ابريل شهر الرحيل قاب اسبوعين او أدنى من الوصول، وعامان من النصر المؤزر قد انصرما، ولم نر قصاصاً لدماء الشهداء قد طال رؤوس النظام البائد التي اينعت داخل سجونها، ولم يفتح الله بقاض فاروقي يفرّق بين الحق والباطل ليضع حد السيف على رقاب القتلة، هل هي لعنة الدورة الخبيثة لتداول دولاب الحكم بين الأكلة منذ الاستقلال؟، أم أن العلة في الشخصية السودانية عامة سواء كانت موجودة داخل قصر السلطان أم عائشة على ظهر دابة تمخر عباب البر والبحر تكد وتكدح من أجل مستقبل الصغار القادمين؟، ما العيب الذي أخّر عملية إماطة الأذى عن الطريق طيلة هذه السنين؟، لابد لعلماء السودان الدينيين والدنيويين أن يعقدوا مؤتمراً يحددوا فيه مكمن العلّة، فالحالة السودانية اعيت الطبيب المداوي وارهقت العقول المطببة، والهمت العالم المفكر فألف سفر (النخبة السودانية وادمان الفشل)، وحيّرت الجاهل الموتور فقال قولته المأثورة (الفشل يولد الفشل)، هذه المساحة الكبيرة الحاوية للمتردية والنطيحة ومأكولة السبع والسليمة العقل والذوق، تعج بالاصوات والافعال المتناقضة منذ ان خلقها الله، فطحينها دائماً يأتي ممحوق البركة وقليل الفائدة.
الحاملون لدرجات الاستاذية لا حصر لهم ومالكو ناصية الحبروالتنظير من امثالنا خضبوا بمداد اقلامهم حائط الماضي والحاضر والمستقبل (اللسة سنينه بعاد)، الشاشات البلورية مكسية بنقاء وجمال الصورة والطرقات غطتها الاوساخ والاتربة ومياه الصرف الصحي، الأثرياء يخرجون من باذخ البنيان ليطأوا سيل مياه الماسورة المكسورة امام منازلهم المؤثثة بالأثاثات المستوردةمن ايطاليا، العلّة تكمن في الحاكم والمحكوم والعالم والجاهل والمتعلم والأمي – وربما يكون الأمي فينا هو أصلحنا، ظاهرة رمي الاوساخ على ارصفة الطرقات يفعلها الجميع، فلا يكلف احدنا نفسه جهد نصف دقيقة ليقذف بالقارورة الفارغة في مكب النفايات، مؤتمر لقوى الثورة بعد اسقاط الطاغية كشف عن فضيحة اخلاقية كبرى داخل قاعة الاجتماعات بعد فراغ المؤتمرين من مداولات الترف الفكري، الفضيحة تتمثل في تركهم للفارغ من حافظات المياه على بلاط القاعة، لم يقم احد باصطحاب قمامته معه الى خارج بهو القاعة، البناء الوطني يالقمان الحكيم يبدأ بترتيب بطانياتنا بعد النهوض من الفراش صباحاً – مقولة لأحد الحكماء –وليس بربطة العنق الأنيقة لضيف برنامج الحوار الهادف الى بناء الأمة.
عامان مضيا والحال هو نفس الحال، كنس رموز النظام البائد لم يتم ولن يتم والسبب في ذلك هو نمط سلوك الفرد السوداني والجماعة، وتداخل واختلاط العام بالخاص وعدم الفصل بين الجدوالهزل احد اهم ركائز الهدم الوطني لدى الشخصية السودانية، كلنا ولا استثني منا احد له علاقات وصلات رحم واواصر مع كوز اوكوزة نتستر عليه وعليها، لدينا تصور عنصري وجهوي تجاه تعريفنا لماهية الكوز، يفتضح عندما تحين لحظة الجد وحينما يأتي ميقاتقطع رقاب القتلة والمجرمين قصاصاً، فكل واحد منا يبريء القريب من سدنة الطاغية ويلبس ثوب الشيطان للبعيد – تأخير محاكمة الشهيد الاستاذ احمد الخير، بعض اهل دارفور يدافعون عن الكوز علي الحاج ويستميتون في تبرئته من أكله لأموال طريق الانقاذ الغربي الذي عجز هو في الدفاع عن نفسه حول قضيته، وينجحرهط العباس شقيق الطاغية من حماة بوابة الثورة في اخراجه عزيزاً مكرماً عبر باب المطار، فالكل لديه تصور يختلف عن تصور الآخر حول تصنيف الكوز ووصف هذا الكائن الشياطيني المرجوم، وترتفع لهجة الغضب والسباب والشتم تجاه السفاح نافع علي نافع بطريقة هيستيرية من جهات وقبائل وطوائف خارج دائرة وجوده الجغرافي، اما اهله فيمارسون فقه التقية امام الناس باتباع المثل – الاضينة اضربه ثم اعتذر له.
الاسافير تناولت خبر مفاده قيام رئيس الوزراء بتعيين أحد اقاربه الكيزان في وظيفة عليا بجهاز الدولة، وشبهة اخرى طالت احد اعمدة لجنة ازالة التمكين، بدفاعه المستميت عن صهره الكوز الشاغل لوظيفة كبيرة بالشركة السودانية للموارد المعدنية، يبدو أن مقولة (استبدلنا التمكين بتمكين آخر) ستجد حظها من الانتشار والتحقيق والرصد والمتابعة، واخشى أن تتحول جملة (الكوز سلوك) الى (كل سوداني كوز) لأن رموز الشيوعي والبعث والمؤتمر والامة والاتحادي وغير المتحزبين بدت عليهم علامات هذا السلوك،بحسب ما نضح من اناء الشراكة الانتقالية الجامعة لكل الوان الطيف، وحتى يخرجوا من هذا التصنيف عليهم ان يقتدوا بالقاعدة الفقهية (الولاء والبراء) في تحديد علاقاتهم مع هؤلاء الكيزان الشياطين الرجيمين، وليعلموا أن الفترة الانتقالية لها استحقاق جوهري وأولي وعلى رأس كل الأولويات، وهو محاكمة رموز النظام البائد محاكمة حقيقية لا تخرج نتائجها من دائرة احكام الاعدام والمؤبد، والا فالوصمة والعار الكيزاني سيلاحق متسلقي الثورة من الانتهازيين والمتبطلين والعطالى، وصدقوني اذا لم يحسم ملف العدالة سيهتف الناس قريباً عائد عائد يا بشير، فالكوز الواضح اهون على الثوار من الكوز المندس، تخيل معي صورة بعثي يهتف (لا لدنيا قد عملنا)، مثل هذا الشخص جاء بما هو ابشع مما فعلهالكوز الكبير علي عثمان.
اسماعيل عبد الله
23 مارس 2021