يعتبر الانسان كائن يستطيع أن يتحكم في إرادته بنفسه, ولا يستطيع أحد اً خر أن يملئ عليه أو يفرض قوانيناً تقيد حريته و تقف ضد رغباته و تطلعاته واحلامه, لرسم خارطة مستقبله و كيفية إدارة نفسه بالطريقة التي تشعره وتجعله يتمتع بكامل الصلاحيات والقرارت في الحقوق والواجبات .
ولكن حينما ينتزع منه هذه الامتيازات ويجد نفسه مقيداُ واسيراً لرغبات شخص أو أشخاص اُخرين , هنا تكمن المشكلة الفعلية والحقيقية و يبدأ النزاع والصراع الداخلي أولاً , وذلك في محاولة لإثبات الكينونة والشخصية المستقلة والتي تبدي الرأي ويتوقع من الاخر إحترامه وقبول الرأي الاخر . ولقد أثبتت التجارب عبر العصور والأزمنة فشل كل الانظمة الدكتاتورية في إدارة الإنسان أو البشر بهذه الطريقة, إبتدأ من الأسرة والمدرسة أو المعابد و الكنائس و المساجد و ايضاُ في المجتمعات المختلفة والحكومات. .
ولما كان لابد للأنسان أن يعبر عن ذات وإردته تخرج هذه الانفعالات والمشاعر الداخلية وتنفجر في ثوره متحركة بإندفاع تطفو إلي الخارج ,ولربما تكون سلمية أو عنيفة ولكن في أخر المطاف إيا أن كانت نوع هذه الثورة فهي في الاخر تعبير شخص لتحقيق ما يصبو إليه ويريد فعله دون تكبيل أو قيود قد تعيق تمتعه بالحرية والامان والسلام والاستقرار النفسي والذهني و البدني.
لذا كان لزاماً عليه أن يثور ويخرج من طور السكون إلي عوالم المغامره, والخوض في غمار تجربة محاولة الهروب من واقع التقييد الذي صار شركاً منصوباٌ في طريق حريته وفي ذاكرة مخيلته والتي لم يجد منفذ للخروج من ذلكم النفق المظلم والذي أصبح حجر عثره للعديد من الناس فاستسلم البعض منهم للعبودية والإنصياع والتبعية للذين في موقف القوه والقدره والإمكانيات المادية.
المادة طغت علي كل شئ حتي علي الكرامة الانسانية و الشرف الباذخ وجعل كثير من الناس عديمي الاحساس تنتهي بهم المقام أن يعيشوا ليس حسب إرادتهم بل كما يريد الاخرون ويشكلون لهم لوحة حياتهم بالالوان التي يريدونها و كما يحلو لهم . ليس لشئ غير أنهم سلبت منهم الإرادة ومات في داخلهم ضمير الإنسانية فصاروا لا حولة ولا قوة لهم فأجبروا أن يكون تحت رحمة الاخرين.
كلما ذادت الضغوطات علي الإنسان فكر في كيفية التخلص من هذا الضغط بطريقته الخاصة إن كان إجاباً أو سلباُ . من هنا إنطلقت الثورات التحررية والتي تؤمن بالتغير للأفضل في يوماً ما وبمقدرة الانسان من أن يغير ويبدل واقع الأحوال و يقلب موازين الظلم والقهر والجبروت إلي العدل والإنصاف وإلي الحرية والأمن والإستقرار الذي يشكل معناً للديمقراطية الحرة التي تفسح مجالاً ليبذغ فجر الخلاص وتشرق شمس الحرية وتلوح في الافق البعيد بشريات السلام العادل القائم علي أسس العدالة والمساواة وتعطي حرية التعبير والإقامة والتنقل و الحركة .
السودان هي واحدة من دول العالم الثالث والتي مازال يمارس حكامها منذ أمد بعيد كل أشكال وأنواع التطرف و الدكتاتورية القابضة المتغطرسة و البغيضة .مما جعلها من أكثر الدول تخلفا , و تذداد فيه الصراعات والنزاعات يوماُ بعد يوم, تلكم الحروب التي دمرت كل شئ وهي ليست صناعة اليوم , بل نتاج ممارسات المستعمر الذي خلف ورائه بسياسته المرسومة هذا الواقع المرير الذي نعيشه اليوم من نعرات قبليه وتميز علي أسس إثنية ودينيه و طائفية وجهوية .وصار هناك مركز وهامش , سيد وعبد ,غني وفقير ,متسلط ومسلط عليه ,أنتهازي وثوري , متفأئل ومتشائم .
