محمد داؤد سليمان
الاقتصاد كعلم ومفهوم يتم تعريفه بانه العلم الذي يقوم بدراسة الموارد الاقتصادية، والموارد الاقتصادية هنا يعني الموارد التي لا يتوفر بكميات كبيرة قادرة علي سدة حوجة الطلب من قبل جماعة المستهلكين، والركن الاساسي في علم الاقتصاد هي الندرة اي عدم كفاية الموارد الاقتصادية علي اشباع الرغبات المتعددة والمتجددة، وهذا يعني ان وفرة الموارد يغنينا عن دراسته، وتهدف علم الاقتصاد من خلال تلك الدراسة الي تحقيق اشباع نسبي عن طريق توفير الموارد الاقتصادية للمستهلكين، ومن المعروف ان الاقتصاد بجانبيه الجزئي والكلي يعمل وفق اليات وقوانين معينة فان اي خلل يحدث يؤثر علي الجانبين الكلي والجزئي، ووفقا للنظرية الاقتصادية يتحقق التوازن الاقتصادي حين يتساوي العرض مع الطلب، ولكي يصل الاقتصاد الي هذه المرحلة يحتاج الي عملية تخطيط وادارة رشيدة، ومن اهم العوامل الداعمة للاقتصاد هو الانتاج والتي هو الاساس التي يقوم عليه بنية اي اقتصاد، فان غياب الانتاج في الاقتصاد يعني ان الاقتصاد سوف يواجه صعوبات جمة من اجل الوصول الي مرحلة التوازن التي بدوره يحقق الرفاه الاقتصادي لمواطني تلك الدولة.
الدارس للاقتصاد السوداني منذ عهد الاستعمار يجد ان الاقتصادد السوداني كان يعتمد بصورة اساسية علي الزراعة كمورد اساسي في الناتج القومي الاجمالي عبر المشاريع الزراعية التي انشأها المستعمر الانجليزي المصري من اجل دعم خزينة المستعمرة، ولكن مع خروج المستعمر شهد القطاع الزراعي تدهورا مضطردا جراء الاهمال من قبل الحكومات المرت علي سدة الحكم، خاصة بعد اكتشاف البترول في السبعينات من القرن الماضي، واستمر الوضع متدهورا الي اتي النظام الحالي الي سدة الحكم، التي قام بتدمير المشاريع الزراعة بصورة شبه كاملة، وكان النتتيجة النهائية خروج الزراعة عن المساهمة في الناتج القومي، بل وصل المشكلة الي مرحلة استيراد المنتجات الزراعية البسيطة من خارج البلاد ( بصل، توم، طماطم)، وكان اهمال القطاع الزراعي له نتائج وخيمة علي الاقتصاد السوداني خاصة بعد خروج البترول من قائمة الصادرات السودانية.
