دويلة قطر لا تستند إلي تاريخ أو قوة سياسية أو عسكرية سوي ما تذخر به من موارد إقتصادية ومع ذلك تحاول جاهدة لعب أدوار إقليمية ودولية أكبر من حجمها الحقيقي وتعيش حالة إنفصام غريب يدعو للرثاء ، وما إنفكت تجمع بين الشيء وضده وليس لها من ثوابت أو رؤي ناضجة وهى تعيش حالة مراهقة سياسية وربما لا تعرف ما تريد وكيف تحقق ما تريد ، فهي تشارك في عاصفة الحزم بقيادة السعودية في اليمن من جانب وتدعم الحوثيين من الجانب الآخر ، وتقول إنها تحارب الإرهاب العالمي وتدعم الحركات الإرهابية المتطرفة في ليبيا وجبهة النصرة في سوريا ، وأنها تتوسط لحل الأزمة السودانية فيما عرف بإتفاقية الدوحة وتحاول إقناع الحركات الثورية السودانية في دارفور بالموافقة علي التفاوض والحوار مع الخرطوم وتدعم نظام البشير بالمال والعتاد لإرتكاب المزيد من الجرائم وإزهاق أرواح الأبرياء في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وتقول إنها ملتزمة بالقرارات الخليجية المتعلقة بإيران وتقيم علاقات مع طهران وأذرعها في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين ، وتدعم حركة حماس الفلسطينية كونها حركة تحرر وطنى وتقيم علاقات إقتصادية وتجارية وسياسية سرية مع إسرائيل وتأوي فلول الأخوان المسلمين الذين تقطعت بهم السبل بل وتمنحهم حق الإقامة وجوازات السفر وتوفر لهم غطاء سياسي وإعلامي ودعم مالي غير محدود لتخريب بلدانهم كما يحدث في الجارة مصر الآن !!
إنها دويلة غريبة الأطوار حقا وتعيش في حالة إنفصام وتوهان مما جلب لها كثير من المشاكل مع جيرانها الخليجيين الذين أضطروا لقطع العلاقات الدبلوماسية معها ومحاصرتها كى ترعوي وتعود إلي رشدها وتستبين خطل سياساتها المدمرة ليس لجيرانها الخليجيين فقط بل لقطر نفسها.
تطور الأحداث بعيد الموقف السعودي والأماراتي والبحريني والمصري وغيرها من البلدان أربك المشهد الخليجي والعربي وخلق حالة إصطفاف جديد بين المعسكرين السعودى والقطري ولأيهما تكون الغلبة في نهاية المضمار ، ففي حين كثير من الدول أبدت تأييدها للموقف السعودي لم تجد قطر من يقف معها علنا في عزلتها المجيدة سوي نظام الخرطوم الذي أدمن الأكل علي كل الموائد ولم يستطع إتخاذ موقف واضح المعالم مع أو ضد وآثر أن يمسك العصا من المنتصف ، فهو لا يريد فقدان الريالات السعودية وفي نفس الوقت لا يقوي علي قطع صلاته وعلاقاته بقطر كونها راعية للتنظيم العالمي للأخوان المسلمين الذي نظام الخرطوم جزءا منه وإن بدأ في التنصل له في كثير من المحطات وإنكار أي علاقة له بالأخوان المسلمين رغم أن راعي الضأن في الخلاء يعلم العلاقة بين النظام الحاكم في السودان سليل الجبهة الإسلامية القومية والأخوان المسلمين .
لا أعتقد أن موقف نظام الخرطوم من الأزمة الذي عبر عنه بيان الخارجية سوف يعصمه من الطوفان ولا أعتقد أن السعودية سوف تقبل بهكذا موقف ، فكما أرغمت البشير سابقا علي قطع علاقته بإيران سوف ترغمه إيضا علي إتخاذ موقف واضح من دويلة قطر وإلا فإن للسعودية من الحلفاء الإقليميين والدوليين يجعلونها تستغني عن خدمات البشير الإرتزاقية في حرب اليمين ، والسعوديين يعلمون جيدا بأن نظام البشير عندما تطوع للقتال في اليمن ليس حبا في السعودية أو اليمنيين أو حماية المقدسات كما يزعم بل طمعا في الريالات السعودية والخليجية لسد العجز في ميزانيته وإنقاذ إقتصاده المنهار ، ويعلمون أيضا أن النظام الذي باع إيران التى قدمت له كل أسباب التمكين والقوة يمكن أن يبيع السعوديين والخليجيين إذا وجد من يدفع أكثر وبسخاء ، فهو حليف غير مؤتمن ولا أخلاق له .
ليس أمام قطر من خيارات سوي الإنصياع للقرارات والمطالب السعودية والأماراتية وقطع صلاته بالأخوان المسلمين ووقف دعم وإيواء قادتهم وتمويل الحركات المتطرفة في سوريا واليمن والأخوان المسلمين في مصر والسودان والحوثيين في اليمن وإلا سوف تتعرض للإنهيار بعد إغلاق كل المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية والتعاملات التجارية والإقتصادية والدبلوماسية.
يبدو أن الإدارة الأمريكية سوف تغض الطرف عن أي فعل تقوم به السعودية تجاه قطر بعد الرشوة والتى سماها البعض بالجزية التى أخذها الرئيس ترامب والتى تقدر بملايين الدولارات ، وهذا يمكن أن يشجع السعودية وحلفائها للإقدام علي تدخل عسكري يسقط النظام القطري كما فعلت أمريكا سابقا مع عراق صدام حسين عند إجتياحه للكويت.
الأيام حبلي بالمزيد من المفاجات ولا أعتقد أن الوساطة الكويتية بإمكانها نزع فتيلة الأزمة ومنعها من التطور لأن ما قامت وتقوم به قطر تجاه جيرانها فوق الإحتمال وقد فشلت المبادرة الكويتية السابقة في إستئصال الأزمة من جذورها ولا حل سوي الإنصياع القطري الكامل للمطالب السعودية دون شروط أو إبطاء وقرن الأقوال بالأفعال وأن تمدد قطر أرجلها قدر لحافها والا تحاول لعب أدوار أكبر من حجمها وإمكانياتها وقدراتها فالمال وحده دون عقول لا يبنى مجدا ونفوذا .
محمد عبد الرحمن الناير
6 يونيو 2017م