بقلم/ محمد أبكر
ومما يلفت الانتباه ويدعو للإثارة هو أن ترجح (مصالح) ورغبات وكل ما تهواه الأنفس وتشتهيه ذهنيات البشر أرضياً ، كفة (مبادئ) وتوجيهات وأحكام السماء.أي مسوغات (الايمان) وبديهياته كما يقر بها البعض ويعتنقها اعتقاداً ونصاً وجوارحا، وبينما الآخر العكس وآخرون بين الحياد والمساومة والحيرة والتوفيق والفطرة .
ولكن الحقيقة يبقى ان (النص اللاهوتي) يتحول بالقراءة وآساليب المقتربات والتأويل وفق المصالح المرسلة والخير والفائدة للانسان ، الي نصٍ تاريخي بشيري خالصا . فالنص السمائي أُرسل لأجل مصلحة (البشر) حسب سيرورة الزمان وصيرورة التطور ،وليس وكلّا يعود للسماء بالفوائد وسيولة التوحيد أو حجوده أو الحياد عنه .
ولأن العقل الأنساني دائماً في حالة تطور وإرتقاء ، فيزل النص اللاهوتي والفكر الكهنوتي رهينتا منجزات وضرورة أعمال هذا العقل وبالخصوص منتوجات الحضارة وتأكيد تميٌز وتمييز الانسان خَلقَاً وخُلقا وبالإضافة لتحقيق وجودية (الرب) وتماهي الآلهة به .
وبناءاً على ما سبق تنتفي جدلية السماء والأرض ، فتُستجلى قضية التوازن الإدراكي والتمييز المعرفي في فك ألغاز الطبيعة وفهم إشارات ورموز الوجود والتحقق من حقيقة الأضداد والتناقض .
وإنطلاقاً من مقاربتنا أعلاه نستطيع تشخيص تلك الإشكالية على التحولات الجذرية لمحددات بنية وهيكل تأسيس دولة (المملكة العربية السعودية). فأخيراً وبعد مضي قروناً فسنوناً طوال من الإنغلاق و(الإغتراب السياسي) والإنطواء والإنمحاء الوجودي والحضاري، سنشاهد قربياً ضجيج الإنفتاح أكثر ونلاحظ عن بُعد هفهفات الحرية وهزيز الديمقراطية يطول جميع مفاصل وأنسجة هذه الدولة (الثيوقراطية) والتكنوقراطية فقهياً وكلامياً. وحينها سنرى في الأعين وقع الصدمة والعجب والإستغراب.
فالسعودية وفي هذا العقد على أهبة زلزال سياسي مخيف قد يهز بل يقتلع جذور منجزات التأويل الآحادي للنص الديني ؛ فـخطاب :” أنتم أدرى بشئون دنياكم” ربما أدركته أخيراً ذهنية هذه البلاد . فالدين خطاب لاهوتي سرعان ما يتحول لحظة قرأءتهِ وتأويلهِ الي خطاب تاريخي ثقافي بشري، يدعو لمصلحة (الإنسان) وخدمته .
ولأن هذا الزمان عصر (الكونية والمعلوماتية والعولمة) فلابد من إحداث عزل ومفاصلة جذرية للمؤسسة السياسية عن دور (العبادة) وأسقفة (الكهنوت) ومجامع الفقه والفتوى .فالسياسة ما كانت يوماً (عبادة) والدين ما غدا دهراً (لعبة) .
فثمة تحول وتطور ملحوظين على بنية وأجهزة وملامح هذه الدولة ؛ فلصوص الشعب تم زجهم في الحبس والسجون بغية المحاسبة والعقاب ،وهذا بغض الطرف عن تصفية الحسابات بالسر وفي الخفاء ،مصحوباً بالإنفتاح الدبلوماسي للكل والنظر في المصالح والأرباح قبل أي شئ آخر .ثم وهذه أهمها تشهيق (المرأة) لعبير الحرية والإنعتاق من قرون الإستعباد والضرب في المضاجع ؛ فستقود السيارة مثل أي رجل وتمتطي الدراجة وما شابهها وستتوسط الذكور في إستادات الرياضة وصالات اللهو ،وكذلك ستقوم بشراء التذاكر الخاصة لحضور العروض السنيمائية وابداعات المسرح والفنون وستسافر دون مرافقة محرم وستستعرض مواهبها في الرقص .
ويبقي أحدث هذه التغيرات البنيوية؛ الحضور الكثيف لكلا الجنسين في الحفل الغنائي الصاخب في جدة بصداع الفنان المصري تامر حسني قبل ليلة السبت الماضي، بالإضافة لتوجه الملك سلمان قبل يومان الي تغيير المفردات والتوجهات الإخوانية من المناهج التعليمية، بالإضافة حسب صحيفة الجزيرة بالأمس التي عنونت:” ولي العهد يبحث تاهيل الكفاءات الوطنية ودعم التحول الرقمي مع رئيس مايكروسووفت”.
فالسعودية هذا العقد يبدو أنها تريد التماهي في صورة السياسة الدولية و لتتدخل حلبة الصراع العالمي كأية دولة لها حق الحضور على مسرح الكون. وهاهنا سيسقط (نموذج) راعي الدين وحامهِ الأول عن أعين الأتباع وستمتلئ صدور الموالين لها دينياً وعرقياً وثقافياً بالإنكساروالهبوط والإحساس بالتوهان وغموض المصير.
فالخلاصة إن السعودية ذاهبة عما قريب للتسوق في السياسة مقابل تطليق بنايات الدين والآن هي في البروفات الأخيرة لملهاة المفاصلة والعرض الضخم لمذادات الإقتصاد والإستثمار. شيئاً فشيئا ترغب السعودية في خلق الجرأءة بالقيام بتصوير وتمثيل وتحقيق الجزء (الثاني) لتراجيديا فيلم فصل مؤسسة وأجهزة السياسة عن دور وبيع (شعائر) الدين .علماً بان الجزء الأول تم مشاهته (1879)في فرنسا.