كتب عبدالعزيز يعقوب
حركة عموم إفريقيا (بان إفريكانزم) ليست هي إيديولوجية سياسية معينة ولا تقليد فلسفي واضح يمكن تميزه ، ولذلك يصعب تعريفه ، ولابد من الإشارة إليّ أن الكتاب الذين إهتموا بالكتابة عن حركة عموم إفريقيا أقروا بصعوبة تعريفها ، مشيرين إلي أن الأمم السوداء اختلفت جزريا حسب الزمان والمكان والفعل، لذلك إن المفاهيم للوحدة الإفريقية كانت تتماشي مع مواقف سياسية ونظريات متباينة ، فمسارها جعلها تستوعب كل الأحداث ، لكنها ظلت أيضا تتميز بتعدد المفاهيم والأحداث ، وقبل أستعراض مفهومها نستعرض نشأتها
نشأتها :
حركة عموم إفريقيا لم تبدأ في أرض الوطن وأنما خارجها ، كما أنها تطورت فيما يعرف بالمحيط الأطلنطي التي تتكون أضلاعها من الدنيا الجديدة (امريكا) اروبا وافريقيا ، وأنها ظهرت أول مرة في مؤتمر عقد سنة 1900 م بلندن ، جمع نخبة من السود ، هذه النخبة شملت أشخاص من غرب إفريقيا والبحر الكاريبي والولايات المتحدة وإنجلترا ، كانو يشتغلون محامين ومعلمين ومرشدين إجتماعين وصحافين وموظفي الخدمة المدنية ورجال دين فضلا عن بعض الطلاب .
مفهومها :
تعددت مفاهيم حركة عموم إفريقيا وذلك بتعدد تصورات أنصارها ، فهي ظاهرة تدل علي مجموعة من الافتراضات المشتركة ، سياسية وثقافية وتعتبر الأفارقة جميعا بما فيهم المنحدرين منها محل عنايتها وتنظر إلي أن جميع الأفارقة ينتمون إلي “عرق” واحد ويتشاركون في الوحدة الثقافية ، أي تسعي إلي تجديد وتوحيد إفريقيا بتعزيز شعور الأفارقة بالانتماء للعالم الأفريقي وهي في نفس الوقت تمجد الماضي ، وتنهل منه قيم الفخر والكرامة لمواجهة الاكاذيب وأنواع التضليل حول قوم السود والتي اتسمت بها أدبيات القرن الماضي في اروبا وأمريكا .
وكأيدلوجية للتحرر ،فهي مبنية علي مبدأ أن البشر والأعراق يتمتعون بحقوق متساوية وليس افتراض أن الجنس الابيض متفوق .
ومن هنا فإن مفهوم حركة عموم إفريقيا ظل يعرف حيوية مستمرة ليتماشي مع المتغيرات الظرفية وللاستفادة والإثراء من التجربة الخاصة بالحركة وتلك التي تعيشها الجماهير والجماعات وزعاماتها من جهة ، ولا زال أهم هدف تسعي إليه حركة عموم إفريقيا هو وحدة إفريقيا والأفارقة ، كما لا يزال التأكيد علي أن الوحدة يجب أن تتحقق من خلال النضال من أجل التحرر واستعادة المجتمع الأفريقي هويته .
كذلك كرست المظاهر الثقافية والفكرية للحركة لاستعادة أو الحفاظ علي “التقاليد” الأفريقية والتأكيد علي مساهمات الأفارقة والأشخاص في شتات العالم الحديث ، وكافحت الحركة ضد التمييز العنصري بشكل دائم ، وبالنسبة للحقوق المدنية السياسية للأفارقة والمنحدرين من الأفارقة فإنهم يميلون إلي أن يكونوا مناهضين للإمبريالية ، وغالبًا ما تبنوا عودة مجازية أو رمزية (إن لم تكن حرفية) إلي إفريقيا .
هذا ويجب الإشارة إلي أن مفهوم حركة “بان إفريكانزم” حسب أشهر زعاماتها التاريخيين وليام ديبوا هو
[quote]وحدة حضارية قوية نابعة من العبودية والحرمان طويل المدي من الحقوق السياسية والمدنية[/quote]
أصل وتطور حركة عموم إفريقيا :
إن مفهوم الحديث عن عموم إفريقيا ، إن لم يكن المصطلح نفسه ، يعود إلي منتصف القرن التاسع عشر علي الأقل فشعار “إفريقيا من أجل الأفارقة” الذي شاع منه إعلان ماركوس غارفي (1887_1940) لحقوق الزنوج في عام 1920 كان بمثابة تحول كبير في مسار الحركة رغم الإختلافات والتباينات بين أشهر زعاماتها وليام ديبوا وماركوس غارفي فقد كان الشخصان المسيطران علي الميدان في الربع الأول من القرن العشرين .
ويمكن النظر إلي أن نمو المشاعر الأفريقية في أواخر القرن التاسع عشر علي الاستمرار في التفكير العرقي “القومي” وأن تعرض القارة الأفريقية للهجمات الاستعمارية الأوربية جعلها تعيش مرحلة مظلمة ، حيث أصبحت مصدر للرقيق والمواد الأولية التي يحتاجها الأروبي في نهضته الصناعية مع نظرتهم المتزايدة إلي العرق علي أنه اختلاف بيولوجي ، وبالتالي ، اختلاف متأصل بدلاً من كونه ثقافيا ، كان من أبرز العوامل .
وتعتبر الفترة من (1900_1945) كان المسار التاريخي للحركة وكان حافلا بأحداث التي ساهمت في نضج الجامعة الأفريقية ونضج الرواد الأوئل والمتأخرين للحركة وفي بلورت القرارات والتي نتجت عن سير الأحداث في إفريقيا والعالم بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945 .
لذلك يعتبر المؤتمر الأفريقي عام 1945 في مدينة مانشيستر بعد الحرب العالمية الثانية ، علامة فارقة في مسيرة الحركة ، وأصبح الأفريقيون لأول مرة يوازون بنفوذهم نفوذ السود الأمريكين بفضل وجود الشبان الأفارقة مثل جومو كينياتا وكوامي نكروما (1909_1972) الذي عمل كمساعد الأمين والسكرتير المشترك علي التوالي .
وبعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، عادت الاهتمامات الوحدوية الأفريقية مرة أخرى إلى القارة الأفريقية، بتركيز خاص على الوحدة الأفريقية والتحرر ، وقد أسهم عدد من قادة الوحدويين الأفارقة -لا سيما جورج بادمور و دو بويز- في تأكيد التزامهم لأفريقيا بأن هاجروا إليها وباتوا مواطنين أفارقة.
الهوامش :
New Dictionary of the History of Ideas Pan-Africanism
Pan-Africanism or Communism? The Coming Struggle for Africa. London: D. Dobson, 1956.
كولين ليجوم؛ الجامعة الأفريقية
حمداني محمد علي جامعة باتنة : تطور تاريخ الحركة الأفريقية
Marcus Garvery : Black History