محمـد أبكـر
يقاسي الصحفيين في هذه الأيام – صيف الخريفية – موجه إنحسارٍ بالغة الوطأ، ورياح إنحصارٍ شديدة الأثر والتأثير حيال قانون تنظيم مهنتهم “الرسالية” وعملهم “المقدس”، وكم يواجهون معركة شديدة الوطيس مع قرار النظام القائم بشأن إجراء تعديلات في قانونهم القديم للعام 2009م، الأمر يلقي بظلاله على توقع نشوء سجالات ساخنة غير محسومة حيال محددات القانون الجديد وطبيعة نصوصه، وتجليات مصادقته للعمل به لاحقاً و تطبيق مظاهر صياغه.
وفي السياق ذاته إن الصحافة السودانية في هذا العقد الآني أن أهم فيما تواجهها هو أنها تواجه تحديات عصية في حدّ وحقيقة ذاتها، وتعايش واقعاً غير ذا برودة فيما يتعلق بشأن مدى قدرتها على الصمود تجاه رياح الإقتلاع المتوقعة، ومدى إمكانيتها وقواها الكافيان على مواجهة معركتها المحتدمة قيد سيرورة الأيام بشأن توقعات إنحسارها – صناعةً وإنتاجاً وتوزيعاً – عن طبيعة القرارات والقوانين التي يصدرها النظام عن العمل الصحافي، وبالخصوص تلك التي تتعلق بأمر نوعية نصوصها عن تنظيمه وشرعنته، ومدى إحتواء هذه القوانين على “سقف” حرياته الأساسية، وحقوقه القانونية والأخلاقية والوجودية. وذلك لأن الوقائع المشاهدة – على مدار العقود الثلاث الأخيرة – تنذر بأنها تسير بلا هدى وذاهبة إلي حيث…; بلا دليلٍ وبلا طريقٍ واضح وبلا منهجية محكمة معلومة، بل وأنها تركض نحو طريقٍ مسدود عما القريب العاجل، غير أن هذا الطريق مجهول الهوية.
فالصحافة في السودان – كما هو معلوم عند الجميع – قد تعاني من فوضى إصدار القوانين التي تنظم عملها، ومعانأتها الكبرى تكمن في طبيعة النصوص التي تحتويها هذه القوانين وهي – بالطبع – التي تصدر عن فاه “النظام الشامل”، وتعبر عن إرادة وعقلية الحكومة الحالية. فمنذ إستلاء “الحركة الإسلامية” على كرسي الشعب عشية الأول من يونيو ١٩٨٩م فقد دخلت الصحافة بل والإعلام بأسره حقبة “أخرى” قاب قوسين أو أدنى حيال أمر حقوقيتها و إستحقاقها لحرية عملها وإستقلاليتها، فضلاً عن إحالات ووجودها القانونية والدستورية بوصفها “سلطة رابعة” معترف بها عند الجميع. وهكذا خلافاً عن قرارات ذلك “الإنقلاب الإسلاموي” بتوقيف الصحف أو تأميمها أو إحتوائها لديه لتغدو أبواقاً – وبصور أخرى أكثر صداحاً وتطبيلاً – لممارسة التدجين والإفساد، والتزييف والبحث عن الشرعنة والدستورية، فإن قانون الصحافة للعام 1993م، والذي أعقبه قانون ١٩٩٣، ثم 1999م، إذ مجموعها سياناً في شأن مواصلة الحكومة في إزدياد تضييق “هامش” حرية الصحافة، وإزدياد وطأة الرقابة – القَبلية والبَعدية – والجزاء عليها، فضلاً عن إبتكار مزيد من أنماط و وسائل السيطرة عليها، علاوةً على إبتداع الآليات اللازمة التي تزيد في شأن قمعها وشل حركتها، وإغتيال روحها عن البحث عن الحقيقة وكشف فساد الطغاة، وتعرية تجاوزات الجبابرة عن إرادة الشعب، ونشر حقائق أفاعيلها الناخثة، وألاعيبها التخريبية.
