بيساو: صوت الهامش
اليوم الـ 12 من ديسمبر، تحل الذكرى الـ 93 لميلاد أميلكار كابرال، قائد حرب التحرير في غينيا بيساو والرأس الأخضر، وأحد أشرس المناضلين الأفارقة ضد الاستعمار، وأحد أبرز المفكرين الثوريين في القارة الأفريقية والعالم.
وحرصًا من “صوت الهامش” على عمل إضاءات على الزعماء الأفارقة المؤثرين، لا سيما مَن كان منهم قريبا من الجماهير، فإنها تفرد مساحة للتنويه عن مؤسس غينيا بيساو، أميلكار كابرال – هذه القامة الثورية التي تستحق أن تُعرَف ويُحتفى بها من قِبَل كل الوطنيين والثوار الأفارقة الحقيقيين.
[quote]لنضع في اعتبارنا دائما، أن الشعوب لا تناضل من أجل مجرد أفكار؛ الشعوب تناضل من أجل مكاسب مادية، من أجل حياة أفضل في جو من السلام، من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم.[/quote]
ولد أميلكار كابرال في منطقة بافاتا، غينيا بيساو، لأبوين من الرأس الأخضر عام 1924. أبوه يوفينال لوبيز كابرال، معلم في مدرسة وناشط ضد الاستعمار. وأمه إيفا بينهيل إيفورا، خياطة وعاملة في مصنع أسماك. وهو في سن الخامسة، عادت أسرته أدراجها إلى جزر الرأس الأخضر حيث تميز أميلكار كتلميذ وكشاعر – حسبما ذكر موقع (ليبريشن سكول).
وقد اجتاحت نوبات جفاف متعددة جزر الرأس الأخضر في حقبة الأربعينيات قضى جراءها أكثر من 50 ألف إنسان جوعا. زاد الشعور بأثر الجفاف حدة أن البرتغال أظهرت لامبالاة حيال المعاناة. ساهمت تناقضات الحكم الاستعماري عبر أفريقيا في إلهام كابرال البالغ من العمر 20 عاما بالتعهد بشنّ حرب حياة أو موت في سبيل تحرير شعبه من نيّر السيادة الأجنبية.
وكان أنْ أعلنت الإمبراطورية البرتغالية عن تقديم مِنَح دراسية لطلاب من المستعمرات على أمل اصطفاء عدد من هؤلاء الطلاب وتدريبهم لكي يكونوا موظفين بالحكومة الاستعمارية. ونظرا لتميزه، حصل كابرال عام 1945 على منحة للدراسة في لشبونة حيث اتصل بطلاب أفارقة آخرين من المستعمرات البرتغالية من أنجولا وساو تومي وبرينسيب والموزمبيق.
[quote]يجب ألا نخفي شيئا عن جماهير شعوبنا. يجب ألا نكذب عليهم. يجب أن نكشف عن الأكاذيب إذا ما قيلت. يجب ألا نغطي على حقيقة أنّ ثمة صعوبات وأخطاء وإخفاقات. يجب ألا ندعي أن ثمة انتصارات سهلة.[/quote]
وجاء وصول كابرال إلى أوروبا مع نهاية الحرب العالمية الثانية متزامنا مع مرحلة جديدة من الصراع اجتاحت أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. في دولة بعد أخرى، شرعت الشعوب الخاضعة للاستعمار في المطالبة بالاستقلال. حتى المثقفين الذين تعلموا في أوروبا وظلوا ينوهون عن محامد الاستعمار وآثاره التقدمية، بدأوا في ترديد غير ذلك.
وعبر التفاعل مع نظرائه من المستعمرات البريطانية والفرنسية في أفريقيا، شكل كابرال مركزًا للدراسات الأفريقية عام 1948 في لشبونة. وعمل عن كثب مع أغوستينيو نيتو، القائد المستقبلي لأنغولا، وإدواردو موندلاني أول رئيس لجبهة تحرير موزمبيق وقاموا بدراسة النظرية السياسية بما في ذلك الماركسية باحثين عن حلول لمسألة الاستعمار الأفريقي.
وبعد تخرجه مهندسا زراعيا، عاد كابرال إلى بلاده غينيا التي جاب أنحاءها لدراسة طبوغرافيا التربة وما تنتجه من محاصيل زراعية منجزًا بذلك أول وأفضل دراسة علمية في هذا الصدد.
[quote]نحن لا نخلط بين الاستغلال أو المستغلين ولون البشرة؛ إننا لا نريد أي استغلال في بلادنا، ولا حتى من جانب ذوي البشرة السوداء[/quote]
وعبر الترحال في بيساو وأنغولا، ألمّ كابرال بالخصائص النفسية والاقتصادية للاستعمار والحياة الثقافية لشعبه.
إن معاناة المزارعين من الاستعمار عبر تعاملاتهم مع التجار البرتغاليين المستغلين لهم والمهينين لكرامتهم طبعتْ آثارَها العميقة على كتابات كابرال وأثرت على تصوره للطريقة التي يهزم بها الحكم البرتغالي في أفريقيا.
وقد رأى كابرال المصير المشترك للرأس الأخضر وغينيا، رغم محاولات البرتغاليين التفريق بينهما عبر تفضيل مواطني الرأس الأخضر كونهم أفتح قليلا في لون البشرة من الغينيين. وفي عام 1956 دشن كابرال الحزب الأفريقي من أجل الاستقلال، الذي أصبح فيما بعد الحزب الأفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر، معلنا كفاحا مسلحا مفتوحا على طول الطريق.
كان كابرال بمثابة موجة من مدّ عالمي مناوئ للاستعمار، فاستمد إلهامه من التجربتين الصينية والفيتنامية. وقد اعتقد كابرال أن الاشتراكية الثورية هي الحل الوحيد الأصيل المتاح أمام الشعوب الخاضعة للاستعمار.
واستهدف كابرال استغلال قوى الإنتاج الوطنية وتنميتها وتوجيهها للصالح العام. ورأى أن المقاومة الجماعية الشعبية، وليس التفاوض عبر النخبة المثقفة، يمكن أن تنجح في تنفيذ تلك المهام.
نظر كابرال إلى المزارعين باعتبارهم القوة الاجتماعية القادرة على إلحاق الهزيمة بالبرتغاليين. وعمد من فوره إلى مخاطبة المثقفين ودعوتهم إلى نبْذ ولائهم لعملاء الاستعمار والتكاتف بدلا من ذلك مع القطاعات الأكثر تعرضا للاضطهاد في المجتمع التي هي القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة على القيام بثورة اجتماعية.
اغتيل كابرال في الـ 20 من يناير عام 1973، قبل أشهر قليلة من انتصار شعبه على الاستعمار البرتغالي وإعلان استقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر.
وليس كابرال سوى حلقة واحدة في سلسلة من الثوار الأفارقة المتبصرين الذين اغتيلوا بأيدي الاستعماريين وأذيالهم من النُخب. وتضم تلك السلسلة أسماء أمثال: إدواردو موندلاني من الموزمبيق، وفليكس-رولاند موميه من الكاميرون، وباتريس لومومبا من الكونغو، وتوماس سانكارا من بوركينا فاسو، وكريس هاني من جنوب أفريقيا.
لكن أفكار أميلكار كابرال لا تزال قيمة وملهمة لحدّ اليوم؛ ذلك أنه بالإمكان القضاء على الثوار لكن من المستحيل القضاء على الثورة كما يقول فريد هامبتون الثائر الأمريكي من أصل أفريقي .