بسم الله الرحمن الرحيم
[email protected]
لو لم يقل البشير في حواره من دولة الأمارات مع رؤساء تحرير الصحف التابعة للمؤتمر الوطني ماقاله لكنا قد إستغربنا، فما قاله يتوافق تماماً مع كونه ديكتاتور غارقٌ في متاهته، فلا يفهم معاني وقيم مثل حوار وتداول سلمي للسلطة وديمقراطية وتقاسم للسلطة والثروة وحل أزمات البلاد المستعصية المتمثلة في الحروب والمجاعات وقضايا النزوح واللجوء وتردي الإقتصاد السوداني وقضايا الهوية، كل هذه القضايا لا تشغل باله، وهو مستعد لحشد الآخرين بإسم حوارٍ شاملٍ ووطني لمناقشة هذه القضايا الهامة التي تؤرق بال أهل السودان وتُهدد بقاء السودان كدولة وفي آخر الأمر يُفرغ كل هذه الجهود من نتائجها من أجل بقائه في السلطة وتعزيز سطوة الأجهزة الأمنية والمليشيات التي تحميه والحفاظ على مكتسبات المؤتمر الوطني ومنسوبيه، لست أدري كيف سيكون رد التنظيمات التي انخرطت في حوار البشير لمدة ثلاث أعوام، على أن جزاءهم أن يناولوا في آخر المطاف مجرد طرفٍ من كيكة!!؟
سنقتبس هنا بعضاً من سطور حواره ففيها ما يكفي من التدليل على حجم كارثة الوطن، ففي رده على سؤالٍ حول إصرار المؤتمر الشعبي تضمين مقترحات شيخه الراحل في الدستور، قال البشير (ونحن كنا الاقدر على أن نفرض وجهة نظرنا… يا كدا يا اشربوا من البحر)، بالتأكيد مثل هذا الرد المشبع بالصلف والغرور الذي يُغذيه كارثة بقائه في السلطة لمدةٍ تُقارب الثلاثين عام ليس موجهاً فقط لحزب المؤتمر الشعبي وإنما هي رسالة لكل أهل السودان تكشف حجم مأساة البلاد مع دكتاتوريته وأناته المُغرقة في الوهم وحب السيطرة وإستحلاء عذابات أهل السودان، فمن يدعو الناس إلى حوارٍ حول طاولة وهو يستصحب معه في خياله أنه الأقدر على فرض وجهة نظره فمن المستحيل أن يصل الآخرين معه إلى نقاط إلتقاء في القضايا المحورية التي تُعاني منها البلاد، خاصةً أن حلولها تستدعي بالضرورة ذهابه هو ونظامه لأنهما من تسببا في معظمها ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونا جزءً من الحل.
وفي رده لمجموعة السذج الذين آزروه ونصروه وصدقوا أكاذيبه وانخرطوا في حوار الوثبة رد عليهم قائلاً (بالنسبة لمنصب رئيس مجلس الوزراء لم يكن هناك اتفاق اصلاً بأن يذهب للمعارضة، وطالما أن الحوار الوطني لم يلغ شرعية الانتخابات، فإن هذه الشرعية تلقي المسؤولية على المؤتمر لتشكيل الحكومة، وبالتالي منصب رئيس الوزراء الذي يرأس الحكومة.. ) (سيجدون نوابا في المجالس التشريعية حكومات الولايات.. أي أن كل من شارك سيجد شيئاً ولو اعضاء في مجلس تشريعي ولائي.. بمعنى يلقى طرف في الكيكة) إبتسر البلاد كلها في كيكةٍ يستأثر بها ويستخلصها لنفسه هو وأعضاء حزبه ومن ثم يلقون ببعض الفتات للمتهافتين على موائد السلطة أمثال أحزاب الفكة ومن دار في فلكهم، ثم عن أي شرعية إنتخابات يتحدث البشير وهوقد إغتصب السلطة بعد أن سطا عليها بليل وقوض نظاماً شرعياً منتخباً من قبل الشعب السوداني؟.
للأسف هذا البشير يعتريه نزق وحمق لايُدانيه فيه أي دكتاتورٍ سلف، فهو لا يرى ما حاق بالبلاد من دمار وخراب ولا يزال في تيهه يعمه ولازال يجزم أن البلاد ستختفي من الوجود إذا لم يحكم وهو تنظيمه وأنه وبعد 30 عامٍ من الفشل لازال بإمكانه أن ينهض بالبلاد رغم حجم الدمار الذي حاق بها جرّاء سني حكمه البائسة ورغم أنه لا يستطيع قراءة التقارير حسب ما اعترف به في متون الحوار، فهل مثل هذا الحديث وهذه العبارات التي تنضح صلفاً وعنجهيةً تُحفز على جمع الصف والوطني وحل مشكلات البلاد؟ أوَ لم يكن هذا شعاره ( جمع الصف الوطني) الذي أعلنه قبل ثلاث سنوات هو يُقدم خطابه للحوار في يوم 27 يناير 2014م وأن كل القضايا ستُطرح وستُناقش بشفافية وأن التوصيات التي سيخرج بها الحوار سيشرف هو بنفسه على تطبيقها مهما كانت النتائج!!؟ ألم تصدق الأحزاب التي رفضت حواره بأنه يكذب؟.
