بقلم \ صلاح الدين ابوالخيرات بوش
نزعات التطرف التى تقوم بها عناصر النظام الحاكم و العنف الغوغائي تجد لها مكانة مفاهميه عند الذين تمت محاصرته في دوائر هذه الثقافة المتخلفة المعادية للعقل. ولهذا لم يكن الخطاب الذي ساد حينا من الدهر إلا تفعيلا لهذه الثقافة البائسة، واستثمارا للمخزون القيمي الكامن فيها
بلا تردد؛ نستطيع الجزم بأننا لم نحسم بعد معركتنا مع التطرف الذي ينخر في جسدنا الاجتماعي بلا رحمة، وأن كل محاولاتنا رغم جديتها لم تستطع أن تكف عنا سلوك المتطرفين الذين استباحوا العقل الجمعي على حين غفلة منا؛ إلى درجة أن خطابهم المأزوم غدا قادرا على اشعال بؤر التوتر في كل مناسبة، بل ومن غير مناسبة يقتلوين و ابناء الشعب السودانى و ينهبون ممتلكات الشعب و بيع ارضنا العزيزه و لا احد يصتطيع ان يقول لا للظلم
لم يتحرر عناصر النظام الحاكم بعد ولو في الحدود الدنيا المعقولة من أعباء ثقافة غوغائية موروثة، ثقافة موغلة في التخلف من حيث هي موغلة في ازدراء العقل، بل وفي التحريض عليه، إلى درجة مُطاردته ببث محاكم التفتيش وبيع البشر (او تجارة الرقيق)على امتداد تاريخنا الطويل لتتبع آثاره وآثار مُمَثّليه في الخطاب وفي التاريخ / الواقع. لان القتل والاباده الجماعية و الاغتصاب الذي يتم بطريقة منظمه هو يفهم ان هذا الوهم الثقافي ليس حالة عابرة، ليس استثناء يُواجَه بأصل مطرد. بل ان ممارسة هذا الوهم بروح لا تحترم الانسانية و تشريد ابناء الشعب من اجل مصلحتهم الشخصية هذا ما يجعلنى ان اكون محتار كأنما الذين يموتون لا يتنمون الى بنى البشر, ليس هناك ضمير و لا واسع انسانى يحرك مصاصى الدماء.
بل ان مجموعة النظام الحاكم تريد ردعنا ان نتماهى مع كل خطاب مناهض للعقل؛ ما دام يضرب على أوتار عواطفنا الساذجة، حتى لو كان خطابا في صورة تطرف مجنون، إذ نحن لسذاجتنا المستمدة من وحي ثقافتنا الساذجة لا نستريب ولا نتساءل ولا نعترض؛ عندما يُواجهنا خطاب التطرف والتخلف مُمليا علينا شروطه بكل صلف، بل ننساق وراءه عُميًا وصُماً وبُكماً طائعين، أو كارهين كطائعين ؛ لأنه هو الخطاب الذي يستجيب لحاجتنا التي صنعتها ثقافتنا الأولى، لأنه هو الخطاب الذي يستنهض فينا الأنساق الثقافية التي تستطيع إشباع رغباتنا البدائية في التنرجس والتبجح والاستعراض الفارغ، فضلا عن الرغبات القميئة المتأججة ذات النفس السادي التي لا يَهدأ أُوارها إلا بإذلال الآخرين.
لا شك أن إرادة الهيمنة هي تقوم على هذا الأصل الغرائزي المتمثل في إرادة إذلال الآخرين. حنما نطرح مسألة (قيادة البشرية) وقتل من يرفض قيادتهم بالعنف؟
طبعا، نهرب من هذه الحقائق المرة والفاضحة بأن نعلن رفضا لها، ونقول عنها إنها أعمال فردية، واستثناءات عابرة، لا تعكس حقيقة ثقافة النظام الحاكم. نقول هذا، ولا نتساءل لماذا أصبحت الغالبية الساحقة من أعمال العنف تصدر ضد مجموعات و مجتماعات ثقافية معينه من دون رحمة، ولماذا يقبع خلف معظم الأعمال الجبانه التى يقوم بها عناصر النظام الحاكم تجد تبريرٌ أصولي يُحيل إلى تصور ديني مرتبط بتبرعة النظام الحاكم ؟! لماذا بث كل الكراهية و العنف المبني على الكراهية أوفر، وكأن كل من ساهم في هذه الحضارة الرائدة هو إسهام في جريمة نكراء لا تستحق غير العقاب.
