنهم كانوا يكذبون والأدهى والأمر أنهم قد دمروا المشاريع التي كانت قائمة قبل قدومهم المشئوم، ولا نستغرب قدرتهم على إطلاق الوعود الكاذبة طيلة الثلاثين عاما ومقدار تفوقهم على أنفسهم في الفشل إذ لا يضاهيهم إلا مثالهم الماثل اليوم ولكن نستغرب إلى حد الدهشة صبر الشعب السوداني على نظام الإفك هذا الذي فشل في قيادة البلاد وأصبحت نماذج فشله تطالعك أينما تُولي وجهك، شاخصةً هازئةً، تُخرج لسانها، وإذا لم نُسقط هذا النظام فلانستبعد أن يأتي يومٌ يستورد فيه السودان الكركدية واللالوب والتبلدي والصمغ العربي من مصر، فمثل هذا النظام أشبه بكارثةٍ طبيعية ما أن يحل بأرضٍ حتى يأتي على اليابس فيها قبل الأخضر ويذرها يباباً.