حسن احمد الحسن
بعد مرور سبعة وعشرين عاما من الحكم المطلق والتصرف في موارد البلاد دون رقيب او حسيب وبعد الفشل الذريع للحزب الحاكم في الخروج بالبلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية بعد سلسلة من التخبط في إصدار القرارات والخطط الفاشلة بشهادة قيادات الحزب الحاكم نفسه ” عبدالرحيم حمدي ” يقف الرئيس عمر البشير ليبرر إجراءاته الاقتصادية الأخيرة والتي وصفت بغير المدروسة ليقول دون حرج ” كنا أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ إما جراحة عميقة تحول دون انهيار الاقتصاد وبالتالي انهيار الدولة، أو اتخاذ هذه الإجراءات لإنقاذ الاقتصاد”
نفس العبارات التي قيلت قبل ثلاثة أعوام حين وقف وزير ماليته آنذاك على محمود ليقول في سبتمبر 2013 بعد إعلان ما سمي بسياسة رفع الدعم عن المحروقات ليقول ” أن التراجع عن قرار إنفاذ حزمة الإصلاح الاقتصادي، وعلى رأسها رفع الدعم عن المحروقات، سيقود إلى توقف الاقتصاد وفشل الدولة وإدخالها في اقتصاد الندرة”
وهي نفس العبارات التي رددها وزير المالية الحالي بدرالدين محمود وهو يعلن حزمة جديدة شملت زيادة في أسعار الكهرباء ، بجانب تحرير أسعار المحروقات البترولية وأسعار الصرف الخ .
مما يدلل على فشل الحكومة وفشل سياساتها الاقتصادية طوال أكثر من ربع قرن ويزيد في حين قفزت اقتصاديات دول في نفس الفترة لتحقق طفرة اقتصادية وتنموية كما حدث في ماليزيا وتركيا وحتى في أثيوبيا المجاورة .
غير أن المثير للضحك والاستغراب معا أن كثيرا من المسؤولين يبررون فشلهم الاقتصادي بمقارنة الوضع قبل انقلاب الإنقاذ بعد سبعة وعشرين عاما من الفشل في إدارة موارد البلاد بل وفي تبديدها ولو أنه تركوا الوضع كما هو عليه دون انقلاب لحدث تطور طبيعي في ظل النظام الديمقراطي خلال هذه السبعة وعشرين عاما ولحقق السودان مستفيدا من موارده طفرة تنموية نوعية أي كانت الحكومات التي تحكم في ظل الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون وأي كانت المشكلات السياسية التي تحيط بها وهي طبيعية في ظل نمو أي نظام ديمقراطي كما حدث في أكبر الديمقراطيات .
إن المقارنة حتما ستكون لصالح نظام ماقبل انقلاب الإنقاذ الديمقراطي الذي كان قائما لو استمرت تجربته التراكمية للآتي :
لن يكون هناك فساد وتلاعب بالمال العام ونهبه من قبل أهل السلطة لوجود نظام قانوني وقضائي مستقل . ولوجود صحافة حرة وإعلام حر.
ولن يكون هناك صرف من موارد الدولة على مؤسسات ومنظمات الحزب الحاكم ولن تكون هناك حروب لوجود إرادة شعبية ولن تكون هناك عزلة دولية تمنع عن السودان الاستفادة من المساعدات الدولية التي جمدت وهي مساعدات بمليارات الدولارات بسبب ملاحقة الرئيس جنائيا ولن يكن هناك تدمير لمؤسسات الدولة الاقتصادية كسودانير والخطوط البحرية وخطوط السكة حديد ومشروع الجزيرة لأنها محروسة بإرادة شعب حر وقوانين ديمقراطية غير مستباحة للطفيليين .
ولن يكون هناك فشل إداري بسبب وجود خدمة مدنية ذات كفاءة عالية ولن يكن هناك تشريد للكفاءات عبر دول العالم بسبب وجود عوامل طرد ممنهجة.
وفي ظل تلك الديمقراطية وسيادة حكم القانون وحرية الصحافة والاعلام كان للسودان الفرصة أن ينقب بتروله وينعم بثرواته المخزونة من البترول والذهب والمعادن وأن يطور موارده الطبيعية والزراعية دون نهب أو سلب أو فساد .
لكل هذه الأسباب وغيرها فإن حديث وزير المالية ردا على من قال رجعونا مكان ما كنا ليس صحيحا بل الصحيح هو مطلب السائل الذي افترض هذا التطور في ظل نظام ديمقراطي خلال فترة تمتد لسبعة وعشرين عاما هي عمر الإنقاذ الذي يتحدث قادته وكأنهم تولوا السلطة قبل عام وليس قبل ربع قرن تبريرا لفشلهم .
إذن فإن وقوع انقلاب الإنقاذ بشهادة الدكتور الراحل حسن الترابي قد أضاع على البلاد فرصة التطور الديمقراطي والتنموي والاقتصادي وبناء الكيان الوطني وبناء دولة إقليمية حاضرة في المجتمع الدولي ومؤثرة بمواردها وموقعها وقدرات شعبها .
فعندم سئل الراحل الترابي إذا قدر له أن يعود إلى عام 89 فهل سيقدم على إعادة تنفيذ انقلابه على الديمقراطية أجاب بـ لآ وأضاف مهما كانت أخطاء التجربة الديمقراطية فإنها كانت الأفضل ولا تبرر الفشل والأخطاء التي ارتكبها نظام الإنقاذ . ( حوار مع الترابي في قناة دريم المصرية عند زيارته للقاهرة عقب الثورة المصرية )
هل علم الآن وزير المالية لماذا يحلم السواد الأعظم من السودانيين بإن يعودوا إلى فترة ما قبل الإنقاذ ؟