كل هذه التراكمات هي حقيقة واقع معاش يريد الكل الخروج منه ولكن هيهات لنا أن لم نجد النفق و شعاع الضوء سنظل في دوامة عجلة الزمن القاسي المرير . ما لم تتوفر فينا الإرادة القوية لتغير الواقع ومالم يتحرك كل مكونات الشعب السوداني ليقف ضد هذا النظام الطاغي والمتجبر ,الذي زرع الخوف والهلع والرعب وسط الشعب السوداني ,هذا النظام البغيض الذي مارس أبشع انواع التعذيب والقتل والأرهاب وزج بالمناضيلن من الداخل في سجون ومعتقلات و بيوت الاشباح .وأقام حروب علي أبناء الهامش السوداني في جميع اركانه علي اساس عنصري . وقييد الحريات وسن قوانين مجحفة في حق الشعب يلبي فقط رغباته ويمكنه في البقاء في السلطة لسنيين طوال .
إذاً لن نجد سلاماً وأمناٌ وإستقراراً طلما هناك أقلية دكتاتورية متجسده في النخب الشمالية مسيطره علي زمام الأمور وجاسم علي صدر هذا الشعب المقهور والذي ضاق ذرعاً وهو يعاني ويلات الحرب لاكثر من نصف قرن .
جاءت الساعة بل هي الاٌن ,حيث ينبغي لنا أن نهب ونثور في وجهه كل من سولت له نفسه المساس بكرامة شعبنا وتمزيق هذا الوطن إلي أشلاء . ها هي جنوبنا الحبيبة قد ذهبت مأسوف عليها بفضل سياسات المركز الذي لم يجعل من الوحدة خياراً جاذباً ,بل سعي لزرع بذور الفتنة و لتمزيق النسيج الاجتماعي وتشويه صورة الاسلام بممارسة التطرف ودعم الإرهاب وأيواء الارهابيين , مما جعل السودان أن يكون في عين المجتمع الدولي في مقدمة قائمة الدول الراعية للإرهاب وقادتها مطلوبون عند المحكمة الجنائية بتهم تتعلق بجرائم القتل والابادة والتشريد والتجويع , و بإستخدام الطعام كسلاح ضد المدنيين العزل .وهذه الجرائم ترقي الي مستوي جرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعية.
لقد سعي هذا النظام العنصري أن يوسع الهوة بين مكونات هذا الشعب و ذلك بنشر ثقافات لا تمد لشعبنا ولا لهذا الأرض العظيمة بصلة ,حيث سعي و مازال يسعي في ممارسة عملية الإقصاء للاٌخر وهو يحاول جاهداً بكل ما أوتي من قوة أن يجعل من السودان دولة عربية و إسلامية دون مراعاة للتنوع الإثني والثقافي والديني لهذا الوطن القطر القاره . والعجب في الامر ان هنالك من أبناء هذا الوطن في مناطق الهامش السوداني يساندون و يقفون بقوه جنباً إلي جنب مع هذا النظام ويؤيدون أفكاره وأطروحاته و ايدلوجيتة المسمومة والمشوه لواقع و لإرث وحضارة الثقافة السودانية .
لقد ظل هذا النظام متشبساً بمقاليد الحكم منذ أن جاء إليها بقوة السلاح في الإنقلاب العسكري في العام 1989وإستمر إلي يومنا هذا .كان ذلك بتخطيط وترتيب وإستراتجيات الإسلامييين بزعامة الراحل والعقل المدبرالشيخ / حسن عبدالله الترابي لفرض الايدلوجية الإسلامية ودعم الفكر المتتطرف في الهوية الاحادية الإقصاية . ولكن لم يتوقع الراحل الترابي يوماً من الايام أن يبعد من إدارة والتحكم في السلطة بعد أن أتي بما يسمي بالإنقاذيين الذين هم صنيعته . فكان جزاء لفعلته هذا أن يكون مكانه معتقلات النظام والسجون والذي هو من بنات أفكاره .
