مقبول الأمين (كوكامي)
وجه آخر من أنواع فساد السلطة المطلقة يطل علينا في القرن الواحد عشرين، في أروقة السياسة السودانية. متمثلة في إنشاء مجلس أعلى لشئون السلام، في الفترة الإنتقالية تهدف إلى إدارة شئون السلام بالدولة. و تتكون عضويتها على النحو التالي :
1/ خمسة من المكون العسكري،
2/ رئيس مجلس الوزراء،
3/ وزيرين في الحكومة القومية كمشرفين ليس لديهم صوت،
التشكيل بشكله الحالي يقود إلى إنشاء هذا المجلس بشكله الهلامي الصارخ، بالإضافة تغول المكون العسكري على السلطة وتهميش المدنيين، و سرقة ثورة الشعب في وضح النهار.
قبل الخوض في هذه المسألة علينا بالرجوع لتاريخ التمرد على السلطة المطلقة المستبدة.
للتمرد على السلطة المطلقة المستبدة تاريخ، وهو تاريخ تمرد العبيد على السادة، و إن يكن آخره المعلن قد انتهى بتحرير العبيد بعد الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال و الجنوب، فإن بدايته قد تعود بنا قروناً مضت لنسترجع قصة سبارتاكوس Spartacus، ذلك العبد الروماني الذي تنحدر أصوله إلى (إسبارطة) مدينة العسكر اليونانية. قاد سبارتاكوس تمرداً هائلاً في عهد الإمبراطور الروماني بومبي العظيم Grace Pompeiis Magnus، حدث أنه في 72 ق.م تمكن سبارتاكوس من الهروب مع سبعين أخرين من المصارعين الذين كانوا عبيدا يستمتع السادة برؤيتهم في حلبة المصارعة يقاتلون بعضهم البعض حتى ينتهي النزال بقتل واحد و فوز الآخر. هرب سبارتاكوس و زمرته وفروا عبر القرى و إنضم إليهم من كل مكان مروا به عبيد آخرون تواقون للحرية حتى وصل عددهم بضعة آلاف. فجأة شق حاجز الصمت الذى جرت خلفه المأساة الملهاة، و إنتبه السادة الذين كانوا يتسلون برؤية هذه المنازلات بين عبيدهم و يفاخر كل منهم بقوة عبده و مهارته التى تتجلى في كم ما يحوز من نذاله حتى يقتل غريمه الذي هو في الأصل عبد مثله كلاهما يذوق نفس المرارة.
فجاة إستيقظ السادة من سباتهم ليروا في ذلك الهروب الكبير تهديداً شديداً لحياتهم الكسولة الرتيبة و لنمط ثرائهم. جيش السادة الجيوش. قاد بوبيلكو أحد هذه الجيوش و قتل كريكسوس رفيق سبارتاكوس فأنتقم الأخير لرفيقه و هزم جيش بوبيلكو و لينيتولوس و أسر منهما ثلاثة ألاف مقاتل. قاد سبارتاكوس رفاقه العبيد المتمردين صوب الجنوب محاولا الإبهار إلى صقلية و هناك إنضم القراصنة إلى الجيش الذي قاده كراسوس أحد النبلاء الإغنياء، و تمكنوا من قتل سبارتاكوس صاحب أول تمرد في التاريخ للعبيد على السادة. وكان ذلك قرب نهر سيلر فى 70 ق.م تقريباً. لا نملك في نهاية هذه القصة المأساوية سوى أن نعرب عن شعور بالإعجاب بهذه الشخصية التى لم يفلح الواقع الظالم أن يطبع بصمته على نفسها الأبية. و ظلت زبالة ضوء الحرية تقاوم عاتى الرياح التى كادت أن تطفئها فلم تنطفئ بل توهجت و رسمت بنورها و نيرانها لوحة من اللوحات الخالدة لثورة إجتماعية كبرى حطمت قواعد الإستعباد المستقرة آنذاك في المجتمع الروماني و سطرت في التاريخ سابقة يرمقها بإعجاب و يتأسى بها كل المناضلين ضد فساد الاستبداد.
و لكي نزيل عن الحكاية السابقة ما تضفيه ضبابية رؤية الماضي، و ننفض عنها التراب المتراكم على الرقائق المدون عليها تاريخ مصفوف على أرفف المكتبات العتيقة. ننزع عن فساد الإستبداد أو السلطة المطلقة تيجان الملوك و عروش الأباطرة. لنرى نفس الداء قريباً منا و ليس بعيداً. لنراه خارج قصور الحكم و بلاط الحكومات العظمى. لعلنا نرى في الشارع السوداني فساد البلطجي، و في البيت تسلط الوالدين و في المدرسة إستبداد الناظر و تعسف المنهج الدراسي، و في الملعب إحتكار النجم، و في المؤسسة الحكومية المرتشي و المزور، و في دور العبادة تصلف رجال الدين. إنها كلها نماذج لفساد القوة المطلقة الذي يمارسها القلة و تخضع له الكثرة حتى يصبح الطرفان مشاركين في منظومة الفساد و الإستبداد.
الجلاد و الضحية بدونها لا تكتمل اللوحة التي نتأهب لمشاهدتها و تأملها عن كثب.
نعود لفساد السلطة المطلقة المتمثلة في النخبة الحاكمة في الدولة السودانية اليوم، وممارسة السيناريو المخجلة الغير مبررة. في إنشاء مجلس أعلى لشئون السلام خلال الفترة الإنتقالية مما يقود هذا المجلس الأعلى إلى تقليص مهام مجلس الوزراء و المجلس التشريعي المراد تكوينه و قفل الطريق أمام أي سلام قادم في الدولة. و قد أكدت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة القائد عبدالعزيز أدم الحلو، لجماهير الشعب السوداني ذلك في بيان و مؤتمر صحفي عقده السكرتير العام ووضح كل ملابسات تكوين المجلس و الغرض من تكوينه، و هذا يعتبر خرق سافر للوثيقة الدستورية و سرقة ثورة الشعب التى كانت شعارها (حرية .. سلام .. عدالة و الثورة خيار الشعب)
في الختام :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. لابد للليل أن ينجلي..
ولابد للقيد أن ينكسر..
ومن لم يرد أمد الحياة عاش طول العمر تحت الحفر.
حرية سلام عدالة والثورة خيار الشعب.
دمتم و دام نضالات الشعب السوداني.