هنا نُذِّكر الذين كانوا يصرون على مشاركة الأحزاب والحركات المسلحة التي رفضت المشاركة في حوار البشير بسبب ما عُرف عنه من نكوصٍ ونقضٍ للعهود وأكاذيب، لم يرفضوا محضاً بل حددوا شكلاً للحوار الهادف الذي عبره يُمكن حل أزمات السودان، ذلك الحوار الشامل الحقيقي الذي تُوكل إدارته لجهة محايدة وأن لا يُقصى حزب ولا تنظيم عن المشاركة فيه وأن يتناول كل القضايا التى تُفضى لعملية سياسية متكافئة تُوقف الحرب وتُحقق السلام الشامل والديمقراطية وتتيح الحريات على أن يُتوج بمؤتمرٍ دستوري يضع حد لأزمة عدم وجود دستور دائمٍ متراضٍ ومتفقٌ عليه يضع حداً نهائياً لقضية الصراع حول السلطة والذي سيجاوب أيضاً على الأسئلة الملحة التي تثور في أذهان أهل السودان مثل حسم قضية الهوية وكيفية حكم السودان وعلاقات السودان الدولية، نذّكرهم ونسألهم أين ذاك الحوار الذي كنتم تجزمون أنه سيتناول كل قضايا البلاد؟.
أما المغرر بهم الذين سيقوا زرفاتاً ووحدنا إلى قاعة الصداقة، فما زالت الذاكرة تحتفظ بما قالوه وهم يروجون لحوار البشير بأنه سيتناول كل القضايا التي تؤرق مضجع البلاد وأنه لا شاردة ولا واردة ستغيب عن أجندة الحوار، فماذا يقولون الآن بعد أن إعترف البشير في حديثه أن الحوار الوطني الذي كان يدور في ذهنهم هو مناقشة مواضيع ومحاور محددة لكي يتم فيها الحوار وهذا هو نص ماقاله لرؤساء تحرير صحف المؤتمر الوطني ( هناك من فهموا اننا طرحنا الحوار لتشكيل الحكومة، أو لحل الحكومة ، أو لحكومة انتقالية وهذا لم يكن في ذهننا، بل كان في ذهننا حوار حول محاور محددة يتم التوصل فيها الى توافق، ليكون هناك شكل محدد لحكم السودان)!!
لقد قلنا مراراً وتكراراً أن المسرحية التي أطلقها البشير وسماها بحوار الوثبة هي كذبة بلقاء أو سرابٌ بقيعة حسبه الظامئون ماء، وعندما جاؤوه وجدوا عنده البشير ونزقه وأنه قد وضع لهم معايير لكل ما كانوا يعتقدون أنهم ناقشوه في قاعة الصداقة وأصدروا في ذيله التوصيات التي تحولت إلى مخرجات، فهاهو البشير ومن عاصمة دولة الأمارات يضع لهم الموازيين القسط لما ظلوا يبحثون له عن معايير خلال ثلاث أعوام من الحوار الهُراء، ففي موضوع توزيع السلطة فهو يمنح كل من شارك في الحوار الأكذوبة قطعة من الكيكة ولو حتي في المجالس الولائية جزاء تكبدهم المشاق والرهق خلال الثلاث سنوات، وأن رئيس الوزراء من نصيب المؤتمر الوطني، وبكل تأكيد تكون الرؤية الآن قد إتضحت للذين شاركوا في المسرحية، وللذين أحسنوا النيات ولم يشاركوا ولكنهم أيدوا نداء البشير وأكدوا على أنه بالإمكان أن يتجاوز السودانيون أزمات بلادهم والعقبات الكأداء التي تعترض طرق حلها، ليعلموا أنهم وكل الوطن أصبحوا مجرد كيكة يتلاعب بها البشير وعصابته كيفما شاءوا، وسيُحاكمهم التاريخ يوماً ما على مشاركتهم البشير في جريمة خداع الشعب السوداني.
عندما يُمعن المتابع النظر فيما يدور في أروقة المجلس الوطني يشعر أنه أمام حواةٍ محترفين يجيدون التمثيل واللعب بالحجر والبيضة، كان من الممكن أن تحتفي هوليود بقدراتهم في إجادة التمثيل الذي يجعلك تصدق الجدل الدائر حول زواج التراضي ( لست أدري لماذا تلح على خاطري وبشدةٍ مقولة إذهب أنت إلى القصر رئيساً وأذهب أنا إلى السجن حبيساً)، فبعد ثلاث سنوات تظهر نتائج حوار البشير الحقيقي لتتمحور حول تقسيم كيكة السلطة وإمعاناً في إلهاء الشعب السوداني وبالتآمر مع المؤتمر الشعبي يعتلون الآن مسرح اللامعقول في السودان ويقدمون فواصل من الأكاذيب وجدالٍ فقهي زائفٍ حول ما سموه بزواج التراضي ليصرفوا أنظار الشعب السوداني عن المشاكل الحقيقية التي تناولوها خلال هذه السنوات الطوال وكان البشير وأباليسه قد اتبعوا، تكتيكياً، خدعة جحا الذي وافق على تعليم الحمار الكلام خلال سنوات، فسمحوا للجوغة التي سايرتهم في حوارهم في قاعة الصداقة بمناقشة قضايا معروف رأي النظام الديكتاتوري فيها سلفاً، ولما انقضت الثلاث سنوات ولم يتعلم الحمار ولم يمت الملك، تفتق ذهن النظام عن فكرة جر السذج الذين إنخرطوا في جلسات حوار الغفلة في قاعة الصداقة إلى المسرحية الباهتة التي تدور فصولها الآن في المجلس الوطني والتي تُسمى زواج التراضي وكأني بهم الآن يفتحون أفواههم دهشةً من حجم المقلب الذي شربوه.