عثمان نواى
رغم التحديات التى شابت بداية العملية التفاوضية لتحقيق السلام خاصة فى مسار الحل فى المنطقتين مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، الا ان الخطوات تسارعت فى اليومين الماضيين نحو التوصل الى اتفاقات اطارية تضع مزيد من الامل فى احداث اختراقات حقيقية. كما ان الجدية الملحوظة من كافة الأطراف توضح ان الجميع يدركون ان المصلحة المشتركة لكل الفرقاء السودانيين تتطلب وقف فورى وسريع للحرب فى سبيل الوصول لحالة استقرار تمكن الحكومة من جهة وأيضا المواطنين والقوى التى تمثل مناطق النزاعات من الانتقال من مربعات انعدام الأمن المستمر الى حالة من الاستقرار والسلام المستدام.
ويبدو انه مما يشيع التفاؤل بين أوساط المتفاوضين هو ان الجميع مدركون ان تغييرات جذرية واجبة الحدوث فى الدولة السودانية بشكل عام، حيث تتجاوز مجرد الجوانب الأمنية. ولعل الاتفاق بالأمس على وضع الأجندة السياسية فى قمة الأولويات وليس فقط الأجندة الأمنية هو مبعث للتفاؤل. خاصة وان اى حل جذرى للنزاعات فى أطراف السودان لا تستوعب ان الأزمة سياسية اجتماعية فى الأساس لن يحقق اى سلام مستدام. حيث ان مطالب السودانيين فى الدولة المدنية وشعارات الثورة فى السلام والحرية هى مبادئ رئيسية يمكن بوضوح البناء عليها لانجاح عملية انتقال سياسي كامل الى نظام دولة يحترم كل مواطنية بمساواة كاملة دون تمييز.
ان اى سلام او استقرار له اعداء حقيقيون يتربصون به ،وهم أصحاب المصلحة فى استمرار الحروب والنزاعات. وقد كانت الحروب إحدى مسببات بقاء الكيزان لأنهم كانوا يحاولون تخويف بعض السودانين وتفريقهم عن بعض عبر الترويج لفكرة ان الكيزان هم حماة الدين والأرض والعرض من المتمردين اعداء الدين وما الى ذلك من شعارات. وكل الحكومات السابقة حاولت دوما الترويج لنفسها كحامية للدولة المركزية من متمردى الأطراف. الا ان التغيير الاهم الذى تشهده عملية السلام هذه المرة هو ان القوى الثورية المسلحة هى نفسها شريكة فى عملية التغيير الذى حدث للنظام السابق ولذلك لم يعد ممكنا وصفها بأنها قوى متمردة او مهدد للدولة السودانية. بل هى قوى تمثل مجموعات سودانية واجزاء من أرض الوطن تحارب التمييز والقمع وليس الدولة لأنها دولة ،بل الدولة التى تمارس ذلك القمع والتمييز ضد مواطنيها.
الان الانتقال الحقيقي نحو السلام يتطلب إعادة تعريف شاملة لقوى المقاومة فى الأطراف على أنها شركاء فى عملية التغيير وبالتالى تنتفى اهم آليات إشعال الحرب وترويج الحماية الوهمية للدولة المركزية . حيث ان رغبة شعوب السودان المقهورة فى الأطراف فى التحرر والمساواة هى قيم عليا كان يجب ان تكون هى اساس الدولة السودانية منذ الاستقلال. وعدم بناء الدولة على أسس المواطنة المتساوية هو الذى اوصل الى عهود مستمرة من القمع لكل السودانيين على معظم الحكام، وآخرهم الكيزان.
حيث ان التاريخ يثبت الان ان شعوب السودان التى قاومت دوما دولة القمع والهيمنة ،والتى قاومت لسنوات وطالبت بالدولة المدنية الديمقراطية ودولة المواطنة كانت على الجانب الصحيح من التاريخ. حتى اتت ثورة ديسمبر وكانت من أهم شعاراتها ان ” الشعب يريد بناء سودان جديد”. فى ادراك كامل لحقيقة ان السودان بشكله القديم لم يعد صالحا لتحقيق امال هذه الاجيال التى اضطرت لدفع أغلى الأثمان لاخطاء النخب التاريخية منذ الاستقلال وليس عهد الكيزان فقط. ولازال هذا الجيل يقاوم ويطالب بتلك التغييرات التى تمكنه من الحياة الكريمة كمواطنين متساوين فى دولة القانون والحريات. لذلك عملية السلام هى التكملة الحقيقية لكل مجهودات التغيير الشامل التى يرغب بها كل السودانيين. ولذلك فإن ادراك هذه الحقائق حول عملية السلام هو المخرج الرئيس لتحقيق الشعب السودانى للدولة المدنية التى يريد.
[email protected]