بكري الصائغ
bakrielsaiegh@yahoo.de
١-
وقع قبل ثمانية اعوام مضت – تحديدآ في يوم السبت ١٠ مايو عام ٢٠٠٨ – حدث سوداني هام يعرفه القاصي والداني ودخل التاريخ السوداني تحت اسم:(دخول قوات حركة العدل والمساواة مدينة امدرمان). يعتبر هذا الحدث الحربي هو الثالث في تاريخ مدينة امدرمان، كانت الاولي عندما دخلت قوات الحكم الثنائي مدينة امدرمان بقيادة اللورد كتشنر في يوم الجمعة ٢ سبتمبر عام ١٨٩٨ ووصلت حتي منطقة كرري حيث كان جيش الامام عبدالله التعايشي مستعدآ للقاء العدو. واسفرت المعركة عن استشهاد عشرة الف من المقاتلين السودانيين وجرح ١٠ الف اخرين، وبلغت خسائر العدو ٤٩٠ قتيلآ. دخلت المعركة التاريخ تحت اسم (واقعة كرري ١٨٩٨).
(ب)-
***- كانت الحادثة العسكرية الثانية الشهيرة تلك التي وقعت في (حي ودنوباوي) بامدرمان مارس عام ١٩٧٠.
(ج)-
*** اما الحادثة العسكرية الثالثة، فهي ما بصدد الكتابة عنها، وهي عن دخول قوات (حركة العدل والمساواة) الي قلب امدرمان تحت اسم (عملية الذراع الطويل) ، التي عسكرت ثلاثة ايام بلياليها في شارع (العرضة) دون ان تلقي خلالها اي مقاومة عسكرية او من الشعب.
٢-
***- رغم مرور ثمانية اعوام علي الحدث مازالت كثير من خفاياها واسرارها غامضة ومبهمة، يعود السبب الي ان هذا الحدث وجد الاهمال عن قصد، كان في الامكان ان يجد الكثير من التوثيق الدقيق وتسجيل وقائعه لحظة بلحظة من اجل تاريخ لا زيف فيه ولا تشويه. اغلب الحقائق غائبة تمامآ في ظل التعتيم الرسمي ومنع السلطات الامنية من نشر اي معلومات عنها الا بعد الرجوع الي جهات مسؤولة في الدولة والاذن منها !!، مثل هذا المنع يقلل من قيمة توثيق اي حدث سوداني هام.
٣-
***- من الاسئلة التي طرحت وقتها في الشارع السوداني عن سبب تاخر وصول ضباط وجنود القوات المسلحة الي امدرمان التي لم يدخلوها الا بعد ثلاثة ايام من دخول قوات الحركة؟!!، كتبت جريدة (الشرق الاوسط ) اللندنية في يوم ١٤ مايو ٢٠٠٨ مقالة جاءت تحت:(مصادر عسكرية وسياسية لـ«الشرق الأوسط»:خلافات بين قيادات الجهات الأمنية وصلت إلى حد المواجهة!!)…وكتبت:
كشفت مصادر أمنية وسياسية سودانية لـ«الشرق الاوسط» ان الخلل الامني كان السبب وراء نجاح قوات حركة العدل والمساواة في دخول العاصمة السودانية، السبت الماضي. ولمحت الى وجود خلافات بين قيادة الجيش السوداني وجهاز الامن والمخابرات الوطني، تصاعدت الى ان وصلت الى المواجهة في مواقع مختلفة. وقالت المصادر التي فضلت حجب اسمها للظروف الامنية في الخرطوم لـ«الشرق الاوسط» ان الجيش الحكومي تم استبعاده تماماً خلال هجوم قوات العدل والمساواة قبل دخولها مدينة ام درمان، وان المعركة ادارها جهاز الامن والمخابرات وقوات الاحتياطي المركزي التابعة لوزارة الداخلية. واشارت الى ان عددا من العسكرين المتقاعدين تناولوا في جلساتهم الخاصة الخللَ الذي سببه تضاربُ التنسيق وعدم وجود قيادة سياسية وعسكرية تقود المعركة.
