بقلم: محمد خميس دودة
في تقييمات دور الحركة الأدبية في تغيير الشعوب، اعتقد انها السلاح الرائد الذي استخدمها جميع الأمم سواء كانت قبل الحداثة أو بعدها .
وتمتاز بقدرتها العالية لتحويل الظاهرة الفردية الي الجماعية ، اي سيكلوجية يمكن أن تتحول لسيوسولوجيا في علم النفس الاجتماعي ، وهي وسيلة لتغيير الوعي وتبديل التصورات وقيادات التغيير . فالأدب في حركة تأريخه أخذ صورا متعددة ابتداءً من الشعر و المسرح إلي الرواية التي تعتبر سيدة الفنون والآداب في عصرنا الحديث ، ويعزي ذلك علي قدرة الرواية في دخول أي بيت ، وأصبحت كالمسلسل والفلم.. وذلك لدورها السينمائي في طرح القضايا المجتمعية .
وقد كان قائد ثورة البلشفيك فلاديمير لينين متأثرا بشكل كبير بالأدب الروسي وخصوصاً أعمال هوراس ومسرحيات الاسطورة الانجليزي
وليام شكسبير .
كما ظهرت تأثيرات كتاب “الأمير” لميكافيلي في الحكام العرب في الشرق الأوسط ، وتبني الحركة النازية والفاشية لأطروحات غوستاف لوبون ” في سيكلوجية الجمهور” وغيرها.
فالأدب يلعب دورًا مهماً في الثورات على مستوى النخب والجماهير .
وطالما الثورة ضرورة إجتماعية لا مناص منها ؛ فقد وجدت بتنوع صياغاتها في بادئ الأمر بدءاً من الثورة الفرنسية الي التحولات الديمقراطية في أميركا اللاتينية.
بالنظر لواقع الأدب في السودان رغم الفجوة في نسبة القراءة عند المواطن السوداني ؛ نجد انها اكثر أدواة الثورة فاعلية في مراحلها الرامية للتغيير ، وبالرغم من التحديات التي تواجه الكتاب من القمع والتنكيل وشح الإمكانية لعملية الطباعة والنشر ، الا ان الحركة الأدبية في السودان تعتبر المنهل المعنوي للثوار والثائرات ، ولاقت بعضاً منها اهتماماً عالمياً ، وفيها من نالت الجوائز كرواية “شوق الدرويش ” لحمور زيادة بجائزة نجيب محفوظ ، و “مسيح دارفور ” لعبدالعزيز بركة ساكن بجائزة سين الأدبية بسويسرا ، و ” موسم الهجرة الي الشمال” للطيب صالح ، إضافة الي الكتابات الابداعية لبعض قيادات الحركة الشعبية كادوارد لينو ابييي ، لورنس كورباندي ، باقان اموم وغيرهم .
أما علي الصعيد الدارفوري فتعتبر أقل حظاً في امتهان الأدب وانتشارها مقارنة بأجزاء السودان الأخرى رغم تاريخ دارفور الحافل بمحطات نضالية .
إذ زكر علماء الأنثروبولوجيا
من الرعيل الاول من أبناء الاقليم فقط على (د. شريف حريري و دريج ….الخ) ولم يكن لدارفور روائيين ينقلون للعالم الخارجي المخزون الجميل من الحكم و الأمثال والحجي عدا مؤسسة الجد والجدة التي تعتبر ارشيف التاريخ والثرات التي يتناقلها الأجيال.
والمعروف في السودان أن تنوع تشكيلاتنا الوجدانية في لحمة الوحدة الوطنية غير منسجمة ، وهي كفيلة بأن الروائي الجنوبسوداني يكون محصور للإنسان الجنوبي ، والروائي في الشريط النيلي يكون ملم بما يمتلكه من خصال انسان الشريط ، وهكذا الوسط والشرق والشمال .
ف”مسيح دارفور والجنقو مسامير الارض ” لعبدالعزيز بركة ساكن فقط عبرت عن جزء بسيط عن انسان دارفور – وعمال الهامش على اختلاف أماكن تواجدهم- ويعزى ذلك أيضاً لارتباط عبدالعزيز بدارفور ومعاشرة عمال المزارع في شرق السودان.
فالأوضاع التي يمر بها السودان حالياً وبالإضافة الي اتساع سقف الحرية اكثر مما كان عليه في الماضي ، بجانب انتشار شبكات الإنترنت ، تمثل فرصة ذهبية للاطلاع على حركة الأدب وتطويرها .
فنموذج رواية “لهيب الارض ” لأحمد محمود كانم بالرغم من صدورها المتأخر في يونيو ٢٠٢٠ من دار جزيرة الورد ؛ إلا انها تعتبر محفزة عظيمة لإنسان تلك البقعة أو المناطق التي تدور فيها احداث هذه الرواية ، وأنا كإنسان من ابناء إحدى المناطق التي تناولت الرواية بصورة سينمائية احداثها وبلهجة محلية -في الحوارات الدائرة بين شخصياتها- بجانب الأسماء المحلية ، دخلني احساس بالامتنان لهذا الكاتب ، وخصوصاً عندما أقرأ اسماء مناطق صغيرة ك” شاوة ، برداني، امزعيفة، خسار مريسة ، نقار دارا ، مهاجرية ، خزان جديد ، لبدو ، شعيرية ،نتيقة ….الخ” التي وردت بالرواية ، وأسماء ” ادم جراد ، محمدين تور رماد ، فكي عطروناي ، دوجة و كلتوماي ..الخ” أحس بأنني عائم في بحر الموضوعية في القراءة وكأني معوض بشئ كان ينقصني .
وبالرغم من أن هذه الرواية جاءت كأولى تجارب الكاتب ؛ الا انه بصورة احترافية كشف اشياء كثيرة حول ما جرى في دارفور ابان حكومات النخب من زمن عبود الي البشير وتعاطيهم اللا انساني ، التي تمثلت في التعتيم المتعمد للكوارث والأوبئة والقمع المفرط لانسان الاقليم عبر مليشيات داعمة لخط النخب أسماهم الكاتب ب”عصابة عيال مرفعين” والتي كان ابن الحاجة كلتومة عبدالله جزءًا منها ، إضافة إلى فكي عطروناي وشيخ الحلة اللذين كانا حواضن ايديولوجلية ومعنوية لهم ، ليؤسس مفهوم معرفي جديد أن عصابة الجنجويد في دارفور ؛ هم من صنع الحكومات وليست لهم انتماء قبلي.
ولاستاذ احمد كانم اعمال ادبية اخري ك” اسواق الرقيق ،تاريخ دارفور المعاصر , و المسكوت عنه في السودان” وأخريات تحت الطباعة ،مده الله بالصحة والعافية .