عند انفصال دولة جنوب السودان في 2011م، وقع معظم المناطق الغنية بالنفط داخل حدود دولة الناشئة (جنوب السودان)، هذه الوضعية الجديدة ادخل الدولة السودانية في ازمة اقتصادية بخروج اهم الصادرات من الاقتصاد، ومع غياب بدائل اقتصادية لها القدرة علي سد حوجة البلاد من الصادرات دخل الاقتصاد السوداني في حالة من اضطرابات بالاضافة الي عدم قدرة صانعي السياسيات الاقتصادية علي التخطيط الاقتصادي السليم، حيث قام الحكومة ببعض المحاولات من اجل ايجاد بعض المعالجات، مثل اللجوء الي القروض، فرض مزيد من الرسوم الجمركية، بيع بعض المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، بيع جزء من اراضي الدولة الي مستثمرين اجانب، ولكن معظم تلك المعالجات كانت فاشلة، ولم تساهم في ايجاد الحلول المرجوة منه، لان المشكلة الاساسية هي في الحكومة التي تدير البلد، حيث فشلت في ادارة البلد خاصة الجانب الاقتصادي والتي يعتبر الجوانب المهمة في الدولة، بوجود جيش جرار من الدستوريين الذين ياخذون اعلي الرواتب من الدولة، بالاضافة الي الصرف الغير الطبيعي للاجهزة الامنية، وانتشار الفساد المالي داخل اروقة اجهزة الدولة، وسياسة التمكين التي يتيح لمنسوبي الحكومة اخذ اموال الدولة دون اي مبرر قانوني، بالاضافة الي الديون الخارجية، وفوائده التي يجب ان تدفع وفقا للجدولة المتفق عليه مع الدول الدائنة، لان مسالة التاخير في سداد الدين يعرض الدولة في عقوبة عدم الوفاء في سداد الدين، والجانب الاخر الحروابات التي تشنها الدولة ضد المواطنين السودانين في المناطق الطرفية سوي كان جنوبا أو غربا، مع العلم ان تلك المناطق هي مناطق انتاج زراعي وحيواني، وبسبب الحرب خرج معظم انتاج تلك المناطق خارج حظيرة الانتاج واصبح المواطنين في تلك المناطق يعتمدون علي الاعانات والاغاثات من الاخرين.
ان الازمة الاقتصادية التي تشهده البلاد هي النتيجة الطبيعية لحالة التوهان التي اصاب جسد الدولة السودانية في كل النواحي ( الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية) ، وليس هنالك اي افاق لحل تلك المشكلات الا بذهاب من كان سببا في وجود وتفاقم المشكلات، حيث نري في هذه الايام صفوف في كل المرافق الاساسية للدولة، بداية بصفوف الوقود التي ياخذ فيه الشخص في بعد الاحيان يوم كاملا حتي يستطيع الشخص من الحصول علي جزء يسير من الوقود، مما ادي احداث اعطال في مرافق اقتصادية كثيرة، واصبح حركة المواطنين في المدن صعبة نسبة لعدم توفر وسائل المواصلات، كما سبب ازمة الوقود الي ازمة في توفير المياه خاصة الارياف مما ينزر الي مخاطر سوف يواجهها المواطنين والثورة الحيوانية، بالاضافة الي صفوف البنوك نسبة لعدم وجود السيولة النقدية في البنوك، وكان نتيجة ذلك تحديد مبالغ ضئيلة جدا لاعطاء الجمهور وعدم قدرة بعض المواطنين علي سحب اموالهم من البنوك قد تسبب كوارث لبعض منهم بل حدث وفيات لعدم قدرة توفير الاموال في المستشفيات.
الحلول التي ظل الحكومة السودانية يتبعها هي عبارة مسكنات للمشكلة الاقتصادية، وليس لها اي تاثير علي المدي البعيد، حيث يعتمد الحكومة في حلولها الاقتصادية علي مسالة الاقتراض من الخارج خاصة الدول الخليجية (السعودية، الامارات، القطر) التي لها شروطها المسبقة قبل منح القروض، مثل منحها اراضي في السودان، اوقطع علاقات الدولة السودانية مع بعض الدول ايران مثلا، او مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن وهذه الجانب اصبح مصدر ابتزاز خاصة هذه الايام، ومسالة وجود الجنود السودانيين في اليمن اصبح مسالة ارتزاق للحكومة السودانية.
القارئ للاوضاع الاقتصادية داخل حدود الدولة السودانية انه لا يوجد افاق يمكن تؤدي الي حلول اقتصادية في القريب العاجل، بل المسالة ينزر الي تفاقم المشكلة في مقبل الايام، مع الهبوط الغير الطبيعي للجنيه السوداني منذ عقد من الزمان، فان الحل الوحيد امام المواطنين السودانيين هو التخلص من هذا النظام التي ساهم في تفاقم المشكلات في البلاد، واحلال محله نظام ديمقراطي.
21/5/2018م
القاهرة
Mohamedj209@gmail.com