وقال قيادي في حزب سياسي معارض لـ«الشرق الاوسط» ان «قوات العدل والمساواة، كسرت حاجز اسطورة القوة الامنية للحكومة السودانية، وكشف عن حدوث معارك بين قوات الجيش الحكومي ومن سماهم مليشيات جهاز الامن في عدة مواقع. واضاف ان اجتماعاً ضم قيادات سياسية وعسكرية في الخرطوم تبادلوا فيه القاء اللوم عما حدث السبت الماضي. وتابع «لم تكن هناك معارك بين مليشيات الامن وقوات العدل والمساواة ولم يكن للجيش دور في تلك المعارك». وقال «مع ذلك، قوات الامن فشلت ليومين في دحر القوات التي دخلت العاصمة في وضح النهار رغم علم الحكومة بها». وكشف ضابط برتبة مقدم، وهو متقاعد عن الخدمة، لـ«الشرق الاوسط»، ان القوات المسلحة السودانية تم تحييدها تماماً، مما أغضب الجنودَ والضباطَ سواء مَنْ هم في الخدمة او من هم متقاعدون». وتابع «نحن في الجيش لدينا عقيدة عسكرية، أننا لا نسمح لأية جهة مسلحة بان تدنس كرامة الجيش الذي يمثل كرامة الامة»، مشيراً الى ان قيادات سياسية في الحزب الحاكم كانت تعتبر ان المعركة تخصها هي وحدها وليس اية جهة اخرى، بما فيها القوات المسلحة. وقال ان ضباطا كبارا ابلغوا الرئيس السوداني والقائد العام للقوات المسلحة عن استيائها من جهاز الامن وبعض القيادات السياسية. وقال ان «كرامة الجيش أهينت بسبب التنافس السياسي بين اطراف قيادية في الحكومة التي قيدت تحرك الجيش لصد العدوان».
وذكر المصدر العسكري ان حركات دارفور سبق ان نجحت في اقتحام مطار الفاشر عام 2003 واحرقت الطائرات التي كانت جاثمة على مدرج المطار. وقال «لم تتعظ قيادات الجيش من تلك الحادثة، ولم تدرس الامر بعناية، والآن يتكرر السيناريو بجرأة أكبر في قدوم القوات نفسها، وبعد ثلاث سنوات الى الخرطوم، رمز سيادة الحكومة»، معتبراً ان قيادة خليل ابراهيم للمعركة بنفسه وعودته الى القاعدة التي انطلق منها تشكل نجاحاً كبيراً وهزيمة نفسية للقيادة السياسية في الخرطوم».
وقال المصدر «أثبت خليل ابراهيم، اتفقنا او اختلفنا مع افكاره، انه رجل سياسي وعسكري بذكاء منقطع النظير». وأضاف ان الاجهزة الامنية فشلت في اعتقاله او اي من القيادات السياسية والعسكرية التي كانت معه فيما عدا كاتم اسرار ابراهيم، وهو جمالي حسن جلال الدين. وتابع «أليس هذا نجاحاً يُحسب لخليل ابراهيم وقواته من انضباط تنظيمي وعسكري لحركته»، داعياً الحكومة الجلوس الى التفاوض وألا تنجرَّ الى التصعيد العسكري مع كافة الحركات المسلحة.
وقال المصدر ان الصراع بين الاجهزة الامنية مع القوات المسلحة يتم باحالة قادتها الى المحاسبة والتقاعد لفشلهم. واضاف ان هناك احاديث تقول ان الاجهزة الامنية ارادت إدخال قوات التمرد الى داخل العاصمة للانقضاض عليها دون ان تواجههم خارج المدينة. وتابع «هذا التفكير وراءه غرض سياسي، وفشل مع ذلك»، مشيراً الى الاحصاء الرسمي للضحايا الذي بلغ 120 من القوات الامنية والاحتياطي المركزي، وضعيفة في الجيش. وقال ان أمام الرئيس البشير حلولا في ترتيب اوضاع الجيش، أو إخضاع الاجهزة الامنية له أو إحكام التنسيق.
