حتى لا نكون كالذين لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا يا هداكم الله، ويا أهل الخير فلنرحب بالسلام ولنبارك ولنشكر من انجزوه. السلام خير، حيث اللا سلام وبال عضال، لا يتلظى بناره المتشككين به وحدهم ابتداء، بل الجميع. رأينا بعض الناس في الاسافير، يطلب الكمال في تجربه لم تبدأ بعد! وينتظر على أحر من الجمر ويتحين هفوات وزلات التطبيق، لينفخ فيها من فحيح سمه “الهاري”، ليثبت بطلان السلام! الكمال لله وحده، لا شيء في هذا الكون الرحيب والعجيب يأتي تاما كاملا. ومن يدعي إدراك ذلك، لا اخاله الا اخرق، لا حظ له من فطنه او بصيره. سعي الانسان في الارض وكدحه هو محض مقاربه نحو الكمال، ومهما ننجز من أشياء واعمال، يظل كسبنا نسبيا.
كثير من متشككي السلام تمسكوا بالفروع وتركوا الأصول، فروعا من شاكلة فاتورة موكب الاستقبال ذات الملايين العديدة الي كمية الرغيف التي وفرت لمستقبلي الوفود بساحة الحرية وأثر ذلك على صفوف المستهلكين في العاصمة، الي عدد الوافدين للخرطوم من الأقاليم البعيدة لاستقبال السادة الجدد، وتبييتهم نية عدم الرجوع، وكلها مزاعم لا يمكن اثبات صحتها. نقول تمسك هؤلاء الناس بهذه الترهات ونسوا او تناسوا الأساسيات، وهي ان حربا قد أحرقت الذرع ويبست الضرع أوقفت، وان مساكين ونازحين قد عادت الابتسامة والامل إليهم مجددا بعد طول غياب، وان موعد رجوع البؤساء والتعساء من المنافي والملاجئ الي الديار قد بان ولاح. وايم الله ما ضر السودان شيء مثل كترة “النضم الفارغ” وقلة العمل. يا من ترومون النجاح والصلاح انظروا في ترشيد الخطاب تفلحوا!
هؤلاء السادة الجدد لا يمثلون عرقا او أيديولوجيا، وهم من جهة اخري ليسوا مله واحده من الملل او نحله واحده من النحل، وانما هم تيارا عريضا تمثل الكتلة المهمشة والمهملة تاريخيا في السودان أحد أبرز عناصره واركانه. هذه الكتلة ليست بالضرورة العنصر الغالب والمسيطر، كما يروج متشككو السلام والمحرضين ضده. ولكن لها نصيب خطير وسهم وفير، استحقته بوزنها ووجاهة قضيتها وانتصارا لمبدأ وطن واحد لمجتمع متعدد.
هذا تيار واسع، وما انفك يتسع، يعبر عن تحالف استراتيجي عملي وبراغماتي، بين عسكر ومهمشين ووطنيين وعديد من عناصر وقوي ديمقراطية اخري امنت بالتحول الديمقراطي المعزز بالسلام، والمتوج بفك الحصار. ونابذه ورافضه لممارسات وعقلية سادة السودان القديم، من الاستعلائيين أصحاب النظرة الإقصائية الضيقة.
نعم النظرة التاريخية المؤسسة على انا الأفضل، وانا الاوفر حظا في التعليم، وانا الأكثر وعيا وانا الاصيل حضارة وانا الاصفي والأنقى عرقا ونسبا وانا وانا وانا!! وللأسف مع كل هذه “الانا” لم تتمكن هذه الذهنية من اعادة انتاج بلد ليكون قادرا على توفير ادني متطلبات الحياة الأساسية، مثل الرغيف والدواء والماء النظيف، ناهيك عن مشروع وطن متحضر ومتقدم، يفخر الانسان بالانتماء اليه او ان يكون جزء منه. هؤلاء السادة الاستعلائيين قدموا السودان للعالم كبلد ينتج اللاجئين، والنازحين والفارين من جحيم الحروب، والميممين شطر البحار العليا الباردة فرارا من الكلاشنكوف والفقر والعوز طلبا لحياة كريمة.
نعم لقد كان السودان عبئا ثقيلا على العالم، بفضل ممارسات سادته الاستعلائيين، غريبي الاطوار. فنتيجة لممارساتهم تلك، أتحفنا العالم بسلسلة طويله من مشكلات الجوع والمرض والفاقة نتيجة للتصارع والحرب والاقتتال. وأصبحنا بلد المنظمات بامتياز، وصرنا بقدرة قادر بلدا تحت رحمة ورعاية ووصاية الأمم المتحدة، تأتينا جيوش من موظفيها وموظفي وكالات اخري لتحاضرنا فيما نعرف وفيما لا نعرف!! ومن ثم تصرف لنا الإغاثة، لنعيش من تبرعات وعطايا المحسنين في العالم. واقترن لذلك اسم البلد بالمشاكل وبالحروب، وبكل ما هو غير ذكي وغير سمارت.
نوصي هؤلاء السادة الجدد بان العدل أساس الحكم، ولقد جربتم الظلم ومرارته، لعل هذا كون لديكم ضمير واخلاق تعصمكم من ظلم الاخرين. قيمه اخري، هي العفو عند المقدرة، وهي تعني السمو والترفع على امراض النفس، والنزعة لإثبات “الانا”. الحاكم حسب الدساتير الحديثة والمحترمة، موظف عام، مهمته خدمة أمته، فيحاسب على الصغيرة والكبيرة، من وراءه صحافه حره ومن امامه جهاز عدلي وقضائي مستقل، وهو بهذا ليس بسيد في امته! كما فهم واراد الكثير من الحكام في منطقتنا. لا تكونوا كالكيزان الذين قالوا في ساحة المحكمة الحادثه الان، ان البشير لم يكن الا سيدا وهو فوق المحاسبة! من أراد السيادة بمفهومها الكلاسيكي فدونه قبيلته، وعشيرته واهل بيته، فله ان يكون سيدا هناك، لا في كرسي الرئاسة والحكم.
نقول لسادة البلد الجدد ولقد رأيتم بأم اعينكم محاولة رجل اراد ترميم أسس واركان دوله عظمي، موظفا عوامل الانقسام والتفريق والتمييز، لقد شهد العالم كله محصلة العملية التي تبناها! انه الجهل بحقائق الأشياء ونواميس الكون، والعجز عن إدراك أسباب التقدم وبناء المجتمعات الحديثة المتماسكة. برغم قدرات بلده الجبارة الا ان مستر ترامب جر بلده الي الوحل والي حافة الافلاس الاقتصادي، وفي اخر أيام حكمه بدا مثل دونكيشوت يصارع ويلاكم طواحين الهواء. اللهم لا شماته، فاعتبروا يا اولي الالباب.
احمد محمود كانم