الخرطوم ــ صوت الهامش
لكى يتم التقدم للأمام بالسودان، طالب الكاتب الصحفي عثمان نواي، تشريح وفهم وإدانة ”تغييب التحليل الاجتماعى لتركيبة علاقات السلطة والثروة فى السودان عن نقاشات السياسة“ وتفكيك البنية الاستغلالية لهيكلة لدولة، ورصد وتوضيح المستفيدين والخاسرين بدقة ليتم إعادة بناء هيكلة الدولة بطريقة صحيحة تنجح في إشراك كافة مواطني السودان فى البناء كشركاء وطن ذوى حقوق كاملة.
ذكر أن تغييب التحليل الاجتماعى لتركيبة علاقات السلطة والثروة فى السودان عن نقاشات السياسة والحكم، غطى بصورة ممنهجة لاستمرارية النظام المعطوب لبنية الدولة الريعية خدمة لمصالح شبكات محدودة مهيمنة.
وشدد الكاتب، على أن أي عملية ديمقراطية لا تحتكم الى عملية إشراك المواطنين فى الوصول إلى الموارد والتنمية الاجتماعية والاقتصادية بنفس قدر الوصول إلى الحقوق السياسية، لأنها عملية تجميل لنظام مشوه وفاشل واستغلالى.
زاد بالقول : إن الشجاعة تقتضي مواجهة الخلل فى بنية وهيكلة الدولة منذ لحظة بناءها، وتطبيق تحليل اجتماعى لشبكات المصالح المستفيدة منها بهذا الشكل المعطوب منذ الاستقلال، وقبل ذلك، الإجابة علي سؤال كيف يحكم السودان فى شكله السياسي الذى يحاول إخفاء المصالح الاقتصادية والتحيزات الاجتماعية والثروة والسلطة الموروثة من خلالها تحت غطاء مشاركة سياسية سطحية لا تشمل المشاركة فى الموارد والسيطرة عليها او تفتح النقاش حول إمكانية إعادة تقسيم ما تم الهيمنة عليه منذ عقود من قبل فئات معينة.
بشأن العدالة الانتقالية التي يحتاجها السودانيين لتحقيق تحول ديمقراطي مستدام فى بلادهم، قال نواي، إن العملية الشاملة تتجاوز العمليات المقتصرة على العدالة الجنائية، والانفتاح لعدالة الاجتماعية والمساواة الحقيقية فى المواطنة والمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتجاوز محتوى الورش والتدريبات الضعيفة التى تعرف المفاهيم وتترك الممارسات، وتجنب النقاش حول الأسئلة الصعبة.
وذكر بأن السودانيين، حاولوا عبر عمليات التفاوض أو الاقتتال، أو الثورة والانقلابات العسكرية، الإجابة على تساؤل كيف يحكم السودان، ولكن دون النظر إلى الطريقة التى تم حكم بها منذ الاستقلال، وأضاف أن الإجابة على تساؤلات كيفية حكم السودان مستقبلا تبدو بلا جدوى، وعندما يتم الحديث بشكل مسهب عن أزمة الحكم بما فى ذلك هيكلة الدولة، يتم تجاهل الحديث عن هيكلة المجتمعات السودانية التى تحاول تلك الدولة حكمها.
وأشار في مقال له طالعته صوت الهامش، إلى أن الدولة السودانية تهيكلت لتماثل بنية المجتمع السودانى المقسم اثنينا وثقافيا وسياسيا وتمكنت القوى الاجتماعية والاقتصادية الأكثر قوة على الهيمنة على القيادة، والسيطرة على المجتمع، مما عكس الانقاسامات، بما فى ذلك هيكلة العلاقة بين الدولة وبين المواطنين.