بيد أن قانون الصحافة للعام 2009م، قد حظى – حسب مراقبون صحفيون وقانونيون – ببضع الإيجابيات التي تصب في مصلحة حرياتها، وشأن فرص ممارستها بشكلٍ قانوني ودستوري مقدر ومحسوب، وذلك بزعم أنه صُدر في أعقاب إتفاقية السلام الشامل دهرئذ وعن تعديلات قانون 2004م، الأمر الذي حدث حينها أن تم – فقط – مراعاة الظروف السياسية التي كانت على محك ممارسة العملية السياسية حيال قضية الحكم والثروة والجاه ولوازم تطبيق الثالوث المحرم. إلا أن هذا القانون ٢009م – بشكله العام – لا يختلف كثيراً عن سابقيه ولاحقيه في فترة حكم “البشير وأعوانه”؛ فإذ أن الخصيصة المصبغة والجامعة لقوانينه – حكم المؤتمر الوطني – ليست سوى زيادة آليات قمع حرية الصحافة، وتضييق فرص عملها كأداة كشف الفساد، علاوةً على التنوير في الحين نفسه، وتلقيص صلاحيات وإمتيازات ممارستها بإعتبارها “سلطة رابعة” لها محددات وجودها، وتجليات واقعيتها.
ويأتي صدور مشروع تعديلات قانون الصحافة تعديل 2018م، في ظل وطأة ظروف داخلية سياسية وإقتصادية قاهرة من جهة، وتحولات حضارية وتقنية وسياسية وإقتصادية غير من جهة آخرى تعايشها السودان، الأمر الذي ألقى بظلاله على واقع منظومة الإعلام بأسرها، وبالخصوص بوضعية الصحافة في ظل نظام حكم سياسي شمولي قمعي بصورةٍ قاسية جداً.
وبنظرة خاطفة عامة على مسودة القانون الجديد المعدل فيمكن نلاحظ – بصفة عامة – أن التعديلات الجديدة لا تحتوي إلا على نصوص آخرى تزيد من تقليص وتنفيد إيجابيات قانون 2009م، وتغفل عن تلك بعض “هامش” حرية الصحافة، وفرص ممارستها بكل دستوريةٍ، علاوةً على تضمينها “سلطات كبيرة” لمجلس الصحافة والمطبوعات الحكومي بالإضافة للإتحاد وجهاز الأمن والمخابرات تتيح للثلاثية هذه السيطرة على حراك الصحافة والتحكم في أمرها بالكامل مثل: صلاحيات منح تراخيص إصدار وإيقاف الصحف، وفرض عقوبات إدارية وجنائية عليها وعلى الصحفيين، ناهيك عن مسائل تسجيل وشطب الصحافي “كلياً أو مؤقتاً” من السجل الصحافي بلا إجراءات قانونية أو دستورية عادلة. ولكن يبقى الأغرب أن كل ما ذُكر أعلاه – بشكلٍ حرفي خالص – هو ما حدث ويحدث وسيحدث وكل ما حوتها مسودة التعديلات، بالإضافة إلي إنتقاء تفاسير ومفردات ضبابية وفضاضة أكثر مما يتم تخييلها حتى.
فهذه التعديلات – طبقاً لرأي مراقبون صحفييون وقانونيون – قد تتضمن بالظاهر والباطن – نصوص وسلطات أكثر قمعاً وتضييقاً وإنتهاكاً وتقييداً على الحريات الصحافية، والتي تضاف إلي قائمة القوانين والتشريعات الآخرى المنتهِكة لحريات الصحافة، وحرية الإعتقاد والتعبير والإتصال مثل قانون “جهاز الأمن”، وقانون ” أمن المجتمع”، وقانون “النظام العام”، وقانون “المعلوماتية”…الخ، علاوةً عن أنها ستُلقي بالصحافة ليس على رأس قائمة الدول الأسوأ في إنتهاك حريات الصحافة/الإعلام – طبقاً لآخر تقرير لمراسلون بلا حدود جاء في المركز(174) من (180) – وإنما في زيلها بالعلامة الكاملة.