ذهب الترابي مخلفاً ورائه أزمة كبيره في البلاد الذي هو السبب الرئيسي فيه. فخير شاهد علي هذا إنفصال الجنوب وإندلاع الحروب في أقاليم دارفور والنيل الإزق وجبال النوبة/ جنوب كردفان و ظهور ثورة في شرقنا وتململ الوسط في تظاهرات سلميه والتي دائماً ما تنتهي بالبطش والقمع والإخماد . مازالت المعارضة الداخلية تحاول أن تفعل شيئاً لتحرك ساكن الشارع السوداني ولكن يجابه هذه المحاولات من قبل مليشيات و أجهزة أمن النظام والتي مهامها الرئيسي حماية النظام من الايول و السقوط وبقائه في سدة الحكم رغم أنف الشعب . فالشعب يريد إسقاط النظام ولكن علي ما يبدو لم يستطيع ان يوحد كلمته إلي الان, فهو يحتاج إلي من يستطيع أن يفعل ذلك ويلم شملهم وأن يسموا بهم إلي مراقي الثورية و الوطنية والشعور بالإنتماء إلي هذا الارض الذي صار طارداً لإبنائه مما حدي بهم الرحيل إلي بلاد الغربة التي هي الاَخري لم تسعهم بل عاشوا فيها مجبرين راضين بالذل و الهوان ويعاودهم الحنيين إلي الوطن ,لكن في اَخر المطاف يفضلون المكوث هناك لا لشئ غير أنهم لايريدون أن ينتابهم تلك الشعور بأنهم غرباء في طنهم . منتظرين العودة في رحلة الإياب إلي موطنهم الأصلي عندما يتأكدون أن هذا النظام قد سقط أو تنحي عن العرش أو أفل وتلاشي وإختفي من الوجود .
أما بالنسبة للذين أختاروا الكفاح المسلح , فقد نظموا صفوفهم في قوات وحركات ثورية تحرريه , عاهدوا أنفسهم و أقسموا أن لايتراجعوا من مواقفهم مالم يتم إسقاط نظام المركز وإسترداد حقوق الشعب السوداني المهضوم ,فها هي الحركة الشعبية والجيش الشعبي في أقلميى النيل الأزرق وجبال النوبة / جنوب كردفان والحركات المسلحة الدارفورية يناضلون بقوة السلاح لدعم الانتفاضة الشعبية والكفاح السلمي في الداخل من أجل الوصول إلي سلام شامل عادل في وطن الحرية الذي يحلم الكل أن يسع الجميع .
ولكن هناك رفاق قد تخاذلوا وتراجعوا ونكصوا عن العهد والوعد الذي قطعوه مع رفاقهم الشهداء ومع شعبهم الابي لمواصلة مسيرة النضال مهما كلف الثمن حتي يتحقق السلام تسود العدالة والمساواة الحرية . ولكنهم للأسف منهم من باعوا انفسهم رخيصة بحفنات من المال لا تثمن ولاتغني من جوع واَخرون من اجل مناصب ومواقع مرموقة في الدولة , والتي دائماَ ما تكون نهايتها الاستغناء عن خدماتهم ورميهم في الشوارع والطرقات غير مأسوف عليهم .