(انتهي مقال جريدة الشرق الاوسط)
٤-
***- من الحقائق المعروفة عن هذا الحدث، ان جهاز الامن هو الذي سبق القوات المسلحة الي امدرمان ودخل في عراك مسلح طويل ضد قوات الحركة، وبعد ان تم القضاء علي قوات الحركة واعتقال الكثير منهم، جاءت بعدها القوات المسلحة، بعد القضاء علي قوات حركة (العدل والمساواة)، لمعت اجهزة الاعلام بشدة الفريق صلاح اول قوش مدير جهاز الامن السابق علي حساب القوات المسلحة ، الصحف المحلية ابرزت قوش في صورة (سوبرمان)، البطل الذي حرر امدرمان..لكن في خطوة مفاجئة- بعد ١٥ شهر من احداث امدرمان-، أقال عمر البشير صلاح عبد الله قوش من منصبه كمدير جهاز الامن!!، يقال والعهدة علي مسؤول كبير في حزب المؤتمر الوطني وقتها:(ان عمر البشير كان قلقآ للغاية من صعود نجم الفريق اول صلاح قوش وبروزه في الساحة السياسية بعد احداث امدرمان بصورة توحي انه يتطلع الي شي اكبر بكثير من منصب مدير جهاز الامن، فكان لابد من تقليم اظافره وقص ريشه حتي لا يطير الي اعلي)!!
٥-
***- نشرت الصحف المحلية بعد الاحداث خبر غريب اضحك القراء كثيرآ جاء فيه:(قال عبدالرحيم حسين امام نواب المجلس الوطني عام 2008 عندما استدعوه ليمثل امامهم ويوضح الاسباب الحقيقية التي دعته لعدم ملاقاة قوات “حركة العدل والمساواة” قبل دخولها لمدينة امدرمان ووصولها حتي شارع العرضة?!!…لماذا لم يصدر الاوامر بضرب القوة المسلحة بالطائرت الحربية بالقنابل وهي علي مشارف المدينة قبل الدخول كما تفعل طائراته في غرب البلاد?!!- في جملة دفاعه من حدة الهجوم الضاري عليه من قبل اعضاء البرلمان قال عبدالرحيم وهو يتصبب عرقآ: “القوات المسلحة تحارب باسلحة قديمة وعتيقة للغاية ومن زمن الحرب العالمية الثانية!!”)
***- التصريح ازعج النواب بشدة وتسألوا باستغراب شديد:( اذآ اين ذهبت ميزانيات وزارة الدفاع منذ عام ١٩٥٦ وحتي ٢٠٠٨?!!..هل يفهم من كلام الوزير ان القوات المسلحة ما تحصلت علي اسلحة متطورة حديثة منذ ٥٢ عامآ?!!
٦-
***- هناك ايضآ كلام قيل عن الفريق عبدالرحيم حسين وزير الدفاع عندما طلب منه توضيح الاسباب الحقيقية التي دعته لعدم ملاقاة قوات “حركة العدل والمساواة” قبل دخولها لمدينة امدرمان ووصولها حتي شارع العرضة?!!، فاجاب ان ان خطته العسكرية كانت تهدف الي عدم التعرض بالهجوم علي قوات حركة (العدل والمساواة) طوال زحفها حتي تدخل مدينة امدرمان، ومن ثم تبدأ القوات المسلحة مهاجمتها داخل المدينة في شكل (حرب شوارع ) علي اعتبار- ان افراد القوة الغازية لا يعرفون دروب وشوارع امدرمان، وسيتوهون في شعابها- مما يسهل فيما بعد علي صـيدهم بكل سهولة?!!
٧-
***- تمر غدآ الثلاثاء ١٠ مايو الحالي ٢٠١٦ الذكري الثامنة علي دخول (حركة العدل والمساواة) في حادثة كلفت الحركة اكثر من ١٤٠٠ شخص دفنوا في مقابر جـماعية، مجزرة قامت بها القوات المسلحة بعد تمامآ بعد فشل تحقيق اهداف الحركة اسقاط النظام، كانت مجزرة اسوة بالمجزرة التي وقعت في ٢ يوليو عام ١٩٧٦ بعد فشل الحركة المسلحة ضد النميري وسميت وقتها من قبل النظام: (غزوة المرتزقة)!!