وهكذا…فحقيقة مسودة مشروع تعديلات القانون الجديد للصحافة تكمن في أنها – التعديلات الجديدة – تتسم بخصائص ومقومات “نظرية السلطة الإعلامية” التي سادت في القرن السادس عشر؛ حيث وفقها للسلطان أو الحاكم السلطة “المطلقة” في السيطرة على كل يجب أن يُنشر إلي الشعب، له منتهى الحق والقرار الفصل في ممارسة نظرية “حارس البوابة” بكل جزئياته الدقيقة، الأمر الذي يؤدي إلي إنتفاء أية حريةٍ للإعلام وفرص ممارستها لأعماله بكل إستقلالية. وبالتالي فهذا القانون الجديد المعدل قد يحتوي على إختيارات – شبه غير محدودة – ذات سماتٍ عقابية بالغة الشدة ويتضمن على نصوص حادة التقييد والتضييق على إنتاج الصحف وإستصدارها بجانب حرية الصحفيين في آن واحد؛ حيث أن أسوأها على “الإطلاق” حذف كلمة “الإستقلالية” نهائياً من القانون، علاوةً على منح مسودة التعديلات الجديدة السلطة لجهة تسمى “لجنة السجل” في – المادة 33(1) بعد الفقرة(د)- إيقاف الصحفي من الكتابة للمدة التي “يراها مناسبةً”، من يدري ربما إلي الأبد!، بجانب نص الإنذار بتعليق صدور الصحيفة، وسحب الترخيص مؤقتاً لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. وفي المادة 35 بعد الفقرة(هـ) فقد جاء “إلغاء ترخيص الصحيفة بلا فترة محددة، و منحتها كذلك سلطة منح وسحب تراخيص للـ”النشر الإلكتروني” وذات عقوبات تشابه ما على الصحافة الورقية، فضلاً أن التعريف الفضفاض والغامض للصحيفة الإلكترونية؛ حيث – حرفياً عن المسودة – “يقصد بها أي عملية نشر إلكتروني تحتوي على أحداث جارية يتم بثها عبر الانترنت، ويستخدم فيها قانون الصحافة المطبوعة وآلياتها، فضلاً عن مهارات وآليات تقنية المعلومات”. وهكذا حيث هذا التعريف قد يشمل حتى عوام الناس في النشر على الإنترنت. وكذلك قد سمحت لها بسُلطة تشكيل “لجنة السجل” بإختصاصاتٍ شتى أهمها سُلطة “شطب” الصحافي من السجل بناءاً على قرار المحكمة. (وبالطبع غير معروفة ومحددة)، أو أي جهة مختصة بمحاسبته؛ أي جهة؟ يمكن أن تكون أنت بعد تكوينك لجنةٍ ما.، غير مستبعد. حقاً..!، حقاً أنه قانوناً صبابيةً، وأكثر طفوليةً لا يليق بأمر الصحفيون، ولا يمثل أهل الصحافة وسمو جلالتها.
وفي بند المبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحفيين فقد جاءت النصوص – كما معلوماً عند الجميع- أشد قيداً، وأكثر غموضاً و”جلباباً”؛ حيث الفقرة(1) تقول “حرية التعبير والفكر والمعرفة والإتصال والحصول على المعلومات حق مكفول للصحفيين، وفق الدستور والقانون مع مراعاة المصلحة العامة وحقوق الآخرين وخصوصيتهم ودون المساس بالأخلاق العامة. هل لاحظتم جزئية “وفق الدستور والقانون مع مراعاة المصلحة العامة…!” قانون مقيد بقانون أخر، إنه ﻷمر سخيف ومستفز، أما الفقرة(2) تنص “الصحافة حرة في عملها ولا يجوز تعريضها لأي انتهاك ولا تفرض قيود على النشر الصحفي، إلا بما يقرره القانون بشأن حماية الأمن القومي والنظام العام والسلامة والصحة العامة”. يبدو أنكم قد لاحظتم جزئية ” إلا بما يقرره القانون بشأن حماية الأمن القومي و”النظام العام” والسلامة والمصلحة العامة”. أنها لسخافة الصياغة وإنانية إنتقاء المفردات، وسوء تقدير القضايا، وإحترام إختياراتها. فهذا يعني أنك قد تدور فقط داخل أسوار “النظام الحكومي” القائم، ونوعية قوانينها السلطوية القاهرة، وإلا عليك تجاهل أمر الكتابة، وتناسى كونك صحافياً أو صحافيةً ترغب في ممارسة مهنتك المفضلة، وتبدع في عملك الذي حظى بإختيارك أنت.