ولو كان التورط يقف عند هذه الحدود لهان الأمر. أي أن التورط ليس مرتبطا بهوية الفاعلين فحسب، بل الأعمق دلالة هو ما يصدر عن المُبررّين الذي يبررون مثل هذه الأعمال صراحة، أو حتى ما يصدر عن أولئك الذين يترددون في الإدانة؛ فتأتي إدانتهم باهتة لا تلمس فيها الإدانة الصريحة الجازمة للعنف، كما لا تلمس فيها روح الانحياز الكامل للإنسان ولكل ما يعزز قيم الإنسان. يترددون في إدانة القتل ، وإن أدانوه يترددون في تجريم مبرراته الثقافية، بينما تجدهم في الوقت نفسه مستنفرين غاية الاستنفار للدفاع عن كل جاهل أهوج يمارس غوغائيته الثقافية في إرباك أو إفساد حياة الملاين من الشعب ، مخترقا الأنظمة والقوانين، وملوحا بالعنف ،و ذلك العنف الذي يستمده من ثقافة تمنحه هذا الحق المقدس في فرضة رؤيته الخاصة على الآخرين.
ومرة أخرى نقول: إن حالات االقتل، والعنف، والهياج الأرعن المتبدي في ممارسات ، هي حالات فردية، ولكن الموقف منها ليس موقفا فرديا، فمعظم أطياف الخطاب الأصولي تقف بكل وضوح مع هذه الممارسات الفردية، داعمة ومؤيدة بأقصى ما يمكن من فعاليات الدعم والتأييد. وهذا يعني في النهاية أنها ليست حالات فردية حتى وإن بدت كذلك، إنها ممارسات ثقافة؛ لا ممارسات أفراد، ممارسة ثقافة لا تزال في عمقها وفي تجلياتها الظاهرة عبثية وغوغائية ومكتنزة بكل رؤى العنف، فضلا عن كونها مستعرة بكل النزوات البدائية التي لا تجد إشباعها إلا في استباحة حريات الآخرين.
إن ثقافة القتل و التشريد كهذه الثقافة يستحيل عليها أن تتواءم داخليا بين مكوناتها، كما يستحيل عليها أن تسالم الآخرين وتتعايش معهم ولو في الحدود الدنيا التي تضمن السلام الاجتماعي. ثقافة تمنح صبيانها مشروعية العنف في توجيه الآخرين، يستحيل عليها أن تصنع منهم أناسا أسوياء قادرين على التفاعل الإيجابي (المبني على الاحترام المتبادل، دونما وصاية من أحد على أحد) مع غيرهم؛ لأنها لا تعرف أصلا بدهيات حقوق الإنسان، والتي من أهمها أن إنسانية الذات (والحرية شرط الإنسانية الأول) لا تتحقق إلا مشروطة بتحقق إنسانية الآخرين.
كثيرا ما نتساءل: لماذا لم يظهر لدينا وعلى امتداد تاريخنا الطويل رجل بحجم المهاتما غاندي، أو نيلسون مانديلا، أو مارتن لوثر كينج، مفترضين أن ثقافتنا قادرة على إفراز أمثال هؤلاء الأفذاذ، نطرح هذا التساؤل المتفائل جهلا وسذاجة؛ وننسى أن الثقافة الغوغائية التي تهيمن على العقل الجمعي لدينا، هي إما ثقافة منحازة إلى خيارات العنف ضد الآخر صراحة، وإما ثقافة لا ترى في هذا العنف كبير خطأ، فلا تدينه إن أدانته إلا بما يشي بالتبرير. بينما هي كما تُعرّيها وتفضحها فعاليات التلقي تتفجر حماسة وشراسة وعنفا في القول وفي الفعل لأتفه الأسباب، حتى ولو كان السبب / المثير مجرد أغنية عابرة وربما تافهة تحاول اختراق سديم الحزن في زمن الحرمان.