من هنا نحي كل الرفاق المناضليين الذين إستشهدوا في معارك الكرامة بشرف ,وبذلوا أرواحهم رخيصة من أجل ينعم الاَخرون ويتمتعوا بالامن والسلام والاستقرار . وأيضاً التحية لكل المعاقيين والجرحي الذين سالت دماءهم الطاهره لتروي هذه الأرض التي دنست بممارسات وأفاعيل و أكاذيب المركز اللئيم , فنتمني لهم عاجل الشفاء . وأما الرفاق الذين مازالوا قابضين علي الزناد وجمر القضية وهم في الخطوط الأمامية يذودون عن حمي العرض والارض لا يسعنا غير أن نقول لهم مازال النضال مستمر , ولسوف يسطر التاريخ أسماءكم في لوحة الشرف بمداد من الإبريز لانكم صنعتم التاريخ ولبيتم نداء الأوطان حينما دعي الداعي وناد المنادي وجاء صوت الوطن الذي يصرخ ويئن من ويلات الحرب والدمار والخراب الذي حاق به . والعبث التي طالت كل أركان هذه البسيطه ردحاً من الزمان . فحلايب وشلاتين مغتصبتين و أين الفشقة والقلابات وموقعهما في خارطة الوطن العزيز ؟ هل يهيج ويثور نهرالقاش عبثاً ام هناك شئ ما في كسلا وعموم شرقنا الحبيبة ؟
فصبراً أيتها العذراء التي فقدت حبيبها و الام التي أستشهد بنوها فصارت ثكلي أو فقدت زوجها فأصبحت أراملة و الأب الذي ترمل حينما مات زوجته . و للأطفال الذين فقدوا أباءهم وأمهاتم فصاروا أيتاماً ,قد اَن الأوان لينتهي زرف الدموع وسيل الدماء ويرفرف حمامات السلام حاملة غصن الزيتون معلنة نهاية الطوفان . وللشباب الذين زج بهم في الحروب والتناحر كفي الأنصياع لهذا النظام الذي سينتهي بكم يوماً ما ويقودكم إلي مزبلة التاريخ . فلابد من الإنحياز لصوت الحق وللقضية العادلة وهي مطالب الشعب المستحقة .
وللشيب والشيوخ دعمكم لشعبكم بالمشورة والراي السديد هو السبيل للوصول إلي تطلعاتهم وأمالهم وأحلامهم . ولرجالات الدين كفي من إستغلال المنابر الدينية وتوجيهها للخطابات السياسية والوعظات الموجهة من قبل الحكومة , بل أدعوا الي الحب والسلام والتصالح والتسامح الديني والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد وللقادة السياسيين هلا تنازلتم قليلاُ من أنانيتكم وأطماعكم الشخصية من أجل ممارسة الديمقراطية وتقديم خدمة مرضية لشعبكم ؟ .
وحين يأتي دور المجتمع الدولي في إرساء السلام والأمن والإستقرار . والضغط علي الحكومات الدكتاتورية للتنازل عن عروشها وهيمنتها لمقاليد الحكم . نجد أنه يكاد أن لا تكون هناك موشرات توضح بان هذا المجتمع الإقليمي والدولي له أسهامات في إتجاه الوصول بالشعوب المتناحره إلي بر الأمان. بل يتضح جلياً ان هذه المشاركات خجولة وعديمة الجدوي . فهي كقطرة ماء في المحيط مما جعل العالم بأسره ملتهباً و مؤجحاً بالصراعات والمشاكل والكوارث الانسانية والطبيعية والأزمات الأقتصادية . و ذادت معدلات الجريمة وتفشي ظاهرة الإرهاب و التطرف والتلوث البيئي ومخاطر الإسلحة النووية و…..الخ) .
كل هذا ليس لان المجتمع الدولي لا يملك المقدرة في إيجاد الحلول بل هو الذي يصنع هذه الأزمات والكوارث من إجل مصالحها الخاصة بغض النظر عن من هو المظلوم ومن هو الظالم ؟ ففي نهاية الامر يرفع المجتمع الدولي عصي الجبروت والقوة ضد من ليس في صفه ولاتوجد مصالح مشتركة معه
إذاَ لاخير في المؤتمر الوطني وحكومة المركز ولا رجاء في المجتمع الدولي الذي خاب ظننا فيه كثيراُ,حينما أثبت فشله في في فض النزاعات و إحلال السلام في كيثر من بلدان العالم التي عصفت ومازالت تعصف به الحروب الشعواء التي أقامتها الحكومات الدكتاتورية علي شعبوها .
ولكن سنظل نناضل لا لشئ غير أن ننتزع حقوقنا بأيدينا ونصنع وطنا لا يقتل فيه احد من بعد بل تشرق فيه شمس الحرية ويجري فيه العدل كالنهر.