المجموعة السودانية للديمقراطية اولا
تطلع وكالات ومكاتب الاستخدام الخارجي في السودان بتوفير وظائف شاغرة للسودانيين للعمل في الخارج ، و التى كان عددها ، حتى وقت قريب ، لايتجاوز التسعة مكاتب . فقد تم تسجيل أول مكتب في العام(1992) ، ومع مطلع العام(2004) قفز عدد هذه المكاتب الى حوالي 400 مكتب و الى 630 مكتب بحلول عام 2013 و تستمرت أعدادها فى التزايد حتى الآن .
إن الرغبة الجامحة في السفر الى الخارج ، قادت إلى تزايد التعامل مع مكاتب الاستخدام الخارجي ، مما أدى إلى ظهورمكاتب وهمية أو غير مستوفاة لشروط وزارة العمل ، تعمل فى إستقطاب من يرغبون فى إيجاد فرص عمل خارج السودان ، كما ظهرت فى هذا المجال بعض الجهات مثل وكالات السفر والسياحة وسماسرة الفيزا ( الجوكيه ).
كما أن المنافسة الحادة بين الأعداد الكبيرة لمكاتب الاستخدام الخارجي بشقيها القانوني وغير القانوني فى إستقطاب الزبائن ، أوجد وضعيات افسادية متنوعة مثل الوعود غير الحقيقية بإيجاد فرص عمل ممتازه بالخارج مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة لهذه المكاتب و التى فى الغالب الأعم لا توفى بتلك الوعود . و عند ملاحقة الضحايا لهذه المكاتب للإيفاء بألتزاماتها نحوهم أو إسترجاع المبالغ التى دفعوها لها ، تلجأ هذه المكاتب للتسويف و المماطله و الكذب و الخداع لتغطية فسادها و لذلك تعددت شكاوى وبلاغات الضحايا ضد هذه المكاتب والوكالات بأقسام الشرطة فى العديد من المدن .
و نسبة لإزدياد العلرض و الطلب فى سوق العلمل الخارجى ، أقبلت وزارة العمل على تعديل شروط منح التراخيص لأفتتاح مكاتب جديدة وأصدرت القرار الإداري رقم 19 لسنة 2011 الذى حدد هذه الشروط والضوابط و هى كالآتي :
أن يكون مقدم الطلب سودانى الجنسية .
أن يكون لمقدم الطلب مكتب مستقل يستوفى المواصفات الفنية و بيئة العمل اللائقة التى تححددها اللوائح ، مثل مساحة المكتب و عدد الحواسيب والأثاث .
أن يدفع مقدم الطلب كفالة مالية قدرها خمسون الف جنيه .
أن لايقل مؤهل المدير التنفيذي للمكتب عن الشهادة الجامعية و مؤهلات بقية الموظفين عن الثانوى .
ان يكون مقدم الطلب قد حصل على توكيل من أحدى سفارات الدول التى ترغب فى إستقدام العمالة السودانية .
إلا أن كل هذه الضوابط القانونية وغيرها من الإجراءات لم تحدث تحسنآ أو أثرآ إيجابيآ فى عمل مكاتب الاستخدام فى تعاملها بصدقية مع طالبى العمل بالخارج ، رغم أنها قد أصبحت قبلة مهمه لمختلف الكوادر المؤهلة أو حتى التى لم تكمل دراستها ، بحثآ عن أى فرصة للعمل خارج السودان لتحسين أوضاعها المعيشية .
للوقوف على حالات الفساد هذه فلقد تم عمل مسح ميدانى لثمانى عشرة من مكاتب الاستخدام الخارجي حيث أن أول ما يشد الإنتباه هو خلو معظم هذه المكاتب من الأساس و معينات العمل الأخرى فى مخالفة للشروط إنشاءها حسب قانون وزارة العمل ، كما أنها مزدحمه حتى آخرها بالراغبين فى السفر للخارج و المستفسرين عن مثل تلك الفرص . و لإلقاء الضوء على عمل هذه المكاتب و الوضعيات الإفسادية التى تصاحب عملها ، فلقد تم توجيه بعض الأسئلة لأحد أصحاب هذه المكاتب و الذى كانت إجاباته كما يلى :
ما هو الفرق بين مكاتب الاستخدام و وكالات السفر ؟
الإجابة : مكاتب الاستقدام والاستخدام الخارجي و التى تعمل تحت الإشراف المباشر لوزارة العمل ، هى ماكتب تعني بتوفير فرص عمل خارجية للراغبين كما أنها تعمل على التنسيق مع أصحاب العمل بالدول المعنية بإستقدام العمالة ، بالأضافة لوجوب حصولها على تفويض من سفارات هذه الدول بالسودان . أما فيما يختص بوكالات السفر فهي تعمل تحت إشراف وزارة السياحة في مجال حجز التذاكر وتنظيم الرحلات السياحية وخدمات اخرى مثل حجز الفنادق.
كيف تتم عملية الخلط بين عمل الوكالة ومكتب الاستخدام الخارجي ؟
الإجابة : إذا تمكنت أى وكالة من إيجاد فرص عمل خارجية و عقودات عن طريق إتصالاتها الخاصة ، فيصبح لا فرق بينها وبين مكتب الاستخدام سوى بعض الإجراءات ، حيث تحتاج الوكالة الى خطاب عدم ممانعة من قبل مكتب العمل التابع لوزارة العمل ، كما تحتاج أيضآ لمساعدة من مكتب أستخدام لديه تفويض من سفارات الدول المعنية بإستقدام العاملين.
