عبد المنعم سليمان
لا أعرف هل توجد في قاموس لغتي وشتائمي وبذاءتي عبارات تتناسب وحجم الجريمة الماثلة أمامنا ؟؟ أي عبارات تلك التي تكفي للرثاء أو البكاء أو اللعن أو اللطم أمام هذا الإنحدار الإجرامي الخطير الذي وصلنا إليه ؟ ولا أعرف هل ستبقي بين أضلعي ذرة من تسامح بعد اليوم حتى أغفر لمن خططوا ونفذوا وشاركوا هذه السلطة الفاشية ؟. من منا لم يشعر بالعار أمام هذه الجريمة التي إغتالت آخر ما تبقى من إنسانيتنا ؟ من ؟
كلنا شاركنا بشكل أو بآخر في هذا التحوّل الإجرامي الخطير ، وذلك عندما تواطئنا بالصمت واللامبالاة أمام جرائم الحرب التي ظل يمارسها النظام الفاشي في مناطق الهامش البعيدة عن “الخرطوم” .. وكنا نبرر ذلك التواطؤ بـ”الخوف” ، الذي سيزول بزوال النظام المتوحش ، فيسترد وطننا عافيته ونسترد إنسانيتنا .. ولكن وبعد ان تم إغتيال إنسانيتنا أمامنا بهذا الشكل السافر فلابد ان نقف أمام أنفسنا ونتساءل : كيف يسترد الوطن عافيته بعد هذا الزلزال الأخلاقي الخطير ؟ وما فائدة الوطن بلا إنسانية ؟ بل ما الوطن إن لم يكن هو الإنسانية ؟ وهل يستطيع الموتى بناء أوطان حية ؟ كلنا موتى بعد هذا اليوم !
لست هنا كي استعرض وإستطرد وأدين وأشجب وإستنكر أمامكم جريمة إستخدام النظام للسلاح الكيماوي في دارفور ، التي كشفها تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الأسبوع الماضي .. لا لست هنا لمناقشة ذلك ، فتلك المجاملات المنافة والمنحطة إنسانياً ووطنياً هي ماركة مسجلة بإسم الأحزاب “المعارضة” .. ولكني هنا لكي أطلب العذر من شباب المقاومة في دارفور لأنني لم ولن أشارك في منشورات “الطبطبة” و”المراثي” التي تمتليئ بها المواقع الألكترونية ، والتي تذكرني بالعبارات المكرورة والمملة المكتوبة على “كروت” التهانئ والمعايدة.. ولكي أطلب منهم ان يطوروا آليات جديدة للمقاومة المسلحة ، يستهدفوا بها كل من خطط أو شارك أو نفذ أو أيّد هذه الجريمة البشعة : استهدفوهم “بيت بيت” ، “حارة حارة” ، ” مكتب مكتب” ، “مسجد مسجد” .. وأرجوكم .. أرجوكم الا تلتفتوا لبيانات النفاق الصادرة عن كيانات سياسية بالية تريد إستثمار المأساة في بورصة المفاوضات المُفلسة أخلاقياً ومادياً .. فتلك الكيانات الهزيلة أصبحت كما “دراكولا” الذي تدعي معارضته ، لا تستطيع العيش دون إمتصاص المزيد من الدماء ..
ان أمة لا تخرج إلى الشوارع إحتجاجاً على قتل الأطفاء والأمهات والمسنيين بالقنابل المحرمة دولياً هي أمة عاجزة ومنقرضة .. وان “أحزاب” تقدم أبناءها كقرابين للوصول إلى السلطة هي أحزاب تافهة تستحق البصق والإزدراء .. لذا ليس أمام المقاومة سوى تطوير آلية عملية موجعة للرد على عنف السلطة الفاشية ، آلية تضمن لأبناء وأحفاد هذه المرأة المسنة البريئة التي أحرق “الكيماوي” ظهرها كما كبدها بان يعيشوا في وطنهم بلا حروق أو آهات أو أوجاع أو دماء أو دموع ، وإلا فان البديل هو ان يحترق الوطن كله ، بمن فيه وما فيه.
– اعتذر لنشر الصورة ولكنها ولغاية الأسف أفضل ما يمكن نشره مقارنة ببقية الصور الفظيعة .