تابع قائلًا : ”نقصد القوى المجتمعية القائدة الممثلة فى القيادات الطائفية الدينية والقيادات القبلية والتى توارث أبنائها عبر التعليم والوظائف فى عهد الاستعمار، قيادة مؤسسات الدولة سواء عبر الحكم أو عبر المؤسسات الإدارية والخدمية التى تتبع للدولة.“
بعد الاستقلال قال نواي، إن الجيش دخل كعامل جديد فى لعبة القيادة المجتمعية كممثل للسلطة الحديثة المسيطرة على السلاح والحق الشرعى فى استخدام العنف حسب قواعد الدول الحديثة، واستبدل تلك المجموعات القتالية المصغرة التى كانت تتبع للقيادات القبلية او الطائفية الدينية وتحمي مصالحها فى اطار سيطرتها الجغرافية المحدودة.
استدرك بالقول : ولكن الجيش أصبح مؤسسة تحمى كامل الإطار الجغرافي للسودان، وهذه فرصة نادرة لم يكن يتصور أولئك القادة التقليديون الحصول عليها، اى الوصول إلى قوى قتالية قادرة على حماية مصالحهم فى كامل اراضى السودان وليس فقط فى اطار مناطقهم الجغرافية المحدودة، ولذلك كان الجيش بالنسبة لتلك القوى الاجتماعية وسيلة توسع للهيمنة وحصد المكاسب دون خوف، وعلى امتداد جغرافية السودان.
وأبان أن هذه القوى التقليدية فى حاجة إلى السيطرة على الجيش وقد حدث ذلك عبر فترة قصيرة من السنوات أصبح فيها الجيش احد اهم المهن التى يتوجه إليها أبناء القيادات المجتمعية التقليدية او يوجهون إليها بعض الأفراد من الموالين لهم.
ويضيف الكاتب، أصبحت مؤسسة الدولة المسيطرة على العنف، هى أيضا أداة فى يد شبكات القيادات المجتمعية التقليدية وأهم وسيلة لحماية مصالح تلك الشبكات على طول البلاد وعرضها، ولم تتوانى في استخدام الجيش وآله العنف الشرعية فى محاولات الاخضاع والسيطرة على المناطق خارج سيطرتها التقليدية، فى سبيل اخضاع المجتمعات بالقوة وحصد الموارد باقل التكاليف، بسبب ذلك نشبت حروب بلا هوادة، وأصبح الجيش أهم مؤسسة تجارية تخدم مصالح أفراد داخله وشركائهم من شبكات السيطرة المجتمعية.
أما الاقتصاد فى شكله الحديث، فيقول نواي، إنه قد تمت السيطرة عليه عبر علاقات المحاباة والحكم غير مباشر للاستعمار الذى بذل العطايا لشركائه فى الحكم بالانابة عنه، حيث نصب عدد من القيادات المجتمعية التقليدية سواء قبلية أو طائفية فى بنية حكم غير مباشر واجزل لهم العطاء وفتح لهم أبواب التواصل مع الاقتصاد العالمى الحديث.
تابع قائلًا : (فتمكنوا من توسيع ممتلكاتهم التقليدية من الأراضي الزراعية وتوسعوا فى السيطرة على مجالات الاقتصاد الحديث المرتبط بالعالم خاصة الاستيراد والتصدير، ومنذ الاستقلال اتسم الاقتصاد السودانى بطبيعة راسمالية، حيث كانت سيطرة الدولة عليه محدودة جدا، إلا فى إطار توجيه موارد الدولة نفسها لمنفعة المصالح الاقتصادية لشبكات المصالح من القيادات المجتمعية.)
على خلفية ذلك يرى الكاتب، أنه لم يتم بناء دولة ذات طبيعة خدمية للمواطن، بل كانت دوما دولة جباية فشلت فى وضع بنية تحتية أو بناء صناعات كبرى، وطبيعة الاقتصاد فوضوية، وفتحت مجالات أوسع لاستخدام موارد العامة لخدمة بناء ثروات خاصة دون مراقبة وغابت الدولة الخدمية.