وأضف مما سبق – في المادة (9) بعد الفقرة(م)- فقد جاء نصياً ” الترخيص لمزاولة النشر الصحفي الإلكتروني وتنظيم نشاط الأفراد والجهات العامة في هذا المجال، وفقاً لما تحدده اللوائح”، بجانب ” تحديد الضوابط التي تنظم الإعلان في الصحف وذلك وفقاً لما تحدده اللوائح”. أي أن قد تخضع – بكل جوارحك وحواسك عن أنفك- لطبيعة أي نص تحتويه لوائح “لجنة السجل” التي تُشكل بتعاون الإتحاد والمجلس والمحاكم، فضلاً أنها غير محددة وغير المعروفة، بجانب القوانين الأخرى الداعمة لمبررات سلطات “النظام” المتسلط، والمساندة لممارسة الحكومة لقمعٍ وتضييقٍ وإنتهاكٍ أكثر على الصحافة والصحفيين بكل صلاحيات الدستور الإنتقالي للعام 2005م المخضوع على الجميع.
وفيما يخص رئساء تحرير الصحف; فقد تنص المسودة أن عمر أحدهم يجب أن يكون “أربعين سنة” فما فوق عوض “خمس وثلاثين” سنة، بجانب خبرة لخمس عشرة سنة بدل “عشر” سنوات. أيعقل حقاً! لكم الأمر مسلياً ومضحكاً!، فثمة رئساء دول كبرى قد لا يتعدى واحدهم “أربعين” سنة، وربما لا يتمتع – حتى يُرشح رئيساً للدولة – بخبرة طويلة في الإدارة السياسية وربما شبه خالي من الخبرة في الإدارة الإقتصادية، والعكس. وأحرى نموذجان لذلك الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، بجانب الأمريكي دونالد ترامب؛ حيث الأول عمره لا يتجاوز “الأربعين” ﻷكثر، بينما الثاني قد لا يتمتع كثيراً بالخبرة في الإدارة السياسية غير دهائه البالغ في إدارة الأوراق المالية..وهكذا فثمة مفارقات “قاسية” جداً بين قوانين “النظام” الذي يُدار به السودان، وطبيعة تشريعاتها لجوانب الحياة، والطبيعة “السليمة” لصياغة القوانين، وإدارة القضايا والأمور التي تتعلق بسياقات حقوق وحريات الإنسان.
وهكذا يبدو أن الصحافة السودانية كم أنها تعاني من الأمرين؛ حيث قمعية القوانين التي تُصدر عليها من جهة، والطبيعة الضبابية والأسلوب الغامض والفضفاض في صياغة هذه القوانين، بجانب آليات تطبيقها عليها والصحفيون. فـ”حرية الصحافة في السودان – بطريقةٍ أو بأخرى – على ما يبدو – حسب تجارب القوانين التي صدرت- وكأنها قضية أخرى تتدخل في دائرة المستحيلات التي لا تحدث البتة، أو على الأقل لا تسع لها الظروف والتحولات بأن تُحقق وتُحترم على وجهة الحق في الحراك، والحق في تؤكيد حريات إتصال البشر، وحقوق الإعتقاد والوصول إلي المعلومات وفرص كشفها ونشرها.
ولكن يظل فيما يأخذ الإنتباه ويثير الإلتفات هو أن تاريخ الصحافة السودانية – على نسبية طويلة – قد يمتع بـ”ثمانية” قوانين سيانة ومغايرة في الآوان ذاته; حيث كان البدأ عام 1930م بيد السلطة الإستعمارية أنذاك، ثم أعقبه ثلاث تعديلات عليه لاحقاً بعد الإستقلال، إلا أن حكومة “المؤتمر الوطني” – على ما يبدو جلياً- قد حظت بنصيب “الأسد” في إستصدار وتعديل هذه القوانين التي تفوق السبع. فهذه “الحكومة” قد أصدرت – منذ إتيانها حتى الآن- خمسة قوانين متلاحقة السنون، ومختلفة الصياغة والتناص، ومغايرة الآليات وأساليب تطبيقها، هذا غير ما صدرت مسودته مأخراً، ونحن بصدد نقده وتفكيكه وتنفيده هاهنا، ليكون السادس عما قريب جداً. ولكن رغم كل ذلك المفارقات; إلا أن الأكثر لفتاً للنظر والمراجعة هو أن قانون 1930م قد سرى لفترةٍ طويلة، ولم يُعدل أو يُلغى إلا في “ظلال” الحكومات الإستبدادية، والسُلط القمعية، والأنظمة العسكرية الإنقلابية من قِبل أبناء جلدتنا؛ حيث عدله نظام عبود، وألغته المايوية، ثم اللواحق المهدوية والأخرى.