في رأيك ماهو سبب إرتفاع أسعار عقودات العمل ؟
الإجابة : السبب هو الجشع لدى اصحاب المكاتب والوكالات و كلما ارتفع الراتب في عقد العمل ترتفع تبعاً لذلك قيمته ، كما أن للسماسرة دور كبير في ارتفاع هذه الأسعار لأنهم يقومون بشراء هذه العقود و من ثم بيعها بقيمة تصل لضعف سعر شرائها أحيانا.
كيف تتم عملية توفر و بيع الفيزا المزورة ؟
الإجابة : هنالك العديد من الطرق ، ففي بعض الأحيان يكون ذلك عن طريق الغش و الإحتيال حيث تبذل الوعود من قبل هذه المكاتب للراغبين فى السفر و يتم إقناعهم بدفع كل أو جزء من قيمة عن طريق دفع قيمة عقد عمل أو الفيزا . و تستمر عمليات التسويف و الخداع من خلال تمديد فترة الأنتظار بحجة أن المعاملات ما زالت تحت الأجراء بغرض شراء الزمن لحين تدبير تغطية أخرى . و حين تزداد الضغوط من هؤلاء الضحايا يختفى موظفى الوكالة و يغلق المكتب . فى أحايين أخرى تتم الخدعة عن طريق السماسرة بطرق عديده .
فمثلآ إن كان لدى مكتب الأستخدام تفويضآ من صاحب العمل و السفارة لتأشيرة لإستقدام ثلاث موظفين أو عمال ، يقوم صاحب المكتب باعطاء نسخة من مستندات أحدى هذه الفرص لأحد الراغبين في العمل والذي تم الاتفاق حوله مسبقا بين المكتب وصاحب العمل . وبعد مغادرة هذا الشخص للمكتب وشروعه في اجراء الفحص الطبي ، يحصل السماسرة على نسخة أخرى لنفس مستندات هذه الفرصة و فى بعض الأحيات بالأتفاق مع صاحب المكتب ، حيث يتم بيعها لشخص آخر من الراغبين . عندما يذهب الشخص الذى حصل على النسخة الثانية المزورة للسفارة لأكمال أجراءات الفحص والتفويض ، فهذا لا يثير شكوكآ لدى موظفى السفارة المعنية ، لأن التفويض الأساسى يحمل ثلاثة فرص و هكذا تعطى تأشيرة لصاحب الوثائق المزورة.
إلا أن حالة الفساد هذه تتبدى بشكل قبيح عندما يصل هذا الشخص لبلد الإستقدام و يتفاجأ صاحب العمل أنه القادم ليس هو بالشخص ذو المواصفات و التأهيل المحدد الذى تم الأتفاق عليه مع مكتب الأستخدام فى السودان.
هل هنالك حملات تفتيش من قبل الجهات الحكومية لمراجعة تراخيص وسير العمل سواء فى الوكالات أو مكاتب الأستخدام؟
الإجابة : لم أرى ولم اسمع عن حملات تفتيش دورية نإلا حينما يقوم هؤلاء الضحايا هذه المعاملات الفاسدة لأقسام الشرطة و فتح بلاغات ضد هذه المكاتب و الوكالات الفاسدة ، حينها فقط تتدخل الشرطة وتأمر باغلاق هذه المحلات إن لم تك قد أغلقت طواعية من قبل أصحابها خوفآ من ردود أفعال الضحايا .
غنى عن القول أن لهذه الوضعية الافسادية آثار سالبة متعددة وخطيرة ، أولها الأثر النفسي الذي يتولد عند الضحايا . فقد يلجأ الشباب في مثل هذه الحالات ، وتحت تأثير حالة الإحباط هذه و الفشل فى تغيير واقعهم و تحسين ظروف أسرهم المعيشية من خلال العمل بالخارج ، إلى العديد من الممارسات غير الحميده و الإنزواء و البعد عن المجتمع و الأسرة ، كما أنها تزيد من معاناة الأسر التى تبذل أقصى ما فى وسعها لتجميع الأموال المطلوبة لسفر أبناءها للخارج فى ظل ظروف إقصادية و معيشية ضاغطة .
للحد من هذه الوضعية الافسادية ومقاومتها ، يتوجب على وزارة العمل مراجعة و تفتيش تراخيص مكاتب الاستخدام الخارجي بشكل دورى و تشريع المزيد من اللوائح والضوابط التي تضمن حقوق الراغبين فى العمل بالخارج ، مثل أستحداث آليات وطرق للتحصيل المالي تمكن من أسترجاع هذه الأموال أذا أخل أحد الطرفين بشروط المعاملة ، و توضيح النسبة التى يتقاضاها المكتب عند توفير فرص العمل خارج البلاد .
كما ينبغى على الشباب وخاصة الخريجين وذوى الخبرات ، التدقيق فى كل التفاصيل الخاصة بفرص العمل بالخارج قبل الشروع فى الأتصال بهذه المكاتب و يشمل ذلك صحة البيانات ، ترخيص و مصداقية هذه المكاتب ، صحة البيانات الوارده فى العقود ، فحص التأشيرات و التأكد من صحتها …… الخ .
أخيرآ ، من المهم أيضآ أن تنشط منظمات المجتمع المدنى و الأجهزه الأعلامية فى تنوير الشباب و الأسر بتفاصيل حالات الفساد هذه وعن الأجراءات الصحيحة التى من المفترض أتباعها قبل الشروع فى دفع أى مبالغ مالية . كذلك ينبغى على جمعيات و منظمات المحامين التبرع بوقتها للدفاع عن الضحايا و مساعدتهم فى تقديم تظلماتهم للجهات القانونية و متابعة إجراءانها مع الأجهزة العدلية و أجهزة تنفيذ القانون لأنصاف الضحايا و إسترداد حقوقهم و معاقبة المفسدين .