ولكن يبقى أن السمة الأساسية التي صبغت بها كافة تلك القوانين “المُعدلة” هي أنها أصُدرت وعُدلت وأُلغيت لهدف واحد، ولأجل غاية بعينها وهما; وضع كوابل تشريعية رادعة وصلبة ومقيدة لحرية أهل الصحافة، وقيود بالغة الشدة على العمل الصحافي، وليس حمايته كما يُزعم، وبينما الغاية لهي المحاولة الدائمة لإنقياد الصحفيون لإختيارات الحكومات وانماط سلطاتها التركيعية، فضلاً عن إخضاعها لهم عن تعريتها وكشف أوجه فسادها، ونشر حقائق أفاعيلها، والإخبار عن عيوبها للعامة.
وهكذا يظل أمر حرية الصحافة في السودان في ظل تعاقب حكومات قاهرة وعسكرية وإستبدادية، وفرص الحظو بها ونيلها عن أوجه الطغاة، وإحالات ممارستها يبدو وكأنها رهن بئية آخرى وليس في هذه البلاد، علاوةً على أنها تظل رهينة النضال القانوني المستمر من قِبل أهل الإعلام والقانون حتى ليأتي ذلك اليوم ويشرف شمس “الصحافة الحُرة” وتستطيع حينها فقط الشعور بوجودها الحقيقي والإحساس بصعداء “إستقلاليتها التامة”، والحظو بشرف حضورها الحيوي والمركزي في قائمة السياقات الحياتية الآخرى.
وبالتالي في خاتمة هذه السلسلة المسماة “في نقد القانون الجديد للصحافة السودانية” نستطيع القول أن الصحافة السودانية – في هذه الحقبة الحرجة المخجلة القاهرة في ظل نظام شمولي إستبدادي – قد عانت وتعاني وستعاني الشئ القاسي جداً حيال طبيعة القوانين التي تُصدر عليها لقمعها وتقييدها وتضييق أمر وجودها حُرة فقط بفاه “النظام”، وفرص ممارستها ومحددات إزدهارها وتطورها ليوازي مصافٍ عالمية الصحافة، وأخلاقية الإعلام،و مصداقية الإخبار، وموضوعية التناول والطرح، ودقة التحليل، ومهنية الممارسة، وقدسية الرسالة كما هي.
وهكذا ننتهي إلي – في هذه السلسلة النقدية والتنفيدية للقانون الجديد- أن قضية “حرية الصحافة” دولية الإهتمام، وأخلاقية التناول والنضال، ولطالما أنها كذلك فإن على الصحفيين شدة الإصرار وإزدياد العزيمة وإشعال الإرادة، وتشحيذ الهمم والرغبة في كفاح الطغاة بغية رسالة وجوديتهم، والنضال المتواصل ضد البغاة والأنظمة الإستبدادية، التصدى على القوانين القمعية والتعسفية لأجل قضية وجودهم “الطبيعي” ولو كفل الأمر التضحية بالحياة، والفداء بالدم والروح. وذلك بزعم أن مسودة القانون الجديد تبدو – بسماتها ونصوصها وإحالاتها – وكأنها القضبة الجديدة(القانون الجديد المعدل) التي قد تردي بالنَفَس الأخيرة (القمع شبه الكامل لحرية الصحافة والصحفيين) إلي حيث العدم المجهول الغامض كما هي طبيعة صياغته وترسيم نصوصه وإحالات تطبيقه وتجليات تأثيراته وتأثره.
ولنا لقــاء عما قريب..
١٣/٧/٢٠١٨م
* كاتب وصحافي سوداني- الخرطوم.